أهمية ألذكاء التواصلي في عصر التقنيات الحديثة
رياض محمد كاظم
ألذكاء هبة ربانية من أعظم ألنعم آلتي يمتلكها ألإنسان وهو ايضاً سمة مرتبطة على الدوام بالعقل , وهذه السمة التي يتميز بها الانسان في المجتمع جعلت نسبتها تختلف من شخص الى آخر ، لذا يمكن القول ان الذكاء يتمثل في القدرات العقلية ( الفهم والتعلم والتعايش مع الاحداث والمواقف وكيفية التعامل مع الاخرين ) ويتحدد دوره في القدرة على التخطيط والتحليل وحل المشاكل ان وجدت واستشراف الافاق المستقبلية .
وعملية تحديد نسبة الذكاء من شخص الى اخر هي عملية معقدة بامتياز نظراً لتعدد أنواع الذكاء الذي يمتلكه الانسان دون الاخر والمتمثل في ( الذكاء الاجتماعي ، العاطفي ، النظري ، العملي ، الابداعي ، وغير ذلك من الانواع )، وكما قال ( جاردنر ) عالم النفس ، لا يوجد هناك ما يسمى ذكاءً واحدا وإنما يوجد لدى الانسان ذكاءات متعددة تختلف درجاتها من شخص لأخر ، ولا يوجد شخص ذكي وأخر غبي كما يعتقد الكثير من الناس وإنما هناك أشخاص أذكياء في مجال وتخصص واحد وآخرون أذكياء في مجالات عديدة آخرى ، ومن الطبيعي جداً نجد من يمتلك أصنافاً وأنواعا متعددة من الذكاء ، إلا انه من النادر ان يكون هناك شخصاً طبيعياً لايمتلك ولو نوعاً واحداً من أنواع الذكاء على الاقل .
ووفق هذه المطيات يمكننا القول ان الذكاء بأنواعه كافة يؤدي دورا هاماً في حياة الانسان وعلى اساسه يبني اماله ومستقبله فهو مزيج من الفهم والمعرفة والمهارة للتفاعل مع الاخر بغض النظر عن موقعه الجغرافي ومكانته الاجتماعية .
أنواع الذكاء التواصلي
بما ان الانسان هو كائن اجتماعي تواصلي وقادر على احداث التأثير في الاخرين بنفس الطريقة التي يؤثرون بها فيه ، فا التفاعل الاجتماعي الايجابي يكون نتاجاً عن استخدام حواس التواصل مع الاخر في نقل وتبادل المعلومة او عن طريق تبادل الالفاظ والنظرات واللغات واسترسال الحديث .
لهذا يمكن ان نعرف الذكاء التواصلي بأنه ( المهارة العقلية التي يحتاجها الانسان في عالم علاقاته سواء كانت شخصية او مهنية باستخدام جميع وسائل الاتصال المتاحة بأنواعها المختلفة اللفظية وغير اللفظية وشبه اللفظية ) و يتطلب الأمر ايضاً تطوير بعض مهارات التواصل مع الاخر مثل تعلم لغة الاشارة او تعلم كيفية الانصات والاستماع والإصغاء للأخر والتفكير بوعي قبل اصدار اي ردة فعل وغير ذلك من الامور .مع الاشارة إلا ان الذكاء التواصلي يسمى ايضاً بالذكاء المتعدد لأنه ناتج عن ترابط عدة انواع من الذكاء وهي الذكاء ( اللغوي ، الاجتماعي ، الفكاهي ، العاطفي ) فإذا اجتمعت هذه في شخص واحد يمكن القول بأنه شخص ذو ذكاء تواصلي مرتفع ، ومن يمتلك نوعان من هذه الأنواع فقد تقل نسبة الذكاء التواصلي لديه وهكذا ..
وبما ان الانسان هو كائن تواصلي أثر وتأثر بالأخر باستخدام حواس التواصل أو عن طريق قنوات اتصالية بين المرسل والمستقبل بشكل بسيط ، جاءت الالفية الثالثة بكل ثقلها العلمي والتقني ونقلتنا الى عالم اخر حل معها حضور قوي تمثل في شبكة الانترنيت التي اوجدت نمطاً تواصلياً جديداً مع الطرف الاخر اتاح للمشاركة العقلية والمعرفية مديات واسعة وأضافت نكهة جديدة لإطباق التواصل الاجتماعي بايجابياتها وسلبياتها .
حتى اصبحنا نقضي وقت طويل جداً في بحر التواصل الاجتماعي ونبحث في ملفات قديمة ونقوم بإنشاء ملفات جديدة وننقر ملفات الاصدقاء الواحد تلو الاخر ونتفاعل معهم من خلال تعليق على صورة او موضوع معين حتى أصبح الوقت عاملاً مسيطراً علينا .
ورغم ذلك لم تسلم هذه التقنية الذكية من خطورة تأثيرها في مستخدميها ، صحيح انها فتحت افاق تواصلية جديدة إلا ان البعض يرى ومنهم علماء الاجتماع وعلماء النفس ان مستخدمي هذه التقنيات ومنها ( الفيسبوك ، الماسنجر ، الواتساب ، تويتر ...الخ ) قد تعودوا على رؤية ذاتهم في أعين الاخرين ، فهذه التقنيات وضعتنا تحت المجهر وعودتنا على الظهور وأخذتنا الى عالم افتراضي صناعي تفترضه ذاتك وما تحلم به ان تكون دون الحاجة الى التفاعل الطبيعي ومخالطة افراد المجتمع وجهاً لوجه .
مقابل ذلك ايضاً حذر العلماء والمختصين في هذا الشأن من خطورة حالات الإدمان على هذه التقنيات في عقل وذكاء المتلقي ويرون ان الادمان عليها يقود الى العزلة والعزلة تقود الى مشاكل صحية مثل ( قلة المناعة ، وضعف الاداء العقلي وغير ذلك ) وقد يصل الامر الى الانطواء والجفاء عن العائلة والمقربين والأصدقاء ، وان اجتمعوا معهم في مكان واحد يشعرون احياناً بعدم الارتياح كونهم قد ابتعدوا نوع ما عن هذه التقنيات ( الانترنيت ) لذا فان تمضية ساعات طويلة امام هذا العالم الافتراضي الاجتماعي وخاصة في ساعات الليل يؤثر تأثيرا على صحة الفرد وذكاءه وتركيزه في ادامة تواصله مع الاخرين .
تبادل الرأي
وهناك من يرى ان هذه التقنيات بما انها تمس حياتنا الاجتماعية مباشرة فهي ايضاً وسيلة للتنفيس الاجتماعي عن قضايا ومواضيع تهم الاخرين وتبادل الرأي بشأنها ، وهي اداة لتسهيل التفاعلات وعلاقات الصداقة والرحيل ذهنياً عبر العالم وغرائبه دون الحاجة للسفر ، ويرى اخرون ايضاً ان وسائل الاتصال العادية مثل الهاتف تشعر المتصل أحياناً بالاطمئنان وبكثير من الواقعية مع ضرورة اخذ الحيطة والحذر من الأشخاص الغرباء وعدم التواصل والاسترسال معهم وخاصة في نشر الخصوصيات والتي قد يسيء استعمالها وخاصة من الناس الذين لا تربطنا علاقة مسبقة بهم .
وبضوء هذه المعطيات يتبادر للبعض عدة تساؤلات منها ؟
هل هناك عوامل او قواعد معينة تساعدنا على نجاح التواصل الذكي وجعله اكثر فاعلية ؟ وما الذي نجنيه من تواصلنا مع الاخر ؟ والجواب على ذلك يكمن في ان التواصل الانساني الذكي هو عملية معلوماتية معقدة بين مرسل ومستقبل يتم التعبير من خلالها عن المشاعر والأفكار والوقائع بواسطة رسالة ذات اشكال ومضامين مختلفة وعبر قنوات متعددة بهدف تحقيق أغراض ووظائف معينة مرتبطة على نحو وثيق بحاجات الانسان الاساسية .
