زلزال الفكر ومؤشّرات الدولة الكردية
هادي غلام
زلزال الفكر هل يؤدي إلى تخلٌ الكرد عن حلم الاجداد لتأسيس الدولة الكردية؟...انا بدوري اجيب على هذا السؤال الخطير واقول نعم هناك مؤشرات تنذر بمجيء هذا اليوم عاجلا ام اجلا ....
إن زلزال الفكر ظاهرة تختلفة كليا عن الزلازل الطبيعية التي تقاس بمقياس ريختر. ويمكن مشاهدة الكوارث التي تخلفها اما زلزال الفكر فلايمكن مشاهدته بالعين ولاتشعر به الأبدان ولايمكن تصوير الكوارث التي يخلفه . وربما يمكن التعرف عليه فقط من خلال قراءة ومتابعة الأحدا ث لفترة زمنية وتحليلها ودراستها بالعقل والمنطق . او قد تكون هناك حاسة معينة غير معروفة في الإنسان تساعده في استنباط الحقيقة من خلال سياق الأحداث . على كل حال من خلال متابعتي المتواضعة للأحداث وتفاعلي اليومي مع الناس يبدو لي أن منظومة الفكر السياسي الايديولوجي أصيبت باهتزازات عنيفة جدا لو كان بإمكان تطبيق مقياس ريختر عليها لكان بامكاني ان اقول ان الاهتزازات تجاوزت العشرة ريختر اي بمعنى اعلان الكارثة .اهتزاز عنيفة أدت إلى تشقق وتفكك الأطراف التقليدية ... ... زلزال الفكر ظاهرة مختلفة تماماً عن الزلزال الطبيعي الذي يُقاس بدرجات الريختر، ويمكن مشاهدة الكوارث التي خلفها وحساب آثارها وأبعادها بسهولة، ولكن زلزال الفكر شيء آخر يتوقعه المتابع ويكتشفه ربما عن طريق الصدفة أو خلال حاسة معينة لا يمكن تفسيرها… على كل حال، من خلال متابعتي وقراءتي المتواضعة للأحداث وربطها بالتجارب التي عشتها ولا زلت أعيشها، يبدو لي أن المنظومات الفكرية الأيديولوجية أصيبت باهتزازات شديدة أدت إلى تشقق وتفكك الأطر التقليدية للفكر وسقوط الثوابت الأيديولوجية الاشتراكية والقومية والدينية والاجتماعية... وهذه الاهتزازات إن لم تكن نهاية لعصر الأيديولوجيات فإنها خريف عاصف ينذر بقرب النهاية.
إذا كان القرن الثامن عشر والتاسع عشر ربيع الأيديولوجيات وولادة الأحزاب على أُسس نظرية وفلسفية وثوابت قومية واجتماعية، فإن القرن العشرين والحروب الأيديولوجية وخاصة الحرب العالمية الثانية قد عصفت بهذه القاعدة ووفرت الأرضية لتوديع عصر الأيديولوجيات، عصر الجمود والانغلاق...
لست هنا لأدعي أنني اكتشفت شيئا جديدا ولكن يسرني جدا أن اطرح عليكم احد المواضيع المثيرة للجدل الا وهو بنظري، موضوع اعلان دخولنا عصر اللاايديولوجيا .
نهاية الايديولوجيا
إن مفهوم «نهـــــــــاية الأيديولوجيا» هو من أكثر المواضيع التي نوقشت من قبل عالم الاجتماع الأمريكي دانييل بيل في كتابه الصادر عام 1960 بعنوان «نهاية الأيديولوجية».
حيث يعتقد بيل أن الحركات الأيديولوجية الرئيسية في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين فقدت قدرتها على الإلهام، وأن العالم الغربي دخل عصراً أصبحت فيه المناهج البراغماتية هي المهيمنة في السياسة.
بالإضافة إلى دانييل بيل، ناقش العديد من المفكرين والعلماء الآخرين مفهوم «نهاية الأيديولوجية»، منهم:
- سيمور مارتن، عالم اجتماع سياسي أمريكي، كتب على نطاق واسع عن مفهوم «نهاية الأيديولوجية» وخاصة في مؤلفه عام 1960 «الرجل السياسي»، وقد وافق على طروحات بيل بأن الحماسة الأيديولوجية في انحدار لصالح مناهج أكثر براغماتية وتكنوقراطية في الديمقراطية الغربيةية.
- وكذلك العالم ريمون آرون، عالم اجتماع ومعلق فرنسي، في كتابه عام 1955 يعتبر الأيديولوجية «أفيون المثقفين»، وانتقد جمودد المثقفين بسبب الأيديولوجية وجادل من أجل نهج أكثر واقعية للسياسةسة.
- - فوكوياما في كتابه «نهاية التاريخ والإنسان الأخير» يعتقد أنه مع نهاية الحرب الباردة ظهرت الديمقراطية الليبرالية كشكل نهائي للحكم، مما يشير إلى نهاية التاريخ من الناحية الأيديولوجية.
لم يتطرق العرب إلى موضوع نهاية عصر الأيديولوجية بشكل مباشر، بل ناقش بعض المفكرين القضايا الفكرية بشكل يشير إلى تراجع الحماس الأيديولوجيجي.
محمد عابد الجابري كان مهتماً بنقد العقل العربي وتحليل الأيديولوجيات العربية القومية والاشتراكية والإسلام السياسيياسي.
ويعتقد عبد الله العروي، أن هناك تحولاً من هذه الأيديولوجيات أو ابتعاداً عنها نتيجة للتحديات التي واجهتها ، منها الناصرية والبعثية والاشتراكية والاسلامية . دعني أشير هنا إلى أن الأيديولوجيات القومية العربية التي كانت سائدة في النصف الثاني من القرن العشرين وحتى نهاية القرن، كانت تحرم وتخون العلاقات مع إسرائيل، وأُغتيل الرئيس انور السادات بعد توقيعه على اتفاقية السلام مع إسرائيل، ولكن التحولات الأخيرة تشير إلى ابتعاد العرب عن هذا الجمود الفكري والأيديولوجي، وأصبح الكثير منهم يعلنون عن نواياهم ليس في عقد اتفاق وإقامة علاقات فقط بل والتحالف مع إسرائيل سواء كان اقتصادياً أو تجارياً أو أمنياًاً...
هذا التحول بدون شك يثبت أن تأثير تلك الأيديولوجيات انتهى، والمنطقة العربية أيضاً مقبلة على سياسة أكثر براغماتية وتكــــــــــنوقراطية، وأن الثوابت الأيديولوجية والقيم الوهمية انهارت أو على وشك الانهيار.
ينطبق هذا المفهوم على الواقع العراقي بشقيه العربي والكردي أيضاً، حيث أن معظم الأحزاب والحركات السياسية نشأت على أيديولوجيات قومية واشتراكية ودينية، وواجهت نفس التحديات التي أدت إلى تراجع التعاطف والحماس نحو هذه الأيديولوجيات وأصبحت الأحزاب التي تبنت تلك الأيديولوجيات أكثر براغماتية وواقعية.
وأود هنا أن أشير إلى التحالف الذي حصل بين الحزب الشيوعي العراقي والتيار الصدري في انتخابات 2018 داخل تحالف «سائرون»، وكان الإعلان عن التحالف بمثابة صدمة للكثيرين للاختلاف الكبير بين الحزبين من الناحية الأيديولوجية
زلزال فكري
إن الساحة الكردية في العراق لم تكن بمنأى عن تلك الاهتزازات والزلازل الفكري بل واجهت اشد واعنف انواع تلك التحديات و اعتقدانها اثرت بشكل كبير على الحماس الايديولوجي وتراجعت المشاعر المرتبطة بالايديولوجيا القومية واصبحت قيادات الاحزاب تميل الى نهج سياسي اكثر براغماتية .تحديات المواجهة مع دول الجوار وعدم رغبة الغرب الديمقراطي في توريط نفسها في قضية شائكة مثل القضية الكردية وافشال الاستفتاء عام 2017 كانت من اقسى تلك الاهتزازات التي ضربت الايديولوجية القومية الكردية .، حيث انعكست على الاتحاد الوطني الكردستاني تدريجيا وادت الى ظهور قيادة شابة من واقع جديد لها الرغبة في ترك الماضي وتجديد رؤيا ونهج الحزب ا لى حزب ليبرالي براغماتي يتعامل مع الأحداث بواقعية بعيداً عن الجمود العقائدي والأيديولوجي، ويتعامل مع الممكن وليس الحلم .لقد وجد الكرد أنفسهم محاصرين من كل الجهات بسبب حلم الاجداد حتى الغرب الذي كان الكرد يعتقدون انه يقف معهم أعطى الموافقة على إفشاء نتيجة الاستفتاء وطرد الكرد من كركوك .
لقد ساعد الامريكان بغداد للسيطرة على جميع موارد الإقليم وقطع لقمة العيش من العوائل الكردية التي وقفت معها ضد تنظيم داعش ...عشرات الالاف من خيرة مقاتلي البيشمرگه الذين كانت تهابهم جيوش البعث ينتظرون رواتب الشهور الماضية لاطعام أطفالهم ولايهمهم تأسيس الدولة بعد اليوم ....قد يعتبر البعض هذا الكلام قاسيا جدا ولكن لابد أن يقال الحقيقة ..
تراجع الحماس القومي داخل جميع الأحزاب الكردستانية، وما حدث بعد الاستفتاء في عام 2017 أثر بشكل كبير على المعتقدات القومية وأصبح الكثيرون يراجعون واقعية حلم تشكيل الدولة الكردية في ظل التحديات التي تحيط بهذا الحلم. انهيار الأيديولوجيات والتغييرات المتسارعة على الساحة العالمية من الناحية الاجتماعية والفكرية قد يؤثر على أفكار الجيل الجديد في كردستان العراق، وقد نشهد تخل
المثقفين الشباب عن حلم تأسيس الدولة والبحث عن أشكال سياسية جديدة للتعايش مع الواقع.