قبل رحيله..المبارك ينجز إطلالته الفلسفية الثالثة
قاسم المعمار
ان خلود الذات ينبع من اصالة النفس الانسانية المستقاة من الجذور البيئية لذلك المكنون العاقل الحي حينما يتحول من بذرة الى غرسة يانعة ثم ثمرة شجرة باسقة بفيئها الكثيف المبارك .
وما اجدرنا اليوم ونحن نعيد سنوات العمر المديدة من زهو صداقتنا ومحبتنا لذلك الهادئ الوديع المترنم بمخيلاته الفلسفية الجادة في سعى العقل والروح وما تركته انامل استاذنا المرحوم محمد مهدي مبارك من تحفة اطلالاته في دراسة علم الفلسفة العربية – الاسلامية عبر طبع واصدار مخطوطته الثالثة.
طالما تمنى راحلنا في حياته بدراسة نشوؤها ومقارنتها بالمدارس الفلسفية الاوربية والعالمية .
اذ جاءت هذه الخطوة الطباعية التنفيذية لمجموعة مخطوطاته البيتية ترجمة صادقة ومؤمنة بعطائها للحديث النبوي الشريف في منفعة ما يرثه المسلم بعد حياته (اذا ما ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جارية او علم ينتفع به او ولد صالح يدعو له) ، وبذلك تضاف شمعة وقّادة لتلك الاضاءات الفكرية في مسيرة المعرفة الفكرية الفلسفية بل دافعاً لنهضتها وحالات التزاوج والحمل والولادة لآفاق استشرافية . وهي بحق مشاوير استقرائية وتحليلية للمدارس الفلسفية ومفكريها .ويحكى القراءات الشخصية لحياة هذا الراحل كونه من اسرة مرموقة (آل المبارك) في محافظة بابل الحجلة اثرها الكبير في النشأ’ والنشوء زائداً انغماس شبابه بالعمل السياسي ، اذ انتخب رئيساً للإتحاد العام لطلبة العراق – فرع بابل .. ومنذ صباه وهو المثقف والمتلقي للآداب والثقافة والفلسفة العربية والاسلامية ورجالاتها الافذاذ .
اليوم تسعد راحة النفس استاذنا وصديقنا مبارك لهذه الاطلالة الصحفية في جريدتنا «الزمان» استذكاراً كريماً لإبداعاته ومتابعاته لطرائق البحث الفلسفي وتترجم مريديها عند الكندي والفارابي ومناهج الشك بين الغزالي وديكارت وآفاق الرؤية الفلسفية لأبي بكر ابن طفيل والربوبية لإفلاطون وآفاق الفكر العربي الاسلامي الوسيط ودور ابن رشد في امتداد الابداع الفلسفي خارج الحدود .
ترسيخ الابداع
ان الثقافة الفكرية يجب ان تكون ارثاً مشاعاً لكل من يهواها قلباً وعقلاً وروحاً لا تحجب وان التلاقح الفكري سمة الفضيلة الاجتماعية الانسانية بل اجدها خطوة دافعة نحو الترسيخ والابداع والتجديد شكلاً ومضموناً للمعرفة الفكرية ، لذا أجد باحثنا وهو المحق مستغرقاً في المسارات الاستنباطية لنتائج المقارنات الفكرية بين الفلسفتين العربية الاسلامية من جهة والاوربية من جهة اخرى .
لقد أتت مدارس الفكر العربي الاسلامي بالشيء الكثير في معالجاتها الانسانية الصائبة وطروحاتها المنظمة لمنهج في قضايا العقل والمثل والمنطق والطبيعة والنفس والمجتمع والانسان وحل اشكاليات الظواهر .
انطلاقاً من التأثير والايمان الراسخ لما حملته الرسالة الاسلامية التي تعد مصدر الهام كبير في بناء الرؤية العلمية العقلية وهذا ما تجسد في حديث الرسول محمد (ص) بقوله الشريف : (ان دين المرء عقله فمن لا عقل له لادين له) قد جعلت العقل حجة في الهدي والرشاد والابداع وهذه كلمات رائعة هي مدعاة فخر وانطلاق فكري وثاب للحكمة والمعرفة والابداع .
كما اجرى باحثنا فحصه المنظاري التقريبي لطروحات مفهوم العقل ونظرية السينوية في النفس والرواية الفلسفية لإبن طفيل والعمران لإبن خلدون .
ومما هو جدير بالذكر والاحترام والتوثيق هي تلك الجهود الشخصية المضنية في البحث والمتابع والتحليل والدراسة والاستقصاء والمقارنة والاستنتاج في وحدات فكرية متجانسة في مجالي علمي الاجتماع والفلسفة العربية الاسلامية والاوربية خدمة للمكتبة الوطنية والعربية والعالمية ولمريدي هذا العلم الجميل .