الأسدي يعيد صياغة النصوص العالمية بما يتوافق مع رؤيته الإخراجية:
العنبر يدلّني على قهري الشخصي وإنحلال القيم وسيادة الطغيان
بغداد - ثـائـر عبد علي
حقق المخرج المغترب جواد الاسدي حضوراً فنيا فاعلاً فهو يتميز بإحساس مسرحي عالي، من اعماله المسرحية ( نساء الحرب ، ليالي احمد بن ماجد ، انسوا هاملت ، تقاسيم على نغم الحياة ، حمام بغدادي ، العائلة توت ، ثورة الزنج ، الاغتصاب ، الخادمتان ، ماريانا ، المجزرة ماكبث ). وفي مسرحية ( نساء الحرب ) وهي من تأليف الأسدي يعبر بها عن معاناة اللجوء الى الدول الاجنبية والتي أسهمت بشكل فاعل في تحطيم وتهشيم حضارة وامن بلداننا العربية ، وجعل الناس يهاجرون بحثاً عن الأمن والأمان في البلدان التي سرقت الامن والامان منا . فالأحداث تجسدها ثلاث لاجئات يتقاسمن العيش في بيت واحد . تبدا المسرحية ، اللاجئات يقدمن انفسهن للمحقق لتدوين إفادتهن . ومن ثم تتوالى الأحداث في البيت وامام المحقق . نستعرض جزء من بنية خطاب النص الحواري لدى الاسدي على لسان احدى الشخصيات ، وهي اللاجئة العراقية تدعى ( فاطمة ) والتي تقف أمام المحقق الذي يسخر ويستفز اللاجئين باسئلته العنصرية.
فاطمة : ( بعنف عال )(ارجوك حضرة المحقق لا تتعامل معي كنكرة صحيح أنني خرجت من بلدي تحت ضغط التهديد لكن عليك أن تعرف من أنا ومن اي تاريخ حضاري اتيت ذاكرتي محتشدة بسيرة كبار العلماء والفنانين والمفكرين والمبتكرين من امثال الجاحظ وزرياب والكندي والخوارزمي والجزري تلصصتم على حضارتنا وخطفتم مبتكراتنا واصبحتم تتباهون بما هو اصلاً لنا ومن عندنا ، أنا ابنة الجنة التي حولتموها أنتم الى رماد).
* وعرف عن الاسدي انصهاره في اعداده للنصوص العالمية والعربية واعادة صياغتها بما يتوافق مع رؤيته الاخراجية ، حتى لو تطلب الأمر تهشيم النص والاطاحة به بشكل كامل والاتيان بنص جديد منطلقاً من فكرة (معادلة جذب) او مجموعة (معادلات) افكار ترسبت لديه من النص الاصلي المؤسس. يقول الاسدي (أنا اتعامل مع النصوص الكلاسيكية والحديثة.. تعاملاً حراً يعيد احياء الاسئلة في داخل النص ، ويضيئ مناطق ومناخات جديدة بالتفجر ، والابتكار . ليس هناك نص محرم ، او مغلق. ثم أن الفرق كبير جداً بين مخرج يعيد قراءة النص قراءة تقديسية تسهم في موت النص، وابقائه في منطقته التاريخية وبين مخرج يعيد نبش وتفكيك واعادة استنباط المخبوء فيها ، ثم اعادة قراءة النصوص قراءة اخراجية قد تتقاطع مع النص نفسه في كثير من النقاط ). فالإنزياح عن الثابت المتواجد في النص الاصلي المقدس لدى بعض المخرجين والكتاب وانتهاك حرمة قدسيته من قبل مخرجين آخرين ومن ضمنهم جواد الاسدي هو يشير الى ما يحمله النص من غنى كثيف في الافكار المفتوحة ، والتي تمنح المخرج افق واسع في التنقيب واستخراج الجواهر الثمينة التي تزداد قيمتها بحسب توافقها مع احساسات ورغبات ذاتية مكبوتة لديه، او مع التحولات والتغييرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لمجتمع ما ، بحيث تلفت انتباه المخرج اليها ، ويتناولها بقراءة جديدة غير تقليدية تتوافق مع الحياة الراهنة .
اما مسرحية ( تقاسيم على الحياة ) التي أعدها وأخرجها لاسدي عن قصة ( عنبر رقم 6 ) لمؤلفها ( جيخوف ) والتي تتمحور ثيمتها حول ماساة مصير الانسان المثقف الواعي الشريف النزية في مجتمع ظالم هش تقوده ثله من الجهلة الفاسدين الانتهازيين يتحكمون بمصائر الناس ، هم ينعمون بالخيرات ، والشرفاء يهمشون ويعذبون ويزجون في مصحة للامراض العقلية او تكون القبور مساكنهم لا خيار ثالث لهم .
يقول عنها الاسدي (عندما قرأت العنبر أول مرة سكنتني وحشة وخيبة أمل ونزعة خفية لإعادة التدقيق وتفحص الناس ومراقبة وحشتهم وطريقة كلامهم والتقاط اشاراتهم ، دلني العنبر على قهري الشخصي فعنبر جيخوف السادس هو عنبر فقدان المثل وانحلال القيم وسيادة الطغيان . ببساطة أن مخلوقات جيخوف في عنبر الخراب هم انفسهم اولئك البشر الذين يستيقظون في كل فجر على وقع المقصلة والوحشة ).
فتلك المجسّات والذبذبات التي التقطها وعي المخرج واحساساته في النص المسكون بالطاقة الفكرية والجمالية الكامنة والصالحة للاستخدام المعاصر. هي من تجعل المخرجين يقبلون على فك طلاسم النص وإعادة تشكيله وتركيبه على وفق رؤية ابداعية غير تقليدية تتسم بالفرادة أحياناً.