رحلة الروح.. السعي نحو الذات الحقيقية

نوري جاسم

في عالم يموج بالتحديات والتغيرات السريعة، يبقى السؤال الأهم الذي يطرحه الإنسان على نفسه : من أنا؟ وما هو معنى وجودي في هذا الكون الواسع؟ رحلة الروح هي تلك الرحلة الداخلية العميقة التي يسعى من خلالها الإنسان إلى اكتشاف ذاته الحقيقية وتحقيق التغيير الداخلي.

 رحلة الروح تبدء من لحظة الوعي والإدراك بأن الحياة أكثر من مجرد يوميات رتيبة، وهي شعلة داخلية تشتعل عندما ندرك أن هناك ما هو أعمق وأكثر معنى في هذا الوجود  وربما تكون هذه البداية من خلال تجربة مؤثرة، أو من خلال قراءة كتاب يلهمك، أو حتى من خلال لقاء مع شخص يفتح عينيك على آفاق جديدة.ان السعي نحو الذات الحقيقية هو عملية مستمرة لا تنتهي، وتتطلب منا الشجاعة لمواجهة أنفسنا بصدق وشفافية، وهي رحلة البحث عن ذلك النور الداخلي الذي يقودنا نحو السلام والرضا الداخلي، وفي هذه الرحلة نتعلم أن نترك خلفنا الأوهام والمظاهر الزائفة ونتوجه نحو ما هو جوهري وحقيقي.

التغيير الداخلي

ان التغيير الداخلي هو نتاج طبيعي لهذه الرحلة العميقة، إنه تحول في نظرتنا إلى الحياة وفي طريقة تعاملنا مع أنفسنا ومع الآخرين. والتغيير الداخلي هو ذلك التحول الذي يجعلنا أكثر انسجامًا مع قيمنا وأهدافنا الحقيقية، ويجعلنا نعيش حياة مليئة بالمعنى.يلعب منهج التربية الروحية دورًا أساسيًا في رحلة الروح، وهي البوصلة التي توجهنا نحو الحقيقة والنور، ومن خلال الالتزام بمنهج الطريقة والسلوك المحمدي العلوي القادري الكسنزاني نتعلم أن نكون في تواصل مستمر مع الكون ومع خالق هذا الكون، من خلال التعليم الروحي والذكر والفكر والأخلاق  والرابطة الروحية، وهي التي تمنحنا القوة والصبر لمواجهة التحديات والصعوبات، وتساعدنا على النمو والتطور في طريقنا نحو الذات الحقيقية.

أهمية التأمل والتفكر

أن التأمل والتفكر لدى المريد الطالب لطريق النور والإحسان والحقيقة، وهما أدوات هامة في هذه الرحلة برفقة الأستاذ والمربي والمعلم الولي المرشد، ومن خلالهما نستطيع أن نهدأ ونتواصل في إصلاح صفاتنا السيئة في أعماق نفوسنا، أن التأمل يساعدنا على التخلص من الضغوط اليومية ويركز أفكارنا على ما هو مهم وجوهري  وأن التفكر يمنحنا الفهم والوضوح ويقودنا نحو اكتشاف الحقائق العميقة.

أن النتيجة النهائية لرحلة الروح في منهج التربية الروحية والسلوك في الطريقة العلية القادرية  الكسنزانية، هو للحصول على الطمأنينة (الا بذكر الله تطمئن القلوب) والسلام الداخلي، وذلك السلام الذي ينبع من معرفة الذات الحقيقية والتواصل العميق مع الكون. وهو ذلك الشعور بالرضا والامتنان الذي يملأ قلوبنا وعقولنا. وان الفناء في الذات الالهية والحب الحقيقي يبدء من رفقة الأستاذ والفناء فيه، ومن ثم الفناء في الرسول الأعظم سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، حتى يصل المريد إلى أعلى المراتب عند الله سبحانه وتعالى، وهو الهدف الأسمى الذي نسعى إليه جميعًا في هذه الرحلة الرائعة.

خاتمة

أن رحلة الروح هي دعوة لكل إنسان للبحث عن ذاته الحقيقية وتحقيق التغيير الداخلي، وهي رحلة شجاعة تتطلب منا مواجهة أنفسنا بصدق، لكنها تحمل في طياتها أعظم المكافآت، فلنبدأ هذه الرحلة اليوم، ولنكن على يقين أن الطريق نحو الذات الحقيقية هو الطريق نحو السلام والسعادة في الدنياوالآخرة، وصلى الله على سيدنا محمد الوصف والوحي والرسالة والحكمة وعلى آله وصحبه وسلم تسليما  ...