رسائل تهنئة عبر (البوستات): عيد مبارك.. أضحى بألف بخير
رجاء حميد رشيد
بمناسبة عيد الأضحى المبارك وردتني عبر مواقع التواصل الاجتماعي ( الواتس اب) رسالة تهنئة جاهزة عبارة عن صورة (بوست) خطت بداخلها كلمات وأمنيات خاصة بالعيد ، وقد يتساءل البعض مالغريب في هذه الظاهرة الالكترونية الشائعة التي طغت على حياتنا في كل المناسبات وليس فقط في العيد ، الغريب يا أصدقائي بأنها وصلتني مذيلة باسم شخص لا اعرفه غير اسم الشخص المرسل الذي لم ينتبه وبدوره أعاد إرسالها لي وهذه المرة الثانية التي تصلني مثل هذه الرسائل حيث سبق وان أرسلت لي تهنئة مثلها من صديق آخر بمناسبة عيد الفطر ، لم اعر اهتماما ورددت التحية بأحسن منها و بكلمات قليلة معبرة ذات قيمة معنوية تميزها عن الرسائل العصرية ، مع جل احترامي وتقديري وشكري لمن ذكرني وأرسل لي التهاني الجاهزة.
لزگات التهاني
وعن هذه الظاهرة كتب الصحفي والقاص جمال العتابي في منصة الفيس بوك ” منذ أن اجتاحت التقنيات الحديثة وسائل الاتصال ، وهي تتفنن في تقديم الخدمات المذهلة للبشرية ، لكنها تتفنن في اختزال العواطف وتفقدها حرارتها وروحها، لذا استسهل البشر هذه الوسيلة الجاهزة الميتة في تبادل التهاني في الأعياد والمناسبات الأخرى لتصلك جافة بلا حياة وبلا طعم أو بلا معنى أحيانا كثيرة تأتيك مثل السيل وأنت لاسبيل أمامك سوى الرد بطريقتك (الرجعية ) التي تجاوزها الزمن ، بتبادل الحديث أو على الأقل بالكتـــــــابة ، ما الحل أيها الأصدقاء ؟؟
افتونا رجاء! دمتم بخير جميعا وبصحة وعافية”. وانهالت التعليقات … فوصفها الدكتور نجاح كبة بأنها ” التهاني بالملصقات وأمثالها يسميها بافلوف بالاستجابة الشرطية الصناعية لا الاستجابة الشرطية الطبيعية ” ، وجاء رد الكاتب الصحفي عبد الستار البيضاني ” طول خلك شويه ابن العم…كلشي صار معلب ومسلفن حتى العواطف” ، فيما اقترح الكاتب جواد غلوم ” افرضوا ضريبة عليها وسيتوقف الإرسال”، وعبر القاص احمد خلف عن معاناته من هذه الظاهرة ” أنا معاناتي في كل عيد هذه الملصقات والكارتات …حيرة والله ابو فرات ..” ويرى بسام العنزي ” أرى في عملية التواصل هذه عمليه جامدة ليس فيها روح ولا أجد فيها حياة أتوق إلى سماع صوت الآخر ومجالسته ومنادمته وجها لوجه فهي تمنحني الإحساس بالحياة أكثر.. “
وقال عنها فاضل الشرقي ” حقا أنها لغة الصم والبكم ” ، وقال جعفر شهاب ” تعجبني معايدة يكتبها المرسل، من سطر واحد، بخط أصابعه خير من استلامي الجواب معلبا” ، فيما كتب ستار سيجار” بعض الشيء أفضل من لاشيء 000 قد يأتي يوم أخي العزيز حتى هذه التهنئة الباردة نفتقدها فالحمد لله والشكر الجزيل للتكنولوجيا ألحديثه التي أثلجت العواطف ” . بالرغم من الايجابيات التي عكستها التكنولوجيا الحديثة والتطور الحاصل في التقنيات والمعلومات وأثرها الكبير في حياتنا بصورة عامة من خلال اختصار الزمن وسرعة الاتصال وتقريب المسافات إلا إن تأثيرها انعكس سلبا على مشاعرنا وعواطفنا وباتت باردة مثلجة أفقدتنا خصوصية المشاعر والأحاسيس وانتقاء الكلمات التي تحمل الصدق والشفافية في التعبير من خلال نبرة الصوت ونظرة العين وملامح الوجه المعبرة ، فالتكنولوجيا أعطتنا الكثير من الفوائد وأخذت منا بعض الأشياء الجميلة.
الأسود والأبيض
ومما لاشك فيه بان ليس التهاني فقط قد تغيرت طرقها وأساليبها بل كل مجالات الحياة تغيرت ، وتكاد لا تخلو جلسة أصدقاء أو ضيوف أو أي تجمع اجتماعي وثقافي إلا وكان للماضي ( أيام الزمن الجميل ) نصيب منه ومقارنته مع الحياة اليوم ، وهذا ما جسده حوار قرأته يوما بين الجد والحفيد ، حين سال الطفل يوما جده “كيف استطعت العيش سابقاً بدون انترنيت و أجهزة كمبيوتر وبدون هواتف نقالة وتلفاز وغير ذلك من الأجهزة الحديثة ؟ ” فأجاب الجد ” تماماً مثلكم اليوم تعيشون بدون عواطف وخجل ، وبدون احترام ، حتى بدون شخصية وحب ، اليوم تسموننا كبار السن ، ولكن عليك أن تعلم إننا كنا في صغرنا ننهي واجباتنا المدرسية لوحدنا دون مساعدة ، وكنا نركب دراجاتنا الهوائية ونذهب نلعب حتى الغروب ، نلعب مع أصدقائنا الحقيقيين ، وليس أصدقائنا على الانترنيت ، كنا نشرب الماء من النافورة ، وليس من العبوات البلاستيكية ، ولم تصب أقدامنا حتى لو سرنا بدون أحذية ، ولم نمرض يوماً لأننا شربنا الماء مع أصدقائنا من نفس الكأس ، نحن أوجدنا الألعاب الخاصة بأيدينا ولعبنا بها ، لم يكن اباؤنا أغنياء ، ولكنهم أعطونا كل الحب الممكن ، ولم يعطونا أفلام فيديو لإسكاتنا ، كنا نزور منازل أصدقائنا بدون دعوة ، ونســـــــــتمتع معهم بأكل الخبز والزبدة وطعام خفيف ، من الممكن أنكم لازلـــــــــتم تعرفون صورنا باللون الأبيـــــــــض والأسود ، ولكنها بالنسبة لنا جميلة وملونة ، نحن مميزون لأنـــــــــنا آخر جيل يستمعون لإبائهم ، وكذلك أول جيل عليهم أن يستمعوا لأطفالهم ، نحن فعلاً جيل لن يتكرر.
وأخيرا وبكل مشاعر الحب والاحترام أقول لجميع الأهل والأصدقاء والقراء .. عيدكم مبارك وكل عام وانتم بألف خير .. وبخط يدي …