الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
نقد‭ ‬السلطة

بواسطة azzaman

نقد‭ ‬السلطة

محمد زكي ابراهيم

 

لقد‭ ‬أتى‭ ‬على‭ ‬العراقيين‭ ‬حين‭ ‬من‭ ‬الدهر‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬قادرين‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬توجيه‭ ‬كلمة‭ ‬نقد،‭ ‬أو‭ ‬جملة‭ ‬اعتراض‭ ‬على‭ ‬أفعال‭ ‬السلطة،‭ ‬وكانت‭ ‬أي‭ ‬إشارة‭ ‬تذمر،‭ ‬أو‭ ‬إيماءة‭ ‬سخرية،‭ ‬كفيلة‭ ‬بإرسال‭ ‬صاحبها‭ ‬إلى‭ ‬المحرقة،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الملاحظات‭ ‬كانت‭ ‬نافعة،‭  ‬ولو‭ ‬أخذ‭ ‬بها‭ ‬لما‭ ‬نال‭ ‬البلاد‭ ‬أذى،‭ ‬ولما‭ ‬أصابها‭ ‬مكروه،‭ ‬أي‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬سلوكاً‭ ‬إيجابياً‭ ‬أراد‭ ‬صاحبه‭ ‬عن‭ ‬قصد‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬قصد،‭ ‬حماية‭ ‬الأجهزة‭ ‬المتنفذة‭ ‬من‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬المحظور‭.‬

‭ ‬وأبرز‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأخطاء‭ ‬التي‭ ‬أودت‭ ‬بحياة‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬المعارضين،‭ ‬الحروب‭ ‬العبثية،‭ ‬والاستبداد‭ ‬الحزبي،‭ ‬وتغول‭ ‬حكومة‭ ‬القرية،‭ ‬وقد‭ ‬دفعت‭ ‬أسر‭ ‬كاملة‭ ‬الثمن‭ ‬باهظاً‭ ‬لكلمة‭ ‬مخلصة‭ ‬خرجت‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬أسى،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬وزراء‭ ‬وقادة‭ ‬جيوش‭ ‬وموظفين‭ ‬كباراً‭ ‬أعدموا‭ ‬أو‭ ‬تواروا‭ ‬عن‭ ‬الأنظار،‭ ‬لا‭ ‬لجريمة‭ ‬ارتكبوها،‭ ‬بل‭ ‬بسبب‭ ‬نصيحة‭ ‬مجانية‭ ‬قدموها،‭ ‬أو‭ ‬رأي‭ ‬مهني‭ ‬أبدوه،‭ ‬لإنقاذ‭ ‬البلاد‭ ‬مما‭ ‬وقعت‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬دمار‭.‬

‭ ‬وقد‭ ‬اكتشف‭ ‬رجال‭ ‬السلطة‭ ‬بعد‭ ‬فوات‭ ‬الأوان‭ ‬–‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬يصرحوا‭ ‬بذلك‭ ‬–‭ ‬أن‭ ‬الذين‭ ‬ماتوا‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الظروف،‭ ‬كانوا‭ ‬أكثر‭ ‬حرصاً‭ ‬على‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬شجعوا‭ ‬رأس‭ ‬السلطة‭ ‬على‭ ‬الطيش‭ ‬والتهور‭ ‬والضلال‭. ‬وانتهوا‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬إلى‭ ‬حبل‭ ‬المشنقة‭.‬

‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬،‭ ‬الذي‭ ‬أسدل‭ ‬الستار‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬السلوك،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬النقد‭ ‬حراماً،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬بات‭ ‬ظاهرة‭ ‬كثيرة‭ ‬الشيوع،‭ ‬وأضحى‭ ‬قادة‭ ‬البلاد‭ ‬هدفاً‭ ‬لكل‭ ‬ذي‭ ‬غرض،‭ ‬وأخذت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التي‭ ‬تضخمت،‭ ‬تضج‭ ‬بالساخطين‭ ‬والمتذمرين،‭ ‬لسبب‭ ‬أو‭ ‬لغير‭ ‬سبب‭.‬

‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬المفيد‭ ‬القول‭ ‬أن‭ ‬كثرة‭ ‬النقد‭ ‬كقلته،‭ ‬والإفراط‭ ‬فيه‭ ‬كالامتناع‭ ‬عنه‭ ‬لأنه‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تجاوز‭ ‬الحد،‭ ‬وتخطى‭ ‬الحواجز،‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬أداة‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار،‭ ‬وأعطى‭ ‬انطباعاً‭ ‬مغايراً‭ ‬للواقع‭.‬

ومن‭ ‬الطبيعي‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬نام‭ ‬كالعراق،‭ ‬أن‭ ‬يعاني‭ ‬الجهاز‭ ‬الحكومي‭ ‬من‭ ‬الترهل،‭ ‬وأن‭ ‬تشوب‭ ‬خطط‭ ‬التنمية‭ ‬المعوقات،‭ ‬ويظهر‭ ‬فيه‭ ‬فاسدون‭ ‬ومثبطون‭.‬

