تجربة فريدة
عمار طاهر
تواصل الزمان بتألق مسيرة العطاء، وهي تسير بطريق وعر، عز فيه الناصر، وقل به المعين، في عراك وجودي مرير بعد غروب الورقي وبروز الرقمي، بمعادلة معكوسة تبشر بنهاية حقبة طويلة، تسيدت فيها الصحافة كل الوسائل، فكانت الأم الرؤم، والحاضنة الحقيقية للكلمة الصادقة، والرأي الحر، والنص الرصين. صمدت الصحيفة رغم رياح التغيير العاتية، وتقلبات المهنة، وأهواء السياسة ...تمترست خلف حرفيتها وتوازنها ... خبرت المشهد فلم تسقط مضرجة بمبادئها ...سعت إلى البقاء كبيرة بين زميلاتها، فظلت كذلك ... لم تنحن أمام الإنسان الرقمي ... تشبثت بالورق... ببياضه المظلم وسواده المضيء. هجرها الخبر إلى المنصات الإلكترونية، فتمسكت بالقصص الإخبارية، والمقالات الحرة، لتغدو واحة متنوعة للرأي الحصيف، وباقة رائعة لوجهات النظر، ينهل منها القراء الأفكار الخصبة، فهي الزاد والزواد لجمهور يبحث عن المفردة الرصينة، بعد الغزو الغاشم لمواقع بغيضة، تروج التفاهة وتسوق الابتذال. الزمان اليوم مع أخياتها تحمل لواء الصحافة المطبوعة، فهي توثق أحداث العراق وتناقضاته، وتحافظ على دعائم النظام الديمقراطي فيه، بوصفها وسيلة عامة تمثل حرية التعبير، وذاكرة كبيرة ممتدة في أعماق التاريخ، ضاربة في جذوره، إذ تعد أسفارا خالدة لحقب وأزمان مختلفة، شهدتها وحفظتها، ونقلتها كما هي.
صبر جميل
الجندي المعلوم وراء نجاحات الصحيفة هو رئيس تحريرها ، فقد استطاع الرجل بمهنيته وحكمته وإداراته الناجحة أن يبقيها على قيد النشر، رغم كل المصاعب ... تحمل بصبر جميل مرارة أفول الصحافة المطبوعة، وعزوف الجيل الجديد عن متعة القراءة ... واجه كل التحديات فبلغ العدد (8000). مرت الزمان بمحطات عديدة... استقلها صحفيون، وترجل عنها آخرون، ولكنهم جميعا عاشوا لحظة الإبداع، وأجواء الشغف ... بقت لذة العمل محفورة في أخاديد ذاكرتهم لا تبارحها ... وعندما رحلوا أعاروا خبراتهم التي اكتسبوها من واحة الزمان، ورفدوها إلى مؤسسات إعلامية أخرى. عندما تضيء شمعة الزمان برقمها القياسي الجديد، يتوهج بلاط صاحبة الجلالة، فهذه التجربة الفريدة هي امتداد حقيقي لصحافة أصيلة، تصنع الواقع، وتصبو نحو المستقبل، بقيم مهنية، وارث كبير، ودور حيادي فاعل، لتكون إحدى أدوات بناء البلد، وجزء مهما من ثقافة الرأي والرأي الآخر.
عميد كلية الاعلام بجامعة بغداد