الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
هوية المثقف العربي

بواسطة azzaman

هوية المثقف العربي

أحمد كاظم نصيف

 

نشر ملحق «الطريق الثقافي» الصادر عن جريدة «طريق الشعب» في عدده (149) في 2 تشرين الأول الجاري، مقالة شيقة وممتعة للكاتبة جيسكا بريكي عن جوزي فانون واخلاصها للقضية الفلسطينية.

الموضوع يتحدث عن القيّم الأخلاقية الخلاقة، المتضامنة مع حقوق الانسان والعدل والوقوف بحدٍ فاصل ضد الفصل العنصري، جاء ذلك بعد مواقف مثلت شهادات ثقافية لانسانة توجت رفعتها وشجاعتها بنبل فريد، ومن هذه المواقف، كان في أيار 1967، إذ أرسلت جوزي فانون برقية عاجلة إلى مكتب فرانسوا ماسبيرو في باريس، الناشر لكتاب زوجها فرانتز فانون «معذّبو الأرض».

طلبت جوزي من ماسبيرو في البرقية «الرجاء حذف مقدمة جان بول سارتر لكتاب فرانتز فانون «معذّبو الأرض» على الفور من جميع الطبعات المستقبلية، بسبب الموقف المؤيد للصهيونية والامبريالية الذي اتخذه سارتر فيما يتعلق بالعدوان الصهيوني على الشعوب العربية، على الرغم من تأثير اسم سارتر في الأوساط الثقافية والأدب العالمي.

فقد وقّع سارتر على بيان للمثقفين الفرنسيين لصالح آمن اسرائيل وسيادتها في حرب الأيام الستة  وتسمى أيضاً هزيمة 5 حزيران، وحاول أن يجملها كاتب السلطة المصرية محمد حسنين هيكل ونعتها بنكسة حزيران 1967، وهي الحرب التي نشبت بين اسرائيل وكل من العراق وسوريا ومصر والأردن، وأدت إلى احتلال اسرائيل لسيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان.

لم يكن هذا الموقف الوحيد من جوزي، فقد كانت لها مواقف كثر مشابهة من قضايا الانسان ومصيره في غير دولة، وبذلك فقد أعلنت منذ وقتٍ مبكرٍ عن هوتها كمثقفة واعية ومدركة ومؤمنة بالعدالة الانسانية وضد الفصل العنصري.

حزم وشجاعة

أما فرانتز فانون نفسه وهو أحد أبرز منظري ومفكري نظرية ما بعد الاستعمار، فقد ألهم الكثير من الداعين إلى التحرر، وآمنوا بالمبدأ الذي دعى إليه: «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلّا بالقوة».

ولم تكن جوزي أو فرانتز فانون فقط من أشرا هذه المواقف ونالا المجد، فقد سبقهما كثير من المثقفين وبعدهما كذلك، فكثير من المواقف غير قابلة للتخطي ولا تقبل الحياد، ويجب الوقوف عندها بحزم وشجاعة.

وهذا يشكل منطلق  للكشف عن الهوية الثقافية العربية، وبما أن، على حد قول إدوارد سعيد في كتابه (الاستشراق/ المفاهيم الغربية للشرق): «لا يمكن لأي كان أن يتهرب من التعامل مع ثنائيات الشرق والغرب، والشمال والجنوب، والمالك والمملوك والإمبريالي والمناهض للإمبريالية والأبيض وذي البشرة الداكنة، لا يمكننا تجاهلُ أي من هذه الثنائيات والتظاهرُ بأنها غير موجودة، فالاستشراق المعاصر يتلاعب بها مما يزيد من اتساع الهوة ما بين الطرفين ويزيد من احتقان علاقتهما لتتحول من مرض عارض إلى مرض مزمن»؛ فلزاماً على المثقف أي مثقف، أن يسجل موقفه ويحدد هويته تجاه هذه الثنائيات التي اخترعها الغرب، وهذا بحد ذاته استعمار ثقافي وهو لا يقل فتكاً عن الاستعمار التقليدي.

ثمة وجود ثقافي عربي يتوزع الكثير من بلدان الغرب، بيد أن هذا الوجود مرتبط مادياً بالواقع المعاش، مما يضع المثقف العربي في مأزق، لا سيما عندما تلتقي الثقافات العربية مع الغربية، ونتيجة هذا التفاعل الثقافي قد ينتج صراع فكري، وهذا بدوره قد يؤدي إلى جدال سياسي، وبما أن المثقف العربي الذي يعيش في أجواء تسودها الديمقراطية والعلمانية وفضاء أرحب، لا يود أن يشعر بالهزيمة الثقافية وفقدان فسحة الحرية التي يفتقدها في بلده.

وفي هذه الحال لا يستطيع المثقف العربي أن يعبِّر عن رؤية معينة، نتيجة شخصيته الثقافية المركبة العربية / الغربية، كونه ينتمي إلى مؤسسة ثقافية عامة، أو يعمل في وسط أكاديمي أو في مجال الصحافة والاعلام أو غير ذلك، ولا بد له أن يتبنى الفكر السائد في تلك الأوساط، فبقي المثقف العربي مهزوزاً لا يستند إلى ثقافة عربية جادة، ولا يستطيع أن ينال ثقة الغرب.

 

فلا بد للمثقف العربي أن يتحرر من تبعية الشعور بالدونية للمستعمِر، ويعيد بناء نفسه، كي يؤسس شخصيته الفكرية الثقافية، ومن هنا ينطلق لتحقيق ذاته ويصنع له رأياً موازياً لشخصية المثقف الغربي.

وضياع المثقف العربي قد يعود إلى المصطلح نفسه (المثقف) وهذا الوصف عائم، تشوبه الضبابية، مفهوم أوربي نقل عبر الترجمة إلى العرب، بيد أن البيئة العربية لم تحتضنه بدقة متناهية وتمنحه مرجعية معينة في الفضاء الثقافي العربي، وما زال غربياً رغم انتشاره الواسع.

أما آن الآوان للمثقف العربي أن يصدر بيان مقاطعة يكوّن فيه ظاهرة ثقافية عربية تتبناها الاتحادات والنقابات والجمعيات والمنظمات كافة؛ ومن خلال هذا البيان يتحدد موقف المثقف العربي وهويته


مشاهدات 128
الكاتب أحمد كاظم نصيف
أضيف 2024/10/09 - 11:36 PM
آخر تحديث 2024/10/16 - 12:48 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 289 الشهر 6676 الكلي 10036399
الوقت الآن
الأربعاء 2024/10/16 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير