الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
خبير يدعو إلى إعتماد آلية خاصة ببذور أكسير الحياة والتشدّد بإستيرادها

بواسطة azzaman

أبحاث علمية تحافظ على أصناف القمح والشعير والرز

خبير يدعو إلى إعتماد آلية خاصة ببذور أكسير الحياة والتشدّد بإستيرادها

باسل الخطيب

 

ما أن تدخل مكتبه في كلية الزراعة جامعة السليمانية، حتى تدهشك كمية سنابل الحنطة المعلقة على الجدران، ونماذج أصنافها الحية وبذورها المحفوظة في قوارير، فضلاً عن صوره في الحقول، وأخرى تجمعه بالعالم الأمريكي نورمان بورلوغ الملقب بأبي الثورة الخضراء، ونسخ شهادات التكريم التي حصل عليها صاحب المكتب الذي يبادرك قبل أن تستفيق من دهشة جمال المعروضات، بقوله إن «البذور أساس الحياة».

إنه ابن خانقين البروفيسور عماد المعروف، الذي كرس حياته وخبراته للبحث في سبل الارتقاء بأصناف القمح «اكسير الحياة» وأحد أهم المحاصيل الاستراتيجية عالمياً، وزيادة إنتاجها وتعزيز مقاومتها ضد الأوبئة والأمراض، وكان له ما أراد، إذ تكللت جهوده بتسجيل ثمانية أصناف جديدة من القمح عالية الجودة، واعتمادها من قبل الجهات المختصة، والحصول على 12 جائزة محلية أو إقليمية أو عالمية، ونشر أكثر من مئة بحث في دوريات محلية أو عالمية، فضلاً عن مساهمته في استنباط 14 صنفاً من القمح وخمسة أصناف شعير وثلاثة أصناف رز، ما أكسبه شهرة عالمية.

وقد دأب الخبير الزراعي عماد المعروف، على الدعوة لاعتماد سياسة خاصة بالبذور والتقاوي للمحافظة على تلك المصادر الوراِثية المهمة من الضياع والتدهور، وتشديد الرقابة على استيرادها، ومنع إدخال بذور النباتات المعدلة وراثيا لأضرارها الصحية.

لقد ركز البروفيسور المعروف جهده على سبل مقاومة أمراض محاصيل القمح ودراسة مسبباتها المرضية، ورصد انتشارها وتوزيعها في إقليم كردستان والعراق بعامة، لاسيما أمراض الصدأ الثلاثة، الأصفر والأسود والبني (مرض فطري يعد من أخطر الأمراض التي تصيب القمح وتؤدي إلى تردي نوعيته وتدهور إنتاجه)، وكذلك أمراض التفحم المغطى ولفحة الأوراق السبتورية (تؤدي إلى عدم إنتاج الحبوب أو إنتاج حبيبات صغيرة ومنكمشة)، التي تعد عقبة رئيسة تواجه إنتاج محصول القمح في كردستان، وتؤدي إلى خسائر اقتصادية فادحة في الغلة، قد تصل إلى 70 بالمئة في المواسم التي تنتشر فيها تلك الأمراض.

وينفق إقليم كردستان كما العراق، ملايين الدولارات لاستيراد المبيدات الخاصة بمكافحة مسببات تلك الأمراض النباتية، علماً أن الاستخدام المتكرر والمفرط لتلك المبيدات يؤدي إلى تلوث الماء والهواء وتسمم الكائنات الحية، فضلاً عن إكساب مسببات تلك الأوبئة والأمراض مقاومة ضدها.

أصناف جديدة

ولأهمية ذلك كله وما ينطوي عليه الموضوع من مخاطر بيئية وزراعية واقتصادية، قام البروفيسور عماد المعروف بدراسة مسببات تلك الأمراض وحساب نسبة الخسارة السنوية التي تسببها، وتشخيص السلالات الخاصة بكل ممرض وانتشارها على مستوى العراق وإقليم كردستان، وكيفية مقاومتها بالتعاون مع الجهات الدولية والمحلية المعنية، لاسيما المركز الدولي لبحوث القمح والذرة الصفراء في المكسيك CIMMYT، المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة  ICARDA، المختبر الدولي لتشخيص سلالات الصدأ في الدنمارك، المختبر الإقليمي لتشخيص سلالات الصدأ في تركيا، جامعتي منسوتا وكورنيل الأمريكيتين، فضلاً عن جامعة السليمانية ووزارتي الزراعة الكردستانية والاتحادية.

ومن خلال ذلك، يقول البروفسور عماد «تم تشخيص السلالات المرضية التي تصيب القمح وانتشارها في الإقليم والعراق بدعم من برنامج بورلوك العالمي المتخصص بتشخيص السلالات وتتبع مساراتها في العالم الذي قاده البروفيسور الأمريكي نورمان بورلوغ، المعروف  بابي الثورة الخضراء في الزراعة»، ويلفت إلى أنه «يفتخر بمعاصرته للعالم بورلوغ والعمل معه خلال تواجده في مركز السمت CIMMYT في المكسيك لأكثر من عام، لاسيما أن ذلك العالم أسهم في القضاء على المجاعة في العالم من خلال استنباطه أصناف القمح الشبه قزمة غزيرة الإنتاجية التي أدت إلى زيادة مكثفة في الإنتاج الزراعي وتكللت جهوده بالحصول على جائزة نوبل في سبعينات القرن المنصرم».

