سلطة القضاء وجريمة هدر المال العام
صلاح الربيعي
ـ تحرص الحكومات في جميع أنحاء العالم على حفظ المال العام وحمايته من الهدر والسرقة والضياع أو التصرف به دون ضوابط أصولية من خلال سن قوانين صارمة تحد من التلاعب به أو التجاوز عليه تحت أي عنوان أومسمى ولكن نقول وبكل أسف منذ تغيير الأوضاع في العراق عام 2003 وما جرى من أحداث خلال الاحتلال للبلاد ولحد الآن أصبح المال العام مستباحا وبيد جهات وعناصر نافذة رسمية وغير رسمية تتصرف به على هواها بكل حرية وخارج السياقات الإدارية والقانونية وبعلم من الحكومة التي مازالت تتستر على مئات من الملفات الخطيرة الموصوفة في نهب وسرقة المال العام وتقوم على حماية مرتكبي تلك الجرائم لأسباب معروفة يطول ذكرها وما بين يوم وآخر نسمع بجريمة فساد مالي جديدة صادمة وخارج حدود العقل والمنطق وما أن تظهر تلك الفضيحة وبشكل علني حتى يتم تسويفها مع الأيام ويضيع خلالها المال العام دون حساب لمرتكبيها ومن المؤلم جدا أن تصاب جميع المفاصل الحكومية في العراق بوباء الفساد وبصور مختلفة حتى أصبحت جرائم هدر المال العام وسرقته بشكل سافر ثقافة سائدة في معظم الدوائر الحكومية.
مسؤولون نافذون
ومن المخجل جدا ان يتصدر تلك الجرائم الكثير من كبار المسؤولين النافذين في السلطة وضمن واجباتنا ومسئولياتنا المهنية كصحافة استقصائية تقع بأيدينا الكثير من القضايا والملفات المشبوهة الخطيرة التي تستوجب تبني القضاء لها وطرحها أمام الرأي العام كونها تتعلق بأمن البلد ومصالح شعبه الوطنية العامة وعسى أن تأخذ تلك الملفات طريقها للحسم لدى المسئولين الشرفاء لأجل الحد من هذه الجرائم وإيقاف أصحابها عن تطاولهم على المال العام ووضعهم تحت طائلة القانون مهما كانت عناوينهم ومسمياتهم وانتماءاتهم السياسية أوالحزبية او الفئوية ومن ضمن القضايا التي وقعت بين أيدينا وتم استقصاء تفاصيلها هي اتفاق كان قد جرى عام 2001 بين الحكومة العراقية آنذاك وبين شركة هورس المصرية للسياحة المتمثلة برئيس مجلس إدارتها رجل الأعمال المصري السيد عماد السعيد الجلدة وفقا لعقد رسمي موثق في وزارتي خارجية العراق ومصر ينص العقد على ان تكون شركة هورس للسياحة هي الوكيل الوحيد لشركة الخطوط الجوية العراقية في جمهورية مصرالعربية وقد تكفلت شركة هورس للسياحة في حينها جميع مايتطلبه عمل المكتب الموجود وسط القاهرة من موظفين مختصين وتوليها إجراء عقود مع شركات عالمية لزيارة العراق من خلال تنظيم مجاميع سياحية حال رفع القيود العدوانية عن العراق وفي عام 2005 تم رفع الحصار عن العراق حينها بدأت الخطوط الجوية العراقية إعادة العمل في جميع مكاتبها حول العالم حتى تفاجأ رئيس مجلس الإدارة السيد عماد الجلدة بقيام شركة الخطوط الجوية العراقية بإلغاء عقد الوكالة من طرفها مع شركة هورس للسياحة دون سابق انذار ودون ان تعطي أسبابا لهذا الإجراء الذي حصل من طرف واحد دون علم الطرف الأخر وبهذا الصدد فقد أجرت شركة هورس السياحية المصرية عدة مباحثات ومخاطبات مع الخطوط الجوية العراقية لأجل للتباحث وتسوية القضية المجحفة بحق الشركة السياحية المصرية حرصا على أواصر