ويجد الكثير من الباحثين ان تفاعل الانسان مع التقنيات والوسائل الاتصالية الحديثة حدد طبيعة المسارات الذكية للإنسان وأوجد نمطاً جديداً من السلوك الانساني أثر بشكل كبير وفعال في حياة الافراد والمجتمعات ، لان الهدف من هذا التواصل والتفاعل هو المشاركة العقلية والمعرفية والفكرية مع الاخر عبر هذه التقنيات ومنها الانترنيت ، وبذلك نشأ مجال بحثي نفسي جديد من خلال التواصل الذكي عبر الانترنيت وتقنياته اطلق عليه علم النفس الالكتروني والبعض يسميه علم النفس الرقمي ، وان هذه التقنيات الذكية ما هي إلا امتداد للعقل الجمعي البشري لذا فان سمة وشكل العالم الالكتروني اليوم تتوافق مع العقل البشري وسلوكه في البحث عن كل ما هو جديد يخدم المتلقي والمجتمع على حد سواء .
والمتابع للدراسات الاعلامية خلال القرن العشرين شخص وبشكل دقيق أهمية المجال الالكتروني كعالم اجتماعي يشترك فيه الناس بمعارفهم وأفكارهم وعواطفهم حينما يتواصلون مع بعضهم البعض ويتفاعلون باستخدام اللغة والصوت والصورة والإشارة والبيانات الرقمية .
وكشف هذا المجال الالكتروني ايضاً عن نظريات متخصصة في الذكاء التواصلي ابرزها :
- نظرية فيفر وشير عام 1980 ، ( pfeifer-scheier ) وفسرت هذه النظرية الذكاء التواصلي بعد دراستهما للدماغ البشري والتحقق من خطأ الفكرة ، ان الذكاء هو مجموعة من ألأفعال ألآلية ، والدماغ لا يدير البرامج كما في تقنيات الحاسوب وإنما يتميز بشكل مختلف تعالجه النظرية التطورية ، وان العقل البشري غالباً ما يظهر استجابته على هيئة سلوكيات وعليه لابد من فهم هذه السلوكيات بشكل يجسد المعرفة وبناء العقل .
- نظرية لكر وكريل ،( luger-Grail ) وبنت هذه النظرية فكرتها على ستراتيجيات المشاكل المعقدة التي يعيشها الانسان ، لذا سعى لبناء الالات التي تفكر بنفسها وتتفوق على الذكاء الانساني ، ووجد كريل ان الالات اكثر قدرة على التفكير وأكثر نشاطاً وانضباطاً وهي تستخدم ستراتيجيا ت متنوعة لحل المشاكل العلمية المعقدة التي يجهز بها الكومبيوتر ، وبطبيعة الحال فان هذه النظرية تناقض نفسها خاصة وان الذي يغذي الحاسوب هو العقل البشري فكيف تتفوق الالات عليه وهو الذي صنعها .
- نظرية انكاين ونشيدا ، ( Nguyea- Nishida ) اكدت هذه النظرية ان التكنولوجيا الاعلامية الذكية وبمساعدة علم الوجود ساعدا الانسان على التطور ذاتياً ، وعززت من مظاهر التفاعل في الذكاء التواصلي من خلال تنظيم البيانات وأوجه العمل في نطاق الشبكات او العلاقات الشبكية .
خلاصة القول ، يتضح لنا ان الذكاء التواصلي هو من العوامل المهمة في الشخصية لارتباطه الوثيق بقدرة الفرد في الاتصال والتواصل مع الاخر فضلاً عن تكوين علاقات اجتماعية أساسها العلم والمعرفة والتواصل فا لإنسان ابن محيطه لن يستغني عن الآخر مهما علا شانه ، ويشكل الذكاء التواصلي بمساعدة التقنيات الاتصالية الحديثة مزيج متوازن من الشعور باحتياجات الاخرين واهتماماتهم والتفاعل معهم واكتساب المهارة المعرفية والفكرية جراء ذلك ، لذا يتوجب من المعنيين وأصحاب الاختصاص بتنمية هذا الجانب ( الذكاء التواصلي ) لما له من تأثير كبير في التفاعل والتفاهم مع الاخر والارتقاء بمستوى السلوك بما ينسجم مع العادات والقيم الاجتماعية ..