لماذا خسر حزب الـله وحماس المعركة ؟
ضرغام الدباغ
سيقول لي بعضهم ... أليس مبكراً أن تحكم أن حزب الله وحماس خسروا المعركة ...؟ أقول .. لا، ليس مبكراً ولست مستعجلاً النتائج ... مع أن هناك فارق في الجبهتين، اللبنانية والفلسطينية، وبالنسبة لي أجد أن هناك فروقا بينهم، كما في وجود عناصر تجمعهم ...
حماس حركة فلسطينية دون أدنى ريب، ونضالها في الأخير هو تواصل لنضال الشعب الفلسطيني، منذ فجر القضية الفلسطينية وحتى اليوم، وحماس منذ أن استلمت قيادة غزة، ومن يعرف غزة، يعلم كم هو جسور وشجاع شعب غزة، يقبل على التضحيات الجسيمة بقناعة والدفاع ... كل شعبنا العربي الفلسطيني يتمتع بهذه الصفات، ولكن غزة لها مكانة وتجربة خاصة.
وبالطبع لست معترضاً أن يكونوا قادة حماس محسوبين على تيار إسلامي سياسي (الاخوان المسلمين)، رغم أن تجربتنا في العمل السياسي في عدة أقطار عربية، لم تكن مشجعة، وتحدثت مع قادة من الاخوان أن الحركة، تحتاج لدماء جديدة، وتحديث (عصرنة / Modernization) فالمسلم شأنه في ذلك شأن أي مواطن، يريد أن يعرف مفردات عن الوجهة السياسية التي ينتمي لها، أو يؤيدها، واليوم يريد أن يستمع لتحليل حديث لمشكلات حديثة، بلغة عصرية، تخاطب عقل المستمع، نعم أن ثرائنا الروحي عميق، ولكن لننظر إلى واقعنا السياسي ومشكلاتنا الاجتماعية / الاقتصادية. وإن شاءت حركة الاخوان المسلمين خوض غمار العمل السياسي، فعليها أن تعمل الكثير ... وربما الكثير جداً لكي تطرح خطا سياسياً اجتماعيا اقتصاديا منسجماً معقولاً، مقبولا ً،.، معقولاً مقبولاً كما عليها أن تعلم أن المجتمع الذي تصدت لقيادته، يضم فئات وشرائح عديدة، والعمل السياسي يتقبل طريقة لا يفرض إقامة التحالفات والائتلافات هي في مقدمة الفعاليات والأنشطة السياسية .
الحركات السياسية الإسلامية، يصعب عليها المناورات السياسية وهي إذ تجد نفسها في مجتمع يضم متناقضات، قوى محافظة، وأخرى راديكالية، يسار ويمين، وقوى اجتماعية عديدة، والموقف بحاجة إلى نظام يستطيع أن يمثل الحد الأدنى من تطلعات جميع القوى السياسية والفئات والشرائح، وهذا ما لا يقدر عليه التيار الديني / السياسي بصرف النظر عن هويته الدينية العامة والفرعية. ولهذا وقع لبنان وغزة / فلسطين، بالرغم من دخولهما العمل السياسي، ولكن وفق نظرية « تريد غزال أخذ أرنب، تريد أرنب أخذ أرنب «، وفي النهاية سيلبسون الشعب ما يشاؤون وما يأكلون، ويشربون، ويتصرفون، ويموتون، هل كان هناك ثمة نصر يلوح في الأفق، بكل أسف أقول لا ...وقادوا الشعب وجماهيرهم في معارك مأساوية.
سلطة فلسطينية
نعم أشهد أن حماس قاتلت حتى النفس الأخير، وكانت متحدة مع نفسها، ومع جماهيرها، وناضلوا وفي شروط الحد الادني في كل صعيد، ولكنهم أداروا منذ سنوات طويلة بوصلة النضال بأتجاه آخر غير الاتجاه الوطني القومي، فاختلفوا وناهضوا وناكفوا حتى السلطة الفلسطينية، وكذلك فعلوا حتى مع الأقطار العربية، بلا حد بسيط حتي من الدبلوماسية، فوضعوا بإرادتهم التامة كل بيضهم في سلالة ملالي طهران، وحين خابت آمالهم وهي قضية لم تكن نتائجه غامضة، وسمعوا الكثير ونصحوهم كثيراً، ولكن هذا كان قدر الشعب الفلسطيني الذي كتب عليه أن يجترح ملحمة جديدة. وفي معركة الطوفان، حشد الأمريكان والانكليز والفرنسيين ومن لف لفهم، واستنفروا جيوشهم، 12 حاملة طائرات، لإسناد الصهاينة، وهذا ما لم يفعلوه في تاريخ الحروب العالمية ..!
أما حزب الله، فالقضية هنا مختلفة إلى بدرجة ليست بسيطة عن تجربة حماس / غزة، فهذا الحزب هناك مسألتان رئيسيتان تحددان توجهاته:
الأولى:
أنه ليس بحزب لبناني ولا إسلامي، بل هم امتداد عضوي صريح للجهد الاستخباري الإيراني، يمده بالمال والسلاح والتدريب والإشراف رسمياً، فهو ليس حزبا سياسياً بقدر ما يمثل الذراع العسكرية بتحقيق السياسة الإيرانية التوسعية في المنطقة العربية تحديداً بالأساليب العسكرية / الإرهابية. وللحزب هيئاته السياسية والعسكرية والاستخبارية، وإعلام وتلفزة، وهناك الكثير مما يقال عن الحزب وعلاقاته وارتباطاته المشبوهة، للأسف صحيحة لحد كبير، مما ينزع عنه الحد الأدنى من الصفة الوطنية.
الثانية:
أن لا علاقة لهذا الكيان بالقضية الفلسطينية لا من بعيد ولا من قريب، إلا بالقدر الذي تحدده له مرجعياته الإيرانية، وبقدر ما، فالإدارة الإيرانية لم تقدم مؤشراً واحداً على التزامها القضية الفلسطينية، كما أنها ليست عضوا في الجامعة العربية، ولم تشارك في النزاعات العربي / الإسرائيلية، ولا بمؤتمراتها ذات الصلة، ولكن من خلال علاقات اقامتها مع فصائل سياسية، تحاول إيجاد موطأ قدم لها في الملف الفلسطيني، مما يضعها في موضع المفاوض أو التشاور، على أنها طرف شرق أوسطي، وعلى هذا الأساس تنال موقعاً تفاوضياً، يخدمها في قضايا توسعها الاقليمي.
وحرب الطوفان في غزة تواصلت لأكثر من عام (منذ اكتوبر2023) وحزب الله يراقب الموقف دون أن يحرك ساكناً، وحين أدرك أن الحرب انتهت عملياً، حين أصيب قدرات حركو حماس بدرجة لم يعد بقوة عسكرية أو سياسية يحسب حسابها، حاول التحرك بتماسات غير مؤثرة بإسرائيل، ولكن هذا تصرف غير مفهوم سياسياً، فأرتد عليهم، وكانت نتيجة الصدام الدموي كارثية، وبدوره أنتهى حزب الله كقوة عسكرية.وخطيئة حزب الله، أنه كان يجاهر علناً بأنه يمثل المصالح الإيرانية، وأنه حزب يتلقى عشرات الملايين من الدولارات (54 مليون)، ويدفع رواتباً لمحازبيه، وخاض الحياة السياسية في البرلمان والحكومة، وعلاقاته بالوسط السياسي اللبناني، أقتصر على حركة أمل، ومن حركة ميشال عون الانتهازية تأييد مقابل المشاركة بالحكم ومنحه الغطاء السياسي. وبالطبع عزله هذا الواقع الطائفي / التبعية لإيران، من المحيط اللبناني، فلم يعد يحسب كحركة سياسية لبنانية،
إذن حزب الله كان يسبح في محيط لبناني / عربي على أنه حركة إيرانية تمثل مصالح طهران، وعومل هذا الأساس، وما يزال.
حرب إيرانية
وحين نشبت الحرب الأخيرة، لم يحظى بأي دعم من الشعب ولا من الدولة، حرب إيرانية مع إسرائيل على الأرض اللبنانية، فلماذا يتعين على الشعب اللبناني المشاركة بها ..؟ ولا سيما أن المعركة كانت خارج حسابات اسناد غزة، ......بل بهدف أن تشارك طهران في أي مفاوضات مستقبلية حول القضية الفلسطينية.الإيرانيون لم يحسنوا حساباتهم، فهم الذين شاركوا الأمريكان في مساعيهم للسيطرة على الشرق الأوسط، على أمل أن ينالوا حصة في تقاسم الغنائم، وإلى هنا لا مانع لدى الأمريكان أن يعطوهم شيئاً، والشيئ كان كبيراً تمثل بالهلال الشيعي، الذي بدا مقبولاً بدرجة ما للأمريكان، ولكن الفرس كعادتهم يبالغون في قدراتهم، فراحوا مبكراً يتصرفون وكأنهمظف في السفارة الإيرانية بدمشق كان بوسعه أن بشار الأسد أن يرتعد أمانمه، شركاء للأمريكان، وليسوا مقاولين ثانويين، وربما ستقودهم المبالغة أن الأمريكان يعملون تحت أيديهم ...! والفارسي له غطرسة لا تحتمل، فراحوا يتخيلون كأنهم امبراطورية فارسية، وأن العراق وسورية ولبنان ليست سوى محافظات إيرانية، ومن يتعامل معهم، عليه أن يقبل أن يقبل بدرجة واطئة من الاحترام والسيادة في بلاده، فكان الرسميون الإيرانيون يتصرفون بأستعلاء على كبار الموظفين اللبنانيين والسوريين، وقد حدثني من هو على اطلاع دقيق، أن أصغر موظف في السفارة الإيرانية بدمشق، كان بوسعه أن يعامل بشار الأسد بأستعلاء وعجرفة. أما مع المسؤولين العراقيين فتصرفوا وكأنهم خدم في بيوتهم، بلغت درجة أن بصق السفير الإيراني ببغداد بوجه وزير الداخلية العراقي، فأضطر هذا الأغبر لبلع الإهانة، لأنه يعلم أن رؤساءه مذلون مهانون ربما بدرجة أقسى .. الخنجر الفارسي المسموم كان يمعن في إيذاء الأمة في أمنها القومي الاستراتيجي، والفرس كانوا يتعمدون بشتى الأساليب بإيذاء كرامة الناس، مع أنهم حصلوا على هذه المكاسب لأنهم عملوا كمساعدين وخدم للقوى الأجنبية، اليوم أنهى كل ذلك بأسرع من الحلم ...
أما لماذا أنهار نظام الأسد الدموي، وبهذه السرعة، فتلك مسألة أخرى تستحق أن نفرد لها مجالاً خاصاً
وبالتالي سنتطرق إلى انهيار أحلام دولة الملالي وبسرعة، فتلك ستكون حادثة القرن ...!
ليس من المستغرب أن ينحسر هذا الموج الزفر .... بل هو المنتظر ... والقادم أعظم ...!