الأخوة الطيبة بين البلدين الشقيقين ودون إلحاق الضرر بالخطوط الجوية العراقية التي أصر المعنيون فيها على تجاهل دعوة الشركة المصرية ببحث الموضوع وتسويته بطريقة ودية وفقا للعقد المبرم بين الطرفين ما دفع ذلك شركة هورس باللجوء إلى القضاء والتحكيم الدولي الذي استغرق سنوات عدة وكل هذا يؤكده العقد المبرم بين الطرفين المتعاقدين إضافة الى الكتب الرسمية الموجودة نسخا مصورة لها والتي يمكن تقديمها للجهات المعنية إن أرادت الاطلاع عليها والتأكد منها وفي عام 2023 اصدر التحكيم الدولي قراره الذي أدان فيه الخطوط الجوية العراقية والحكم عليها بدفع تعويض مالي ضخم جدا بلغ بنحو 2 مليار دولار لصالح شركة هورس للسياحة المصرية نظرا لتجاهل الخطوط الجوية العراقية للموضوع وعدم معالجته في حينه وبسبب تفاقم حيثيات تلك القضية تكبدت الخطوط الجوية العراقية خسائر مالية بلغت ملايين الدولارات دفعتها لمحامين عرب ومصريين عسى أن يكسب الجانب العراقي القضية .
تحكيم دولي
ولكن للاسف هذا لم يحصل وبالرغم من حسم الدعوى أعلاه وفقا لقرار التحكيم الدولي الذي صدر لصالح الشركة المصرية الا أن السيد الجلدة وبتدخل طيب من أطراف وطنية عراقية مقيمة في مصر لم يعمل الجلدة على اكمال وتنفيذ إجراءات الحجزعلى أموال الخطوط الجوية العراقية المنقولة وغير المنقولة وفقا للقانون لأنها ستكون سببا في منع الطائر الأخضر من التحليق في الأجواء العربية والعالمية فضلا على الضرر المادي والمعنوي الذي سيلحق بشركة الخطوط العراقية وبعد ذلك وبدلا من ان تتدخل الحكومة العراقية المتمثلة بالسيد رئيس الوزراء في تسوية القضية بين الشركتين العراقية والمصرية عملا بمبدأ القانون والعدالة أصبحت طرفا بالموضوع واتجهت الى الحكومة المصرية مباشرة والتي هي ليست طرفا بالملف متجاهلة الشركة المصرية المعنية بالقضية وصاحبة العقد القانوني لتطلب منهم ملف قضية الخطوط الجوية العراقية !! وهنا رفض الجانب المصري هذا الطلب كونه لايعنيهم مستغربين ومتسائلين بان الملف عند وزير النقل والمواصلات العراقي فلماذا لاتطلبه منه كونه وزيرا في الحكومة العراقية وهو المعني بالموضوع ؟ حينها أجاب السيد السوداني لقد طلبت الملف من وزير النقل والمواصلات ولكنه رفض !! أليست هذه كارثة ؟
ويمكن الاشارة الى مباحثات مطولة غير مجدية كانت قد جرت بين السيد السوداني ووفده العراقي ليتفاوض مع الحكومة المصرية وتسوية القضية معها علما ان الحكومة المصرية ليست طرفا بالموضوع وإنما الشركة المصرية هي المعنية بالأمر ولكن بسبب الجهل القانوني والإداري المتمثل بالمفاوض الحكومي العراقي سيتحمل العراق دفع أموالا غير مبررة ولمرتين مرة للحكومة المصرية كون العراق قد اقحمها بالموضوع بشكل غير قانوني ومرة ثانية يدفــــــــع الغرامة لشركة السياحة المصرية صاحبة العقد الرسمي وهذا الاجراء مخالــف للقانون وعلى القضاء العراقي والجهات المعنية التدخل لحماية المال العام من الهدر والضياع ومحاسبة مرتكبي تلك الجريمة التي تضاف الى سلسلة جرائم فساد خطيرة اخرى ألحقت الضرر الكبير بحقوق ومصالح الشعب العراقي العامة على مدى السنوات الماضية.