نوري المالكي.. الفرصة الأخيرة
حسين الفلوجي
يقف العراق اليوم على مفترق طرق، حيث تتراكم التحديات وتتفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي هزت كيان الدولة منذ عام 2003. في هذا السياق الحساس، يتطلب الأمر من جميع القوى السياسية، وفي مقدمتها جيل الآباء المؤسسين، تحمل مسؤولياتهم التاريخية واتخاذ قرارات جريئة تساهم في إنقاذ البلاد من مأزقها الراهن.
وعلى رأس هذه الشخصيات يأتي نوري المالكي، الذي لعب دورًا محوريًا في قيادة العراق خلال مرحلة ما بعد سقوط النظام السابق، إلا أن فترة حكمه، وخاصة خلال توليه رئاسة الوزراء، كانت من أكثر الفترات اضطرابًا في تاريخ العراق الحديث.
ما نحن فيه اليوم، لسنا في وارد إلقاء اللوم أو استرجاع أخطاء الماضي، بل نعيش لحظة حاسمة تتطلب إعادة النظر في كل ما سارت عليه العملية السياسية. يبقى العراق بحاجة إلى قيادة قادرة على جمع القوى السياسية المتنوعة وتعزيز الوحدة الوطنية في مواجهة التحديات المتزايدة. إن إعادة بناء الثقة بين مكونات الشعب العراقي وإصلاح العملية السياسية المتعثرة يتطلب من الجميع تقديم رؤية سياسية جريئة وشاملة، تقوم على نبذ الخلافات الفئوية وتجاوز المصالح الضيقة التي أضعفت الدولة.
وهنا تكمن الفرصة التاريخية أمام نوري المالكي وجيل الآباء المؤسسين لإعادة بناء الائتلافات السياسية على أسس من التوافق الوطني والمصلحة العامة. نوري المالكي، الذي كانت توجه له الانتقادات واللوم لما آلت إليه العملية السياسية، لا يزال يمتلك نفوذًا سياسيًا واسعًا وخبرة طويلة في المشهد السياسي، وهو مدعو اليوم لأن يكون في مقدمة جيل الآباء المؤسسين لقيادة مشروع سياسي وطني جديد، يرتكز على بناء ائتلافين اثنين واسعين يشملان مختلف المكونات العراقية، قائمين على المنافسة وقوة البرامج. لذلك، نعتقد أن هذه الفرصة الأخيرة قد تكون حاسمة في تحديد مسار العراق السياسي لعقود قادمة، حيث أن تشكيل تحالفين وطنيين متوازنين وقويين هو المفتاح لاستعادة الثقة بين القوى السياسية، وإعادة صياغة العقد الاجتماعي والسياسي الذي يحكم البلاد.
على المالكي وجيل الآباء المؤسسين اليوم أن يتجاوزوا حسابات الماضي، وأن يخرجوا أنفسهم وائتلافاتهم من المحيط الطائفي إلى الفضاء الوطني الإصلاحي، متبنين رؤية جديدة تتماشى مع متطلبات المرحلة الراهنة.
العراق بحاجة إلى قيادة مسؤولة تضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار، وتعمل بجدية لإعادة بناء الدولة على أسس العدالة والمساواة والوحدة الوطنية.
الأزمات التي مر بها العراق ليست نهاية المطاف، بل يمكن أن تكون نقطة انطلاق نحو مستقبل أكثر استقرارًا وقوة، شريطة أن تأخذ القوى السياسية، وعلى رأسها نوري المالكي، زمام المبادرة لإصلاح العملية السياسية وإعادة العراق إلى مساره الصحيح.
ختامًا، وللتذكير، المالكي وجيل الآباء المؤسسين أمام مسؤولية وطنية ثقيلة لا يمكن التهرب منها أو تجاهلها. فإما أن تكون لديهم الشجاعة والقيادة الحكيمة لاتخاذ خطوات جريئة في الإصلاح والتغيير الحقيقي، أو أنهم سيتركون العراق يغرق أكثر في أزماته.
إما إصلاحات حقيقية وجذرية تنقذ البلاد، أو أن لعنة التاريخ ستظل تلاحقكم إلى الأبد، حيث سيُذكر تقاعسكم كأحد الأسباب الأساسية لتدهور العراق. التاريخ لا يرحم، والشعب لن ينسى، فإما أن تتحملوا المسؤولية بكل جدية الآن، أو أن تواجهوا إرثًا من الفشل والندم.
سياسي مستقل