عاشر من يسعدك
منير حداد
قال الرسول محمد.. صلى الله عليه وآله “إياكم والدغل” عطفاً على حديثه الشريف “إياكم وغائلة الأعين” والدغل قرين الغيلة، كلاهما.. حيث ما وضعتهما في سياق لغوي، يؤديان الى نبذ المراءاة.. سواء في الدين أو الحب أو العمل أو السفر أو الإقامة أو... فثمة من يجيدون فن التمظهر بالتقوى أو الإخلاص أو الرفقة أو الحضور أو... وهم فاسقون منافقون أنانيون غادرون... لكن كما قلت: يجيدون فن المراءاة!
وبتلك الإجادة يساعدهم الشيطان في إغوائنا لنخسر مواقف مفصلية، تصل حد الإنثلام في جرف سعادتنا، مفرطين بمن يحبنا كالأم التي تنازعت مع ضرتها أمام سليمان، وعندما أراد قطعه بينهما.. نصفان، وافقت الضرة، وآثرت الأم بقاءه حياً حتى لو بين يدي عدوتها.. أسيراً “بالعربان ولا في التربان”.
المهم أن نعيش وهم سعادة، حتى لو بعيداً عنهم، بينما المخادع.. ينغص حياتنا ونحن.. واهمون.. ننشد إليه لأنه يعرف كيف يشوقنا لفنون عذابه... إنهم محترفو خداع.
بالمقابل.. نظن نفسنا طائرون محلقين في فضاءات السعادة، بمجرد سماع جناحين يصطفقان في الهباء.
نصحو من غوائل المرائين الأدعياء؛ فنجد من يودنا بصدق حميم، رهن الإشارة؛ لأن من يحب لا يكره، مهما أبعدناه يقترب، ولا يحتكم للكرامة.. فالحب خريطة صماء لا تؤشَّر بعلامات المجتمع التقليدية.. كرامة وإحترام الذات وسوابق ولواحق و... ما إليها من صفات تنطبق على كل شؤون الحياة، ما عدا الحب! إنه تفانٍ مطلق لا نسبية فيه.
نعود إليهم مدركين فضل وجودهم في حياتنا، عارفين قدرهم بعد أن خضنا التجربة مع غيرهم، فنجدهم ما زالوا ينذرون أنفسهم لسعادتنا، حتى لو بإقصائهم؛ فأية تضحية وتفان ونكران ذات و... ألم يطحن وجداننا ندماً على ما فرط من تقريب مخادع وإقصاء مخلص...
نصحو متأخرين خير من أن نغفو أبد الآبدين؛ ناذرين المتبقي من أعمارنا لمعاشرة من يسعدنا والإبتعاد عمن ينغص حياتنا.