‭  ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬بمقابل‭ ‬هذا‭ ‬بحوثاً‭ ‬تكتب،‭ ‬ونظريات‭ ‬تطرح،‭ ‬من‭ ‬اختصاصيين‭  ‬لتقويم‭ ‬مسار‭ ‬الدولة،‭ ‬وإبداء‭ ‬الرأي‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يعلن‭ ‬من‭ ‬مشاريع،‭ ‬وكثير‭ ‬منها‭ ‬يعارض‭ ‬خطط‭ ‬الدولة،‭ ‬ومن‭ ‬الملائم‭ ‬أن‭ ‬تؤخذ‭ ‬هذه‭ ‬الأفكار‭ ‬على‭ ‬محمل‭ ‬الجد،‭ ‬وأن‭ ‬تدرس‭ ‬بعناية،‭ ‬وتخضع‭ ‬للمداولة‭ ‬والنقاش‭.‬

‭ ‬وقد‭ ‬اطلعت‭ ‬على‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬ردود‭ ‬الأفعال‭ ‬تجاه‭ ‬بعض‭ ‬العقود‭ ‬المبرمة‭ ‬مع‭ ‬الشركات‭ ‬النفطية،‭ ‬أو‭ ‬العقود‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬للتنفيذ،‭ ‬لخبراء‭ ‬نفطيين،‭ ‬وكانت‭ ‬في‭ ‬مجملها‭ ‬نظرات‭ ‬سديدة‭ ‬وواقعية،‭ ‬وأظن‭ ‬أن‭ ‬بعضها‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬بنود‭ ‬هذه‭ ‬العقود،‭ ‬أو‭ ‬صرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬بعضها،‭ ‬أو‭ ‬تأجيلها‭ ‬في‭ ‬الأقل‭.‬

‭  ‬وقرأت‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬لأمثالهم‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬النقل،‭ ‬الذي‭ ‬يعاني‭ ‬بدوره‭ ‬من‭ ‬الاختناق،‭ ‬وقد‭ ‬قدم‭ ‬بعضهم‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الرؤى‭ ‬والأفكار‭ ‬التي‭ ‬تسهم‭ ‬بحل‭ ‬المشكلة،‭ ‬وقدموا‭ ‬مقترحات‭ ‬تنم‭ ‬عن‭ ‬الوعي‭ ‬أو‭ ‬التجربة،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭.‬

‭  ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬النقد‭ ‬وسواه‭ ‬كثير،‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬التفريط‭ ‬فيه‭ ‬بحال،‭ ‬لأنه‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬معطيات‭ ‬وأرقام،‭ ‬ويعول‭ ‬على‭ ‬نقاشات‭ ‬وحوارات،‭ ‬وأخذ‭ ‬ورد،‭ ‬بطريقة‭ ‬علمية‭ ‬جادة،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مقدمة‭ ‬لرأي‭ ‬عام‭ ‬رصين،‭ ‬هدفه‭ ‬دعم‭ ‬التنمية،‭ ‬وتطوير‭ ‬البلاد‭..‬

‭ ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬متهافتاً‭ ‬فيمكن‭ ‬الاستغناء‭ ‬عنه‭ ‬وإهماله،‭ ‬وفي‭ ‬رأيي‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬النقد‭ ‬واجب‭ (‬شرعي‭) ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يمتلك‭ ‬الخبرة‭ ‬والتجربة‭ ‬والعلم،‭ ‬وليس‭ ‬ترفاً‭ ‬يلوح‭ ‬به‭ ‬البعض‭ ‬نكاية‭ ‬بحزب‭ ‬أو‭ ‬جماعة،‭ ‬أما‭ ‬التجمهر‭ ‬والفوضى‭ ‬و‭ (‬حرق‭ ‬الإطارات‭!) ‬دون‭ ‬أي‭ ‬مسوغ‭ ‬معقول‭ ‬فلن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬نتيجة،‭ ‬بل‭ ‬سيؤزم‭ ‬الوضع،‭ ‬ويفاقم‭ ‬الأمور‭! .‬

‭  ‬إن‭ ‬النقد‭ ‬البناء‭ ‬حق‭ ‬لكل‭ ‬مواطن،‭ ‬يمتلك‭ ‬الأهلية‭ ‬له،‭ ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يحز‭ ‬على‭ ‬شيء‭ ‬منه،‭ ‬فالأولى‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يستشير‭ ‬أهل‭ ‬الرأي،‭ ‬ويستمع‭ ‬لأهل‭ ‬الخبرة،‭ ‬ففي‭ ‬ذلك‭ ‬منجاة‭ ‬له‭ ‬ولأهله‭ ‬ومجتمعه‭ ‬من‭ ‬الهم‭ ‬والأذى‭ ‬والخراب‭.‬


مشاهدات 15
الكاتب محمد زكي ابراهيم
أضيف 2024/11/23 - 1:13 AM
آخر تحديث 2024/11/23 - 5:13 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 109 الشهر 9580 الكلي 10052724
الوقت الآن
السبت 2024/11/23 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير