مسيرة صحفية حافلة بالتحديات والإنجازات
من المنفى إلى الصدارة: (الزمان) علامة راسخة في الاعلام الرقمي
بغداد – عدنان أبوزيد
في رحاب الذكرى المميزة لصدور العدد 8000 من صحيفة «الزمان»، يتجدد الحديث عن مسيرة هذا الصرح الإعلامي المخضرم الذي عَبَر الحقب والأزمات. تأسست الصحيفة قبل العام 2003 في المنفى، لتكون صوت العراقيين في الخارج، نافذة على الوطن المشتاق، ورسالة تتسلل خلسة إلى الداخل عبر الحدود، متحدية الرقابة الصارمة. كانت كلمات «الزمان» تصل في طي الكتمان إلى قلوب العراقيين العطشى للحقيقة، تحكي عن واقعهم وحلمهم. بعد الغزو الأمريكي، باتت «الزمان» أول صحيفة عراقية تعبر الحدود رسميًا، تستقبلها الأيادي العراقية بالورود، والأعين الشغوفة تتلهف لقراءة أخبار الوطن بصدق وشفافية. لقد كانت أكثر من مجرد صحيفة؛ كانت نبعًا ارتوى منه العراقيون بعطشهم للكلمة الحرة. جمعت «الزمان» بين العراقيين في الداخل والخارج، ثم أسست مكتبها في بغداد لتُصدر طبعتها المحلية بجانب نسختها الدولية، مُزجت بذلك التجربتان في قالب واحد يعكس هموم وآمال الشعب. واليوم، وهي تحتفل بصدور العدد 8000، تحمل بين صفحاتها عبق التجربة بأفراحها وأحزانها، وصمودها في وجه التحديات. تمثل «الزمان» اليوم رمزًا للصمود وأيقونة للصحافة الورقية في العراق، مُكملة دورها الريادي بجانب نسخها الرقمية التي تصل إلى قرائها في كل مكان.يتحدث الصحافيون والكتاّب والمتابعون عن أثر «الزمان» في حياتهم، كيف تابعوا مسيرتها بشغف، ووجدوا فيها مساحة للتعبير والكتابة، لتظل «الزمان» شاهدة على مسيرة العراق وتاريخه، ومنبرًا لأحلام أبنائه.
الاستمرار والتفوق
وقال الصحافي العراقي فارس المهداوي انه «على الرغم من تآكل الصحف الورقية واندثار تام ومفجع لعدد بارز منها، إلا أن صحيفة الزمان أثبتت حضورها وجدارتها ومتانتها في الاستمرار والتفوق، وقد حرصت منذ البداية على شق طريق خاص بها، طريق غير ثابت بل متحرك، يناور بحرفية ومهنية عالية، فهي صحيفة مشبعة بخزين معرفي وكوادر ترفض الجمود، وتتمرد على ذاتها من أجل الكلمة الجميلة والصادقة».
وتابع: «الزمان ليست فقط صحيفة؛ إنها منبر للإبداع وملتقى للكلمة الحرة، وتمنح الفكرة والمعلومة كامل استحقاقهما دون الالتفات لمعايير الخوف أو الهزيمة، ولهذا، تستحق هذه الصحيفة البقاء، الاحتفال، والتهنئة على مسيرتها المضيئة».
البقاء والصمود
وقال الكاتب والمهندس محمد زكي إبراهيم، «يا زمان الوصل، ففي السنوات التي تلت التغيير الجذري في بلادنا العام 2003، شهدت الساحة الإعلامية العراقية ولادة مئات الصحف اليومية والأسبوعية بأسماء وواجهات متنوعة، وكانت هذه الظاهرة تستحق التسجيل، فهي نقلة نوعية لم يشهدها تاريخ العراق من قبل، فقد كسرت تلك الصحف قيود الاستبداد التي خيمت على الشعب لعهود طويلة، وفتحت الأبواب لآلاف الأفراد لدخول عالم الصحافة والكلمة الحرة المسؤولة».
واستأنف القول «لكن مع الأسف، لم تستطع معظم هذه الصحف أن تصمد في مواجهة الظروف الصعبة أو تتحدى السطوة المتزايدة للإعلام المرئي، فقد أغلقت الكثير منها أبوابها واختفت عن الأنظار بعد سنوات قليلة، مما ترك عشاق الصحافة الورقية في موقف محزن وخارج المشهد الإعلامي بدون أي دعم».
وتابع «عندما أسمع اليوم عن صحيفة عراقية استطاعت البقاء والصمود رغم كل تلك التحديات، لا يسعني إلا أن أستنتج أمراً واحداً: أن هذا الزمان لا يزال ينبض بالحياة، وأن هناك بصيص أمل في مستقبل الصحافة العراقية».
المرونة أمام المتغيرات
الكاتب بسام كريم المياحي، يرى انه «في ذكرى صدور العدد 8000 من صحيفة الزمان، وفي ظل تحديات الصحافة الإلكترونية وبداية انقراض الصحافة الورقية، تظل الصحيفة تحتفظ بمكانتها الرائدة في مجال الانتشار الورقي الذي لا يزال يفضله الكثيرون من متابعي الصحف العالمية والعربية والمحلية، إنها تتربع على عرش الصحف الأكثر متابعة محليًا».
ويسأل المياحي: «ما سر صمودها أمام كل هذه التحديات؟، هل هي الحيادية المطلقة التي تنتهجها؟ أم قدرتها على التكيف مع الظروف؟ أم أنها تمتلك سحرًا خاصًا تفتقده الصحف الأخرى، على الرغم من الدعم الكبير الذي تحظى به تلك الصحف؟».
ليجيب بنفسه «أعتقد أن سر نجاحها يكمن في مرونتها الفريدة وقدرتها على مجابهة التغيرات العالمية التي أثرت على الصحافة الورقية. وبينما توجهت معظم الصحف إلى الفضاء الرقمي، استطاعت الزمان أن تحافظ على هويتها الورقية، مقدمة ألوانًا متعددة من فنون الصحافة وطريقة الكتابة، فهي تفتح أبوابها لمختلف الآراء والأفكار، مما يمنحها المرونة اللازمة لاستقطاب شرائح واسعة من القراء بمختلف الأعمار والخلفيات».
واسترسل «هذا التنوع هو ما يجعل القراء يبحثون عن الجديد دائمًا في صفحاتها، ليتمتعوا بتجربة قراءة تجمع بين الأصالة والحداثة».
روح الصحافة الحقيقية
وتشير رئيسة منتدى الإعلاميات العراقيات نبراس المعموري، الى انه «في وقت تندثر فيه الصحف الورقية تحت وطأة هجمة الصفحات الإلكترونية، ظلت الزمان تزهو بروح الصحافة الورقية الحقيقية، وهذا إن دل على شيء، فإنه يدل على أن الصحافة لا تحتاج سوى مؤسسات رصينة، قوية في أهدافها، وكوادرها، وإدارتها. وهذا ما جسدته الزمان وهي تحتفي بمسيرتها العريقة». وأضافت: «ما يميز الزمان عن غيرها من الصحف هو احتضانها للمرأة الصحفية والكاتبة، وإعطاؤها مساحة حقيقية للمشاركة، ولم أجد فيها بصمات ذكورية تهيمن على المحتوى، بل كانت حريصة على أن تمنح للمرأة دورًا مميزًا في كتابة المقالات بمختلف تخصصاتها، وهذا التوجه هو تجسيد لشراكة حقيقية، تؤكد على إيمان العاملين في الصحيفة بالمهنية والعدالة بغض النظر عن الجنس».
وقالت «أشكر زملائي الذين آمنوا بهذه الشراكة وجسدوا روح المهنية العالية في كل كلمة كتبوها. الزمان اليوم تقطف ثمار هذا الالتزام بالرصانة الصحفية في زمن هجرت فيه الرصانة إلى مستودع الطارئين والطارئات، الذين للأسف الشديد، يفتقرون إلى المعايير الحقيقية للمهنة، لكن الزمان بقيت شامخة، صامدة، وفية لقيم الصحافة الحقيقية».
النهج المهني
ويتحدث العميد المتقاعد والخبير الأمني عقيل الطائي عن تجربته مع الزمان، فيقول «من خلال متابعتي المستمرة واطلاعي على مسيرة صحيفة الزمان، أستطيع أن أؤكد أنها انتهجت مسارًا فنيًا مهنيًا رفيع المستوى، بعيدًا عن سياسات الانحياز أو التسقيط أو التشهير، إن نهجها المهني يظهر جليًا من خلال فسحها المجال للصحفيين والمثقفين والأدباء من مختلف التوجهات الفكرية والأيدولوجية، ومن شتى الأديان والمشارب».
وتابع: «هذا التنوع والاحتضان للفكر المختلف هو انعكاس لمهنية العاملين والمسؤولين في الصحيفة، الذين استطاعوا بناء جسر يجمع بين كل تلك الأصوات دون الانحياز أو التحامل، و إن هذا النهج هو ما منح الزمان، القدرة على الاستمرار والنجاح، في وقت يواجه فيه الإعلام تحديات كبيرة».
وختم بالقول «أهنئكم من القلب على هذا الإنجاز الكبير، ووصولكم إلى العدد 8000، وأبارك جهودكم الحثيثة التي جعلت من الزمان نموذجًا يحتذى به في الصحافة المهنية والحرة».
التفاني والاحترافية
وقال الكاتب والفنان التشكيلي كاظم بهية ان «العدد 8000 من صحيفة الزمان، إنجاز تاريخي يعكس التفاني والاحترافية العالية لفريق التحرير على مر السنين».
واستطرد «لقد استطاعت الزمان أن تحافظ على مكانتها كواحدة من أبرز الصحف في المنطقة، مقدمةً تغطية شاملة وتحليلات دقيقة للأحداث، وأن استمرارها في الصدور طوال هذه السنوات يعد دليلاً على الثقة التي بنتها مع قرائها وإصرارها على تقديم محتوى إعلامي متميز».
وتابع القول «نهنئ الصحيفة على هذا الإنجاز ونتطلع إلى المزيد من النجاحات في المستقبل، فقد أثبتت الصحيفة عبر مسيرتها الطويلة قدرتها على التكيف مع تغيرات المشهد الإعلامي، محافظةً على مصداقيتها وريادتها في تقديم الخبر الصادق والتحليل العميق، وأن وصولها إلى العدد 8000 يعكس التفاني في خدمة القراء والتمسك بقيم الصحافة النزيهة».
جرعة نحتاجها يوميا
الكاتب ومنقب الآثار، بهاء زهير أحمد القيسي، قال ان «صحيفة الزمان لم تعد كائناً مجهولاً، بل بات بإمكانك حملها بين يديك والتعرف عليها عن كثب، فهذه الصحيفة التي يمكننا أن نصفها بأنها تقدم جرعة من الثقافة التي نحتاجها في يومنا المعاصر». وأضاف «مع وصول الزمان إلى هذه المرحلة المتميزة، لا يمكننا تسميتها مجرد عدد أو رقم، فهي تمثل مسيرة طويلة نحو صحافة ثقافية مجتمعية تركت بصمتها في عالم الصحافة، ومن يخوض في غمار هذه الرحلة يجد نفسه غارقاً في أعمق تفاصيلها، ولكنه غرق جميل ومثمر». وختم بالقول «نقدم تهانينا لصحيفتنا العريقة، ولكل من ساهم في بناء هذا الصرح الصحفي المتميز».