استوقفتني هتافات عدائية لمجاميع متطرفة تقاتل في سوريا، تدعو لمواصلة الزحف نحو كربلاء لتصفية حسابات ثقيلة وطويلة، وهي بذلك تعكس فلسفة التنظيمات الإرهابية على اختلاف تسمياتها وتوجهاتها ومرجعتيها، وقد سبق ذلك قول أبو محمد العدناني الشامي المتحدث بأسم داعش الإرهابي عام 2014، (إن وطيس المعركة لم يحم بعد ولن يحمى إلا في كربلاء)، وهذه الهتافات لم تأت جزافاً، فارض كربلاء لما لها من مكانة دينية ناجمة عن احتضان المدينة لمرقدي الإمام الحسين واخيه العباس عليهما السلام جعلا منها نبراساً للنهضة ورفض الظلم ومحاربة الطغيان والانحراف على مر العقود والحقب، وهذا يعني عدم استهداف كربلاء حيزاً جغرافياً مادياً، بل هي شعارات يُقصد منها استهداف الاسلام المحمدي المعتدل ، وخط اهل البيت عليهم السلام ، وعموما فهذا الهاجس يعكس جملة من المعطيات:
الجماعات الإرهابية على اختلاف توجهاتها تمتلك مشروعاً تكفيرياً يتجاوز الحدود السورية، لأنه لا يعترف اصلاً بالحدود السياسية، فهو مشروع عدواني تكفيري متطرف يسعى لإقامة خلافة منحرفة مشوهة.
الشعارات والهتافات التي تطلقها الجماعات المتطرفة تعكس فلسفة تتمحور حولها ايدلوجية التنظيمات المتطرفة، فالقدس وغزة ليست وجهتهم، بل لم تدخل في حساباتهم اصلاً.تُستهدف كربلاء لأنها تمثل تجسيداً للنهضة الحسينيّة التي على كثرة دروسها وعبرها ودلالاتها كانت تهدف لإيقاف مشروع التطرّف الأُموي الذي يتكأ عليه الفكر التكفيري، فالإمام الحسين عليه السلام يمثل الاتجاه الذي يحاول إرجاع الأُمة إلى خطّ الاعتدال والوسطيّة، والوقوف بوجه العنف والكراهية ورفض الآخر، لذلك أخذت هذه النهضة المباركة على عاتقها مواجهة جميع أشكال التطرّف والانحراف الذي يسري في جسد المجتمع الإسلامي آنذاك.تًدرك الجماعات الإرهابية ان النهضة الحسينية قضية متجذّرة في الوعي الإسلامي، لها القدرة على تأجيج الوعي الثوري للأمم المضطهدة الثائرة على الظلم والانحراف على امتداد المراحل الزمنية، وكلما تقادم الزمن اصبحت أكثر رسوخاً في وجدان الأمّة، لأنها واقعة اجتازت جغرافية المكان والزمان واستمدت عظمتها من نور النبوة وعنفوانها من دماء الشهادة، فأصبحت رمزاً للصراع الدائر بين الخير بكل مضامينه والشر بكل اتجاهاته، وتشكل كربلاء مصدر إلهام يجعل الحفاظ على التراث والقيم الإنسانية أمراً ممكناًهذه الهتافات تعكس نظرية التدرج العدائي لدى الجماعات التكفيرية والسلفية الجهادية عموما، فهناك العدو البعيد والعدو القريب، وفكرة ارجاء قتال العدو القريب، وهذا الاختلاف جاء على أساس الأولوية التي تراها الجماعات الارهابية التي تؤمن بمحاربة العدو البعيد وهم اتباع مدرسة اهل البيت ثم التفرغ للعدو القريب أي الأنظمة العربية والإسلامية .تًشير هذه الهتافات المتطرفة الى الثوابت والمنطلقات التي ينبغي الوقوف عندها طويلا، فالدلالة الأولى تشير إلى ان نهضة الإمام الحسين عليه السلام بأحداثها عززت مبدأ الحوار والتعايش السلمي والمجتمعي، وهي امور تقع على النقيض من الفكر التكفيري.