الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
نظرية المؤامرة داخل الوعي الثقافي العربي

بواسطة azzaman

نظرية المؤامرة داخل الوعي الثقافي العربي

عبد الرحمن الشيخ

 

ان من ينظر الى الثقافة العربية يمكن له ان يرى بوضوح ان هنالك ثلاثة تيارات اساسية تتمحور حولها الثقافة العربية.

 هذه التيارات قام بصيغتها المفكرين العرب الذين انشغلوا بالتجديد في افكارهم التي طرحوها منذ القرن التاسع عشر وتصور كل منهم ان الزمن الثقافي العربي ومساراتة وتفاعلاتة الممكنة مع الاخرين يمكن ان تقدم شيئا في عالمنا المعاصر من خلال ساحة المنافسة الاستراتيجيهة السياسية والتاريخية الحضارية التي تخلق وترتب  انتصارات وهزائم.

موضع مثالي

وعندما ندرس تلك التيارات نجد اولها:-

-التيار الذي يتسم بالحداثة والذي يضع الغرب في موضع مثالي ويقبل به ملهما لجميع الممارسات ويعطي الغرب حق الرقابةعلى سلوكيات العرب السياسية وينزع اليه تقويم الواقع السياسي بمعايير وقيم يضعها ذلك التياروالذي ينظر العرب بنظره تقديسية للغرب.

 وينصرف ذلك التقديس الى فكر المثقف الغربي الذي صار دائما داعية للحريةوالانسانية والعقلانية.

وقد ينطوي ذلك الامر على مفارقات مذهلة فالكاتب (فولتير) هو احد انبياء الحرية ورائد التنوير الاوروبي والنمطية الثقافية الغربية ويردد دوما مقولتة الشهيرة والرائجة عن استعداده لدفع حياته ثمنا لحرية مخالفةفي رايه وهو نفسه صاحب كتاب الملك الشمس الذي يقدس فيه بولع ملك فرنسا لويس الرابع عشر والذي يعتبر من اهم نماذج الاستبداد الاوروبي في العصر الحديث وصاحب مقولة (انا الدولة) والذي يذكرنا بمديح الشاعر العربي الكبير ابا الطيب المتنبي لسيف الدولة الحمداني.

و لدى هذا التيار يصبح الغرب الية لتصحيح الاوضاع المختلة وهي الية  موجودةاحيانا بيننا ومؤثرة فينا دوما وهي حاضرةفي الذهن وقابعة في الخيال.

 ويحسب حسابها وتدرس احتمالات ردود افعالها من قبل القائمين بالفعل ذاته وقبل ان يفعلها ايضا كما تقدم نصائح ومكاشفات تكون حاضرةوشاهدة فهي تلوم هنا وتعتب هناك ومن اوضح الامثلة على ذلك احتلال العراق الذي صار حلا امريكيا سحريا لتحقيق الديمقراطية كطريق للخلاص من المحنة وان جاءت في ركاب الاحتلال الذي يبدو كالموت الرحيم خلاصا من الم الاستبداد وفق مفكري هذا التيار .

وهوالتيارالذي يثق في الغرب عميقا وبشكل يتعالى على التاريخ وينفي عن نفسه اي شبهة للتامر والتحيز ضد الشعوب العربية وفي عرفه فان خطاب المؤامرةليس الا انتاجا لذهنيةمغلقةتستحضر الاوهام وتثير السخرية في ادراكها الاسطوري للعالم الذي لا يقبل ادراكة الموضوعي بمجرد التقسيمات النمطية بين الغرب والعرب حيث ان الغرب ما هو الا دولا وطنية وكتلا قومية لها مصالحها السياسيةوصراعاتها الاستراتيجية لذا فهو ليس موحدا سياسيا وان ظل متجانسا ثقافيا ونعتقد ان هذا التيار يصرف في التعالي على فكرةرائجة في الثقافة السياسية تستحق الاهتمام والمناقشة حيث انه يتعامى عن تاريخ ثقافي وسياسي فيه الكثير من المواقف والتفاعلات التي توضح التحيز الغربي ضد القضايا بل والوجود العربي ايضا وهذا التيار يحاول فرض تصور مثالي عن مسيرة ثقافية وتجربة انسانية تحكمها الى درجه كبيرة من الانانيةبعض منتجيها حيث لا اخطاء ولا مصالح وانما مثاليةواضحة جدا

- التيار الاخر فهو التيار السلفي وهذا التيار الذي يتجلى فيه الغرب شيطانا متامرا ويرفض تحويل الذات الغربية الى ملهم للذات العربية لوجود تناقض اساسي في رؤية كل منهما لوجوده رقيبا  على الممارسات السياسية للعرب ويحمل هذا الفكر ما يسمى السلفية  التي تنحاز الى المكونات الاولى والقوالب القديمة حتى لو بدت متناقضة مع قيم تاريخيةحيوية وبناءات فاعلة في الوقت الحاضر .

هذه الرؤيةالسلفية لا تعترف بالعلم الحديث حيث النصوص الدينية هي الاقدر على التفسير الصادق للوجود كله لذا فانها تقوم على فهم مختل لعلاقة الطبيعة بالوجود الشامل والذي يرجع في اعتقادنا الى غياب مفهوم السببية لدى هذا التيار.