ويواصل، أن تلك الجهود «تكللت أيضاً بالحصول على الجينات (الموروثات) المقاومة للمسببات المرضية مع آلاف التراكيب الوراثية في أجيالها المختلفة وتقويم مدى مقاومتها لسلالات الممرضات لاسيما في ظروف إقليم كوردستان»، ويبين أن الخطوة الثانية «تمثلت في انتخاب المورثات التي أثبتت مقاومتها للسلالات المرضية المحلية على اختلاف أنواعها فضلاً عن التراكيب الوراثية التي أثبتت مقاومتها خلال مواسم متعددة في ظروف العدوى الصناعية لمسببات تلك الأمراض».

ويذكر الخبير الزراعي، أن الخطوة الثالثة «تمثلت في نقل المورثات التي أثبتت مقاومتها خلال عدة مواسم إلى أصناف القمح المحلية لدعم مخزونها الوراثي ونقل صفة المقاومة إليها واختبار كفاءة هذه التراكيب الوراثية في مواقع بيئية متباينة من محافظات أربيل والسليمانية ودهوك من حيث الإنتاجية ومقاومة الأمراض فضلاً عن تحديد استجابة جميع أصناف القمح المعتمدة في العراق لمسببات تلك الأمراض مع رسم الخارطة الوراثية لمورثات المقاومة للمسببات المرضية المتاحة في كل صنف».

وبشأن النتائج التي أسفرت عنها تلك الجهود يؤكد البروفيسور عماد المعروف، أنها «تمخضت عن تسجيل ستة أصناف من القمح (حنطة الخبز) وصنفين من القمح الشيلمي (العلفي) واعتمادها من قبل اللجنة الوطنية لتسجيل واعتماد الأصناف الزراعية في وزارة الزراعة الاتحادية كأصناف عراقية جديدة ذات إنتاجية عالية ومقاومة للأمراض وملائمة للزراعة في البيئة العراقية والكردستانية»، وينوه إلى أن تلك الأصناف «هي آلاء، حصاد، معروف، أزمر، جرمو، فارس، ريزان وسارة». 

بذور وجوائز

ولم تتوقف تلك الجهود عند ذلك الحد، إذ تواصلت من خلال «إكثار بذور تلك الأصناف في حقـــــــــــــول كلية الزراعة بدعم جامعة السليمانية لإنتاج بذور الرتب العليا منها منذ عام 2015 وحتى الآن وتوزيع البذور المنتجة على المنتجين والمزارعين مما أسهم بنحو كبير في رفع غلة المحصول المقاوم للأمراض في إقليم كوردستان بنسبة تتراوح بين 20- 30 بالمئة فضلاً عما لذلك من فوائد صحية وبيئية جمة»، بحسب المعروف.

ويتابع الخبير الزراعي، أنه ومن خلال تلك الجهود «تمت المشاركة في أكثر من مئة مؤتمر دولي و90 مؤتمر محلي ونشر أكثر من مئة بحث في دوريات محلية أو عالمية محكمة مع تأليف فصل من كتاب دولي، إضافة إلى الحصول على 12 جائزة أو تكريم محلي أو إقليمي أو عالمي»، ويواصل أن من بينها «جائزة الرافدين في العلوم الزراعية من وزارة الزراعة الاتحادية عام 1993 وجائزة المنظمة العربية للتنمية الزراعية في مجال الإنتاج النباتي عام 2010، وجائزة المنظمة ذاتها في مجال التقنيات الحديثة في مجال الأمن الغذائي عام 2018 وجائزة المركز الدولي للبحوث الزراعية بالمناطق الجافة (إيكاردا) في مجال التميز العلمي عام 2011 والجائزة الدولية في مجال العلوم من مؤسسة تاميل TAMIL الهندية عام 2022 وجائزة التميز في العلوم الزراعية من جامعة البصرة عام 2022 والجائزة الدولية في العلوم الهندسية والبيولوجية والطبية من مؤسسة PONDICHERRY الهندية عام 2022 وغيرها».

ولم تتوقف جهود البروفيسور عماد المعروف عند ذلك حسب، بل ترأس الفريق الوطني لرصد سلالات الاصداء الثلاثة في العراق لعقدين متواصلين وواصل نشاطه البحثي ليتمكن من تشخيص عدة سلالات من مسبب مرض الصدأ الأصفر بما فيها السلالات PstS2 و PstS2v27وPstS14وصدأ الساق الأسود بما فيها السلالات TKTTF،TKKTF، وفي ذلك يقول إن هذا المرض “يعد من أخطر إعداء القمح في العالم حيث تم عام 2020 تسجيل السلالة TTKTT من مجموعة السلالة Ug99 الشرسة على محصول القمح لأول مرة في محافظة حلبجة ما يعد أول تسجيل ليس في العراق فقط بل على مستوى الشرق الأوسط.

 

 وذلك بالتعاون مع منظمة ايكاردا واقتراح السبل الكفيلة بمواجهة خطر تلك السلالة ما يفتح  الباب لإجراء العديد من البحوث لرصد انتشار تلك السلالة الخطيرة في حقول القمح الكردستانية ووضع البرامج الخاصة بمكافحتها بالتعاون مع الجهات الدولية المختصة كونها لا تهدد الإقليم والعراق حسب بل ويتعدى خطرها إلى المستوى الإقليمي والعالمي لقابليتها على الانتقال إلى مسافات بعيدة وعبورها القارات عبر تيارات الهواء فضلاً عن تشخيص العديد من سلالات مسبب مرض التفحم المغطى بما فيها ثماني سلالات غير معرفه على مستوى العالم».

•             البذور أساس الحياة

ويشدد الخبير الزراعي على أهمية الاهتمام بالبذور عاداً أنها تشكل «أساس الحياة كونها الجزء الذي يتكاثر لإنتاج نباتات مطابقة لمواصفات الصنف الأم»، ويشرح أن البذور «تحافظ على نقاوة الأصناف وأن إدامتها وإكثارها برتبها المختلفة (بذور المربي، بذور النوية، بذور النواة، بذور الأساس، البذور المسجلة والبذور المصدقة) يعتمد على النقاوة الوراثية والفيزيائية للصنف المعين المراد إنتاجه اعتمادا على المعايير المحلية والدولية».

ويؤكد المعروف، على ضرورة «الاهتمام بالبذور للحصول على نباتات حيوية ذات إنتاجية عالية ومطابقة لمواصفات النبات الأم وخالية من الأمراض وأضرار الحشرات والشوائب الأخرى وتوفيرها بالكميات التي تلبي حاجة منتجي البذور والمزارعين لضمان ديمومتها ومن ثم سد حاجة السوق المحلي لتحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي».

ويدعو الخبير الزراعي، إلى «اعتماد سياسة خاصة بالبذور والتقاوي من شأنها تنظيم وتشجيع إنتاجها من قبل القطاعين العام والخاص على وفق أحكام معينه للمحافظة على مواصفات الصنف المحدد  ضمن المعايير المعتمدة محلياً وعالمياً لضمان حقوق المربين ودعم الباحثين في هذا المجال»، ويطالب بضرورة «المحافظة على تلك المصادر الوراِثية من الضياع والتدهور من خلال إدامتها وحفظها في بنوك خاصة بالبذور وتفعيل عمليات الرقابة على استيراد البذور كونها سلاح ذو حدين يمكن من خلالها إدخال العديد من المسببات المرضية المرافقة لها للبيئة العراقية ومنع إدخال بذور النباتات المعدلة وراثيا لما لها من خاطر صحية».

•             ببيوغرافيا

يذكر أن البروفيسور عماد محمود غالب المعروف، من مواليد خانقين عام 1957، وحاصل على شهادة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه من كلية الزراعية جامعة بغداد خلال الأعوام 1980، 1984 و1997 على التوالي.. وأنه يدرس حالياً طلبة الدراسات الأولية والعليا في قسم التقنيات الحيوية وعلوم المحاصيل في كلية علوم الهندسة الزراعية جامعة السليمانية، حيث أشرف على خمس أطاريح دكتوراه وعشر رسائل ماجستير، وتراس العديد من لجان مناقشة طلبة الدراسات العليا في مختلف الجامعات، وله أكثر من مئة بحث منشور في دوريات محلية أو عالمية محكمة، فضلاً عن عضويته في العديد من الجمعيات أو المنظمات أو المجلات العلمية المحلية أو العالمية، منها على سبيل المثال لا الحصر، جمعية وقاية النباتات العربية (مقرها لبنان)، جمعية وقاية النبات الامريكية، الهيئة الاستشارية للمجلة الآسيوية لأمراض النباتات، عضو الهيئة الاستشارية لمجلة العلوم الزراعية (عالمية)، عضو الهيئة الاستشارية للمجلة الليبية للعلوم التربوية، عضو الهيئة الاستشارية لمجلة وقاية النباتات العربية (لبنان)، عضو الهيئة الاستشارية لمجلة بحوث المحاصيل والخضروات في صربيا. كما ساهم في العديد من الدورات التدريبية وورش العمل لمنتسبي الجامعة وكوادر وزارة الزراعة في مجال وقاية وإنتاج النبات.

 


مشاهدات 1044
أضيف 2024/11/23 - 3:06 PM
آخر تحديث 2024/12/26 - 3:39 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 361 الشهر 11430 الكلي 10067525
الوقت الآن
الخميس 2024/12/26 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير