الاكاديمي والشاعر ماجد الخطيب: بيئة الاحتلال أضعفت روح الإنتماء للأرض الواحدة
صباح اللامي
مذ كنّا شباباً، نحنُ بعض معشر الصحافيينَ، والكتّابِ، والأدباءِ، والشعراءِ، أحببْنا “ماجد الخطيب”، لاثنتين، ، لعذوبة شعرهِ الوجدانيّ، ثم لرسوخ محاسنِ أخلاقهِ، لساناً، وسلوكاً. ولم نسمعْ أحداً، يُعطي رأياً، يُجانبُ رأيَنا، ولم تتغيّر “بصمةُ الخطيبِ” في وجداننا، برغم مرور عقود طويلة على أيّامنا تلك!.
أوّل ما تتعرَّفُ إلى “ماجد الخطيب” من دون ألقابٍ، ولا مناصبَ، ولا رُتَبٍ، تَبصمُ بإبهاميْ كفّيك على شَغافِ قلبك، أنّكَ بإزاءِ “كتلة أخلاق” و”طِيبة غامرة” و”ابتسامة مخلصة” لا تفارقُ طلّتَهُ البهيةَ، المحبوبة..تُرى هل أعطيتُهُ ما يستحق؟..لا أظنُّ، إذ يُسعدني جداً أنْ أسمّي الخطيب “باشا” في حُسنِ الخلُق، بل هو أكبر من ذلك في صدقهِ، وإخلاصهِ، ورقـَّةِ طباعه..وهو مذ عَرفتُهُ قبل عقودٍ نسيجُ وحدَه في ثباتِ الفِطنة، واتّساق السلوك، ورقيّ الانتماء الوطني، وفي الحسّ الإنساني الجميل المنتمي دائماً إلى ما يجعلُه، رافضاً للظلم، مناصراً عدالة الموقف، ومؤمِناً أنّ المجتمع المتطوّر يحتاجُ إلى عقول، وإراداتٍ، وقبلَ ذلك يحتاجُ إلى مخلصين!.
مشاكل خاصة
ذلك هو الإنسان، الصديق الحبيب أ.د. ماجد الخطيب، الذي لم يرضَ “الاعتذارَ”، سبيلاً، لتأجيل المقابلة إلى حين انتهائهِ من مشاغلَ خاصّة ملحّة، لذا حقّ عليّ “الاعتذار” عن فرطِ “إصراري” على “انتزاعِ” إجاباتٍ وإنْ كان بعضها شديد الإيجاز، لكنّها “فاتحةُ خيرٍ” لاستعادة الصحافة والثقافة الأدبية، فارساً من فرسانها، بعد غياب طالَ عقوداً.. وإليكم التفاصيل:
ماذا تبقى من “شاعرية” ماجد الخطيب بعد رحلة الأستذة الأكاديمية لعقود؟
- شيئاً فشيئاً يومَ اتّسعتْ المسافةُ بين الشعرِ والحقيقةِ ، وضعفُت الصورُ والكلماتُ في زحمة الدواوين التي تملأ الاسواق ، ويوم تغيّرتْ مسامعُ الكثيرينَ من الناس ، لم يَعُدْ ذلك البيتُ الذي قاله حسان بن ثابت رائجاً في ميادين الشعر :-
وإنَ أحسنَ بيتٍ أنتَ قائلهُ
بيتٌ يقالُ اذا انشدتهُ صدقَا
يومها وجدتني مُقلاً في نظم القصيدة ، مستحضراً قول ( إبن رشيق ): (( إذا لم يكن عند الشاعر توليدُ معنىً ولا اختراعهُ ، أو استظراف لفظٍ وابتداعه ، أو زيادةٌ في ما أجحف فيه غيرهٌ من المعاني ، أو نقصٌ مما أطاله سواهُ من الالفاظِ ، أو صرفُ معنىً الى وجهٍ عن وجهٍ آخرَ ، كان اسمُ الشاعر عليه مجازاً لا حقيقة ، ولم يكن له إلا فضلُ الوزن)) .
وهكذا كان ميلي الى الاهتمام بتطوير الجانب الاكاديمي والتدرج العلمي والتركيز على البحث والتأليف أكثر من الميل والاهتمام بنظم القصائد ، وكان من نتاج ذلك الميل ولادة مجموعة من المؤلفات المتواضعة من بينها ( النسيج الحضري للنجف ، عوامل النشأة والتغيير ) ، و ( المواطنة والبيئة ، الجيل الثالث من حقوق الانسان ) ، و ( الطريق الى الوعي ، دراسة في اسس الوعي والوعي البيئي ) و ( الانسان والبيئة ، ثنائية الصراع والمصالحة ) و ( بلاد الاندلس ، دراسات في الجغرافيا وفنون العمارة ) و ( التاريخ لا يموت ، دراسة عن مسؤولية الانسان في تدمير الارث الثقافي والحضاري ) ، واخيراً تحت الطبع ( التغيرات المناخية في العالم ومسؤولية الانسان عنها ) .
هل انعكس (غياب الشعر) سلباً في حياة المجتمع ؟ وما معادلُ غيابه: الدين، التغيير، حرية التعبير، أو ماذا؟
- من شرفة العُمر والذكريات ، ما زلتُ أسمعُ تلك القصائدَ التي كان يملؤها غضبُ العصرِ وهي تخاطب الناسَ وتحملُ همومَ الوطن ، لكنّها غابت عن أغراض القصيدةِ وغابَ معها الشعرُ ، فتركت فراغاً في عواطف واحاسيس المجتمع وتعطلت الكثير من طاقات البشر وخاصة الشباب الذين ضاعت اهتماماتهم في تناقضاتِ الواقع وصراعاتِ النفس وتحدّيات البطالة والأزماتِ الاجتماعية ، من دون حلولٍ ومعالجاتٍ علميةٍ او دراساتٍ نفسيةٍ وتربويةٍ يمكنُها التقليلَ من تلك المشكلاتِ . فالتغييرُ لم يكن بالاتجاه الذي من شأنه بناءُ جيلٍ ومستقبل واعدٍ ، حتى حرية التعبير يشوبُها الكثير من الخلل في قواعدِها وأصولِها وحقيقتِها ، أمّا الدِّينُ، فهو حاجةٌ إنسانيةٌ، وهو حتّى في عصورٍ تاريخيةٍ سَبقتْ الإسلامَ كان مُنظَّماً تنظيماً سامياً ،كما في مصر على عهد الفراعنة ، ثم جاء الإسلامُ ليُشكّل استجابةً واعيةً لنواقص الحياةِ التي سبقتْهُ، هادفاً الى نشر عدالة السماء على الأرض ، لكنّه ومع الأسف في حياتنا الراهنة، ما زالت الفجوة واسعة بين ما يريدهُ الله تعالى، وبين سلوكِ العباد.
وبشكل عام كيف تنظرُ الى ماجريات التحوّل الاجتماعيّ في البلدِ خلالَ نصفِ قَرْن؟
- لقد كانت مجريات التحوّل الاجتماعي مرتبكةً بسبب التحدّيات التي واجهت البلاد ، وحقبةَ الحصار و الحروب التي مرّت بها ، فضلاً عمّا تركه الاحتلال لبلادنا وما أسَّسهُ، لإضعافِ روح المواطنةِ والانتماء للأرض الواحدة من آثارٍ انعكست سلباً على بناءِ الإنسان القادر على مواكبة تحوّلات العالم والمُتغيّراتِ الهائلةِ التي تحيط بنا .
ما هي برأيك مماسكُ متغيّراتنا الاجتماعية التي تعتقد أنها قَوامُ قوّةِ المجتمعِ لا ضَعْفِه؟
- إنّ العودة للقيم الإنسانيةِ والاجتماعيةِ التي بَنَتْ وصنعتْ أولئكَ العلماءَ والشعراءَ والمربّين والتربويين الكبار ، وأنضجت إبداعاتِ الفنونِ والعمارةِ والثقافةِ ، وتعميق الصِّلةِ بين الأصالة والمعاصرة هي الضمانُ لنهوض المجتمع وقوّتِه .
طبقاً لشاعريّتك، وهدوءِ جرسْك، ونزاهةِ قلبِك ويدِك ولسانِك، برأيي وبرأي كثيرين، هل في الحياة العراقية الآن (بارقةُ حياة)؟
- لشدِيدِ الأسفِ، ما زال المواطنُ بعيداً عن ملامسةِ التحوّل الإيجابي في حياتهِ، رغم مرورِ السنواتِ الطويلةِ، وهو يبحثُ عن بصيصِ الضوءِ في لياليهِ المُثقلةِ بالخللِ والهموم والتراجع .
في نهايةِ مطافِ أسئلتنا: ما آخر قصيدة أو أي نص أدبي كتبتَه؟ متى؟ وكيف؟ دعنا من فضلِك نكشفُهُ لقرائنا، بنشره؟
- واخيراً وللأسفِ الشديدِ أيضاً لم أكتب شعراً منذ وقتٍ طويلٍ مضى استناداً لتلكَ الأسباب الذاتية والموضوعيةِ التي أشرتُ إليها.
سيرة ذاتية
. دكتوراه فلسفة في علوم التخطيط الحضري والاقليمي.
. حاصل على مرتبة الأستاذية.
. حاليآ تدريسي في كلية السلام الجامعة. بغداد.
. حاصل على شهادة التميز العلمي للباحثين العرب فئة آ . عام 2018
من “أخطائي الصحفية”، أنّني حينَ زرتُ، أخانا الحبيب، الأستاذ الدكتور ماجد الخطيب في بيتهِ العامر بالعزيزية على مقربة من ضريح الشاعر العظيم المتنبّي، رفقةَ “أبي عليّ” الأخ العزيز الدكتور يحيى البكّاء، والأخ الراحل صديقنا الغالي علي عبد الكناني، أو “ علگ” كمّا كنّا نسمّيه، تحدّثنا في كلِّ شيء، إلا أنّنا لم نتحدث في جميعِ ما سألتُ الخطيب عنه في مقابلتي هذه. رُبّما هي “لهفةُ لقاءِ الأحبّة”، لكنّ جمعاً من أكاديميين، وصحفيّ، لابد أنْ يأخذهم الكلامُ إلى ما أنجزَهُ مَنْ فارقوه زمناً، فيما كان العزيزان، الكناني والبكّاء على علمٍ بما أنجزهُ صديقنا الخطيب من مؤلفاتٍ علميةٍ، أحسب أنّها من عنواناتها، بالغة الأهمية:
جيل ثالث
-“النسيج الحضري للنجف، عوامل النشأة والتغيير”.
-“المواطنة والبيئة، الجيل الثالث من حقوق الإنسان”.
-“الطريق الى الواعي، دراسة في أسس الوعي والوعي البيئي”.
-“الإنسان والبيئة، ثنائية الصراع والمصالحة”.
-“بلاد الأندلس، دراسات في الجغرافيا وفنون العمارة”.
-“التاريخ لا يموت، دراسة عن مسؤولية الإنسان في تدمير الإرث الثقافي والحضاري”.
– “التغيّرات المناخية في العالم ومسؤولية الإنسان عنها”.
أسجّل هذا الاعتراف، بالتقصير، لأنّني كنتُ حينئذٍ رئيس تحرير صحيفة “المشرق” اليومية، فكانَ من واجبي الصحافي أنْ أسالَ الأستاذ الدكتور ماجد الخطيب عن مؤلفّاته العلمية. كيفَ غفلتُ، أو نسيتُ، ذلك أمرٌ فيهِ من جانبي، صحافياً في الأقل “إزمِلالٌ، لا يُغتفرُ”!.
وأردّتُ بهذا الاعتراف الصريح، وبتكرار عنوانات مؤلفات الخطيب، أنْ أعبّر له عن عميق أسفي، لأنّني لم أحظَ ولو بنسخةٍ واحدةٍ لكتابٍ واحدٍ من هذه المؤلفات التي تُنبئُ عنواناتها عن قيمةٍ علميـــــةٍ، لابـــــــد مـــن مراجعتـــها. فللـ”باشا” ماجد الخطيب، اعتذاري، إذ لو كنتُ نابهاً، لكانت حصيلةُ قراءةِ بعض كتبهِ مادةً لبعض أسئلتي!.