بين المولات و المالات
رافد جبوري
اخيرا افتتح اكبر برج في بغداد, مول بغداد او مول الحارثية. بعد خمس او ست سنوات من تاريخ الشروع به. رمز للاستثمار وعلامة باهية في منطقة راقية من بغداد. افتتحه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بنفسه مع كلمات تمتدح التحرير والبناء على لسان عريف حفل الافتتاح و بيانات اعلامية تشيد بـ - التقدم الاقتصادي - المصاحب للتقدم العسكري.
مع ردود الفعل العراقية السعيدة والمهنئة كانت هناك انتقادات حادة للافتتاح. جزء من الانتقادات كانت قيام العبادي بافتتاح مشروع خاص وليس حكوميا اما القسم الاخر فقد كان اعمق اذ استنكر الجدوى الاقتصادية للمولات كما هاجم شبهات الفساد عموما. الفساد الذي دائما ما تكون له مصطلحاته الخاصة ومنها في العراق مصطلح -المالات- وتعني المال المستحصل في الغالب بطريقة غير مشروعة.
عن الفساد و المالات حديث طويل في العراق. اثبات الفساد الكبير ليس سهلا باعتراف العبادي نفسه الذي تحدث اكثر من مرة عن طرق تغطية الفاسدين لفسادهم. في الفترة التي عملت فيها قريبا منه لمست حرصه على الابتعاد عن الفساد وتعهده الذي بدا لي صادقا في محاربته وعمله من اجلالتعامل مع ازمة اقتصادية صعبة اصابت العراق مع انهيار السعار النفط. ولست هنا في معرض الدفاع عن العبادي او مهاجمته فهو في النهاية جزء من طبقة سياسية سيطرت على العراق وتقاسمت سلطته السياسية وموارده الاقتصادية وللشعب العراق ان يحكم عليها وعلى افرادها.
رغم التعهدات والمطالبات بمكافحة الفساد فان معظم الموشرات تقول بان المالات واصحاب المالات مازالوا عنوانا للاقتصاد العراقي, وكل ما يقال ويعلن ممن شعارات كبرى اصلاحية عن مكافحة الفساد لا يترجم الى خطوات فعلية.
ليس هناك مشكلة في ان يقوم رئيس حكومة بلد ما بافتتاح مشروع قطاع خاص مثلما انتقد المنتقدون. الحكومات الحديثة في العالم تضع في اهم اولياتها رعاية الاستثمار والمستثمرين وتشجيع القطاع الخاص وتوفير كل ما يريده. والحكومة العراقية تتبنى الاتجاه الليبرالي في الاقتصاد وتبشربحسناته.
لكن العلاقات الاقتصادية- السياسية مختلفة تماما في العراق عنها في الغرب الليبرالي. ففي حين تشجع حكومات الغرب القطاع الخاص القوي المسؤول الذي يوفر الوظائف للشعب ويدفع الضرائب ويتبرع لكثير من الاعمال التنموية والخيرية فان الاقتصاد الريعي طاغ في العراق. النفط هوالسلعة الوحيدة تقريبا التي يبيعها العراق وعليها وحدها تقريبا يعتمد اقتصاده. منها يدفع رئيس الحكومة رواتب موظفيها لينفقها الميسورون منهم في مول الحارثية وغيره.
من النفط ايضا تاتي واردات الاحزاب الحاكمة التي تسيطر على الوزارت والوظائف فتستخدم المالات التي تستحصلها لبناء قاعدة من الانصار والمويدين.
لكن كل هذا ليس كافيا للجميع. فالفقر في العراق يشكل ظاهرة. اذ يعيش اكثر من ربع العراقيين تحت خط الفقر فيما تعيش نسبة اخرى فوقه بقليل. تلك ايضا احدة لعنات النفط ولعنات ادارة الاقتصاد الريعي فالهوة تزيد بين الفقراء والاغنياء بينما تفشل اليات اعادة توزيع الثروة هذا ان وجدت اصلا في العراق.
البعض يحذر من ان المولات تشجع النزعة الاستهلاكية في العراق. ولكن هذه النزعة انتشرت فعلا.ويرافقها ايضا توقف في كثير من القطاعات الصناعية التي بناها العراق في عقود طويلة ونشطت حتى في سنوات الحصار القاسية.
بات العراق اليوم مستوردا متميزا لكل ما تنتجه وتزرعه دول الجوار ودول العالم, وشكرا لاموال النفط ايضا. مبادة احياء الصناعات تبقى بند معلقا على اجندة اي اصلاح حقيقي لاي حكومة مخلصة في العراق.
المول ظاهرة حديثة نسبيا اميركية المنشأ لكنها باتت تشكل علامات جذب سياحي في دول عديدة منها دول الشرق الاوسط التي يزورها العراقيون فيعودون مبهورين بمولات كبيرة يتمنون ان تكون لهم وها هي تنتقل اليهم ففي السنوات الاخيرة انتشرت المولات في اكثر من حي في بغداد واكثر من مدينة في العراق. هنيئا لاي فرح يفرحه العراقيون ولاي بادرة تطور وان كانت مظهرية لكن مع انتشار المولات لابد من مكافحة المالات اذا ما اريد لبنيان العراق الذي هو اعلى من برج مول بغداد ان يعلى ولا ينهار.