شيء من تراث المقاهي الشعبية
كمال جاسم العزاوي
تكمن أهمية التراث الشعبي في أنه يمثل صلة الوصل وجسور الترابط بين الأجيال رغم التغيير الذي يطرأ على ملامحه بمرور الزمن وتعاقب الفصول ومن أوجه ذلك التراث المهمة (المقاهي الشعبية) التي ذكرت قي كتب التاريخ بنهاية القرن الخامس عشر كمثابة لتجمع وجوه المجتمع وأتباعهم للتشاور والتحدث بمصالح المدينة وأهلها وتزايدت أعداد تلك المقاهي مع النمو السكاني لتصل مع بدايات القرن العشرين الى بضع مئات في مركز العاصمة بغداد وحدها ومقالتنا اليوم تبحث في نشأة هذه المقاهي وتطورها وماطرأ عليها اليوم من تغيير في هيئتها ومهامها والمسميات والمصطلحات التي تدور على ألسن مرتاديها كانت مهام المقاهي تنحصر في اللقاءات والتداول في الشؤون العامة بينما احتضنت لاحقاً الحالات الخاصة من الناس كأصحاب العاهات والصم والبكم في مقاهي خاصة بهم لا يشاركهم فيها أحد من الناس العاديين بينما شهدت مقاهي اخرى تضمين ركن خاص للرقص والغناء وفقرات الترفيه الاخرى كعرض شخصية الأراجوز (القره قوز) التي أحبها الصغار والكبار على حد سواء
ركن الحكواتي
غالباً ما تتشابه أوجه التراث وشخوصة والعادات الاجتماعية في البلدان العربية وما يميز المقاهي في مطلع القرن العشرين ظهور مهمة (الحكواتي) الذي يسرد الأخبار وما خطته أيدي المؤرخين والمؤلفين للقصص الشعبي وقد كانت تحضى شخصية الحكواتي بتقدير واهتمام عامة الناس كونها نافذة مهمة متاحة للتواصل مع المجتمعات الاخرى من خلال نقل الأخبار وما يستجد منها وسرد القصص والبطولات التي تستهوي الكثير من الناس في ذاك الزمن
مقاهي الصنف
منذ زمن ليس بالبعيد اجتذبت بعض المقاهي أصحاب المهن الحرة والأعمال اليدوية كمثابة للقاء اليومي والتعريف بأصول تلك المهن وكذلك عقد اتفاقات تنفيذ أعمال البناء وتفاصيلها (القونطرات) مع أصحاب الدور والزبائن الراغبين باستخدام الأيدي العاملة و(الخلفات) ولم يقتصر الأمر على مهن الانشاء والترميم فقد كان للمهن الاخرى نصيب ضمن هذا التصنيف ومنتديات خاصة عرفت فيما بعد بمقاهي الصنف ملتقى الأدب والفن : احتضنت المقاهي رواد الأدب والفنون من أربعينات القرن الماضي شعراً وغناءً وصحافةً وكان أصحاب تلك المقاهي مثقفون وفنانون وقد انتعش المقام العراقي وحافظ على اسسه وديمومته على أرائك تلك المقاهي كمقهى عزاوي ومقهى الشابندر ومقهى الزهاوي وكان الشعر حاضراً بقوة بدواوينه وشخوصه المعروفة حتى فترة الستينات من القرن المنصرم فالسياب والرصافي و البياتي وعبد الرزاق عبد الواحد والعديد من رموز الشعر كانت بداياتهم وجولاتهم الشعرية تنطلق من هنا بينما كانت الصحف اليومية كجريدة الزوراء توزع هنا للقراءة وتثقيف المجتمع أندية الساسة : كانت بعض المقاهي كمقرات اقامة للشخصيات والأحزاب السياسية ومنطلقاً للتظاهرات والانشطة السياسية لمعارضي ومنتقدي عمل الحكومات ومن الشخصيات التي نشطت في هذا المجال السياسي المعروف ياسين الهاشمي و حكمت سليمان وغيرهم من قادة انقلاب بكر صدقي في العراق عام 1963
كافيهات ومنتديات
تغيرت الأسماء والأماكن وكل الأشياء التي تتداول داخل الصالات وحتى المرتادين فتحول اسم المقهى الى (كافييه) ومشروبات الشاي والحامض والبارد الى (نسكافيه) و(كبتشينو) و (امريكانو) وحلت خدمة الانترنيت محل الراديو والتلفزيون وحلت أجهزة التسخين الفوري الحديثة محل (القوري) و(السماور) واحتلت (الشيشة الألكترونية) مكانة كبيرة كبيرة لدى شباب اليوم بدل الأرجيلة الكلاسيكية بينما قل أو تلاشى وجود كبار السن على أرائك هذه الكافيهات مفضلين الانزواء في مقاهي كلاسيكية تضائلت أعدادها بمرور الزمن وتغير مسار الحياة