 فهو اسير لبنية الثقافة الاسلامية التي صيغت في العصر الوسيط حيث يؤدي غياب السببية الى الغاء العلاقة الديناميكية والمباشرة بين العلة والمعلول .

وهنالك تفسيرات خرافية تقود قوه المفارقة في مستوى الوعي الشعبي حيث يفسر تفسيرا سحريا خرافيا تماما من قبيل الجان والعفاريت ويمكن ان يذهب بنا الى السعلاة لذى  فانها تتحول الى مستوى ثقافي ارقى نوعا ما يحوز اصحابه على مؤهلات تعليمية وتدريبات عملية ومهارات ادارية او خبرات اخرى دون التاسيس على منهجية علمية واضحة

-التيار الثالث الذي يعتبر وسطا بين الغربي والسلفية الذي ربما كان احد روافد الهامه الثقافي وضع الغرب رقيبا على الممارسات السياسية فهو حلقه وسطى في تفاعلاتة الداخلية ليس فقط لانه يجوز له ان يرى هواجسا ازاء الغرب كمنافس استراتيجي وليس كشيطان تاريخي لغرض امتلاك زمام الحضاره الانسانيةوالذي تدفعه الى عدم الثقة به كاملا . وانما لانه يدرك طبيعة الاختلاف بين الكثير من الثقافات العربية والغربية في جذورها على مستوى الرؤية الوجودية وامكانية التوفيق بين الاصعدة العملية كانماط الانتاج الاقتصادي والتنظيم الاجتماعي والممارسه السياسية .

فهو يصوغ رؤية ثقافيةمتوازنة ازاء الغرب لا تنحرف الى الملائكية او الشيطانية  بل سعى لصياغة تقاليد الكلاسيكية الاخلاقية والمعرفية عبر مسيرةطويلة وصلت ذروتها في القرن العشرين .

رؤية ثقافية

فالغرب لم يكن بمأمن  عن التناقضات التي تجاوز اغلبها ولكنه وقع في اسر بعضها.

 مما حال دون تقدمه بمثالية اخلاقية على تلك الرؤية الثقافية المتوازنة.

 يؤسس هذا التيار رؤية للتاريخ تتمتع بالتوازن نفسه مثل ما يمكن ان نطلق عليها الواقعية التاريخيه والتي تؤمن بان العالم العربي الاسلامي الذي كان في اوج عطائه في العصر الوسيط في نهايه المرحله الاولى تقريبا قد بدا رحلة تراجعه ضمن دورة التراجع التاريخي للحضارة الاسلامية بمطلع العصر الحديث .

وشهد ذروةضعفةمع تالق الحداثةالاوروبية منذ القرن التاسع عشر وحتى الان حيث اتسمت تقدم الاوروبي بالاستمرارية والتخلف العربي بالاستمرارية ذاتها.

 وهنالك تحولات انقلابية في بنية القوى العالمية منذ قرنين على الاقل الا في داخل تجاوز في الغرب نفسه وطبيعة الاشياء وسنن الكون تقول ان الاقوى في التاريخ هو الاقدر على صياغة القواعد الامرة والقوانين المنظمة فوجد العرب انفسهم محكومين بقواعد من قبيل الانتداب والوصاية والحماية ومؤسسات على منوال عصبة الامم والامم المتحدة والحرب الباردة وتوازنات الرعب النووي والنظام العالمي الجديد وقد تحملت جغرافية الوطن العربي  في هذا الزمن اعباء عجز تاريخها واحتلالا وتمزقا امام الغرب .

 فيرفض هذا التيار القول التبسيطي للمؤامرة الغربيةعلى العرب بالذات.

 لان الغرب وهيمنته مؤكدة.

و لم يكن لينجح وهنالك قوه كبرى في العالم خارجه حتى وان لم تكن في الجغرافيا العربية ومن ثم فانه لا يقبل بخطاب المؤامرة الذي يحيلها نموذجا تفسيريا كاملا لعالم السياسي في اداء تفاصيلة ولا يتعالى تماما عليه لانه يستشعر تحيزات الغرب ضد الوجود العربي في مواقف تاريخية عديدة

مما يقودنا الى مؤامرة مستمرة في التاريخ من الغرب المسيحي حيث ان قادتة وزعمائة يقومون بحياكتها في ظلمة الليل لاجل تنفيذها في نهار اليوم التالي ضد العرب والمسلمين بالذات. والتي تضغط باتجاه ان القرارات و الممارسات الغربية تحارب  العالم العربي والمسلمين نظرا لتاريخهم الحضاري موقعهم الستراتيجي الذي جعلهم دوما منافسين حقيقيين الغرب وبالاحرى القوة الوحيدةالتي تمكنت من وضعه داخل حدوده واحكام السيطرة عليه لعدة قرون فاستبطن هذا التيار ذهنية التحيز والمؤامرة كما شرحها التيار السلفي.

 لذا يجب القول ان نظرية المؤامرة يجب ان تدرس بطريقة توفيقية بين كون الغرب لا شيطان ولا ملاك.

  استاذ القانون الخاص  كلية القانون والعلوم السياسية جامعة ديالى


مشاهدات 126
الكاتب عبد الرحمن الشيخ
أضيف 2024/09/03 - 11:08 PM
آخر تحديث 2024/09/13 - 6:17 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 5 الشهر 5698 الكلي 9994320
الوقت الآن
الأحد 2024/9/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير