الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عن الحواجز العلميّة الزائفة بين القرآن والقاريء

بواسطة azzaman

عن الحواجز العلميّة الزائفة بين القرآن والقاريء

محمد عبد الجبار الشبوط

 

اولا، الكاتب والجمهور

في عالم الكتابة والتأليف، تتباين الأساليب والمناهج المتبعة من كاتبٍ لآخر. رغم ذلك، هناك فكرة محورية تبرز من حين لآخر، وهي رغبة الكاتب في تحقيق أعمق تواصل مع جمهوره المستهدف. ففي الوقت الذي يعمد البعض للكتابة بأسلوب معقد مليء بالمصطلحات العلمية والفكرية، ينحو آخرون نحو تبسيط الأفكار لضمان إيصال الرسالة بأوضح صورة ممكنة.

# النص السردي والفكرة الجوهرية

قلت في منشور سابق:»أنا لا أدعو الناس في كتاباتي إلى الإسلام، فهم مسلمون، ولكني أكره أن يضع بعض الكتاب حواجز 'فكرية' أو 'علمية' زائفة بينه وبينهم.»تستند هذه الفكرة إلى محورين أساسيين:

1. **الجمهور المستهدف:** فانا هنا يخاطب جمهورًا مسلمًا، لذا فليس الهدف هو دعوته للدين من جديد، بل بناء جسر من التواصل يمكن من خلاله تبادل الأفكار والرؤى.

2. **الحواجز الفكرية والعلمية الزائفة:** تتعلق باستخدام مصطلحات وموضوعات معقدة تُصعب على القارئ فهم الرسالة بسهولة، وهو ما يعتبر قيدًا لا داعي له.

# دلالات الفكرة وأهميتها

1. **التواصل الفعال والبسيط:** إن تبسيط الأفكار والتعبير عنها بلغة يفهمها الجميع يعزز من فاعلية التواصل. الهدف هو تحقيق أكبر تأثير بأقل تعقيد، بحيث تصل الفكرة بوضوح وسلاسة إلى ذهن القارئ.

2. **الثقة والرفق بالجمهور:** تجنب التعقيدات الزائدة يُظهر الثقة في قدرة الجمهور على الفهم واستيعاب الأفكار المبسطة دون الحاجة إلى تعقيد الأمور. إنه يعكس أيضًا احترام الكاتب لجمهوره ورغبته في التواصل معه بصدق وشفافية.

3. **تجنب النخبوية:** بعض الكتاب قد يستخدمون لغة معقدة ليظهروا بمظهر النخبة المتعالية، مما قد يخلق فجوة بينهم وبين جمهورهم. حذف هذه الحواجز يمكن أن يؤدي إلى تبادل معرفي أكثر فاعلية ونقاشات أعمق.

4. **التركيز على الجوهر:** عندما يتجنب الكاتب التعقيدات، يُمكنه التركيز على جوهر الأفكار والرسائل التي يريد إيصالها، مما يجعل الكتابة أكثر تأثيرًا وأهمية.

خلاصة

تكمن قوة الكتابة في بساطتها ووضوحها، وخاصة عندما يكون الجمهور المستهدف على علم مسبق بموضوع النقاش الرئيسي. لذلك، فإن تجنب الحواجز الفكرية والعلمية الزائفة يساعد في تعزيز التواصل الفعال، وبناء جسر من التفاهم والثقة بين الكاتب وقارئه.إن الكتابة الجيدة ليست في تعقيد الكلمات، بل في قدرة الكاتب على إيصال فكرته بأبسط وأسهل طريقة ممكنة، مما يحفظ للكتابة قيمتها وفرادتها في عالم مزدحم بالأصوات والرسائل.

ثانيا، العلم والقرآن: اتحاد وليس تصادم

في العديد من الأوقات، قد نجد بعض الكتاب الذين يعرضون معلومات علمية ويزعمون بأنها تتعارض مع القرآن. هذه المواقف يمكن أن تخلق حاجزاً زائفاً بين القراء وبين القرآن، ولكن عند الفحص الدقيق والإمعان نجد أن هذه المعلومات لا تتعارض مع الكتاب الكريم. بل يمكن تقديم تفسيرات قرآنية تتوافق وتناغم مع المعلومات العلمية الموثوقة.

الفهم السياقي للآيات

القرآن الكريم يحتوي على آيات تتعلق بالعلم والطبيعة، ولكن يجب أن نقرأها في سياقها المناسب. في بعض الأحيان، تكون الآيات توجيهية وتحتوي على رموز تحتاج لتفسيرات متأنية مع الوضع في الاعتبار المراحل الزمنية والتطور العلمي. هذا يعني أن التفسيرات القديمة قد تكون متأثرة بالمستوى العلمي في تلك الحقبة الزمنية، مما قد يتطلب تجديد الفهم بما يتناسب مع الاكتشافات العلمية الحديثة.

التفسيرات المتعددة

القرآن غني بالمعاني والتفسيرات المتعددة، ويجب أن نكون على علم بأن التفسيرات تتنوع مع تغير الزمن والمكان. العلماء المسلمون قديماً وحديثاً لديهم طرق مختلفة في تفسير الآيات المتعلقة بالعلم. مثلًا، مفهوم خلق الشمس والقمر قد يتنوع بين تفسير يوضح النظام الكوني الدقيق الذي تعرفه البشرية اليوم وتفسير رمزي يعبر عن قدرة الله المطلقة على خلق الكون.

العلم التراكمي

العلم بطبيعته تراكمي ويتطور مع الوقت. ما قد لا يكون مفهوماً في السابق قد يصبح واضحاً عند تقدم العلم. وعلى نفس النهج، يمكن أن تكون هناك آيات قرآنية يمكن تفسيرها بطرق جديدة متوافقة مع متن العلم الحديث. هذا التوافق لا يعني بالضرورة أن القرآن يتطلب تعديلًا بل هو تأكيد على أن هناك مجالاً واسعًا لفهم الآيات بطرق متعددة.

# الأمثلة الواقعية

على سبيل المثال، إحدى الآيات تقول: «وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب» (النمل: 88). قد يراها البعض كناية عن أن الجبال لا تتحرك، ولكن العلم الحديث يكشف أن الجبال تتحرك ببطء نتيجة حركة الصفائح التكتونية. هذه الاكتشافات تجعلنا ندرك أن القرآن يمكن أن يكون متفقاً مع العلم إن فُهم في سياقه المناسب.

النقاش البنّاء

من المهم أن يكون هناك حوار مستمر بين العلماء المتخصصين في التفسير القرآني والعلماء العاملين في المجالات العلمية. هذا الحوار يمكن أن يساهم في إزالة الحواجز الزائفة ويفتح أفقاً جديداً للتفكير والتدبر. العلم والدين ليسا مجالين متعارضين بل يمكن أن يكونا متكاملين إذا نظرنا إليهما من زاوية الانسجام والتكامل.

الخلاصة

لا يجب أن نرى العلم والقرآن كمجالين متناقضين. بل يجب أن ننظر إليهما ككتابين مفتوحين للتفاهم والمعرفة. العلم في تطور مستمر والقرآن يحمل في طياته معاني عميقة تحتاج لتدبر مستمر. من هنا يأتي الوعي بأهمية الفهم السياقي والتفسيرات المتعددة مع التطورات العلمية الحديثة لتحقيق توازن معرفي ينمي الفكر والروح معًا.

ثالثا، الفهم الحضاري للقرآن

# مقدمة

الفهم الحضاري للقرآن يشير إلى النظر في النصوص القرآنية من منظور حضاري إنساني شامل، حيث يتم تفسير النصوص بناءً على معطيات الواقع المعاصر ومتطلبات الزمن. يهدف هذا النهج إلى تطبيق المبادئ والقيم القرآنية في سياق الحياة المعاصرة بطريقة تتناسب مع التحديات والفرص الحضارية.

مفهوم الفهم الحضاري

يعتمد الفهم الحضاري للقرآن على القراءة التفاعلية التي تأخذ في الاعتبار:

1. **التاريخ والسياق**: فهم الظروف التاريخية والاجتماعية التي نزلت فيها الآيات.

2. **المقاصد والأهداف**: تحديد المقاصد الشرعية والأهداف العامة التي تسعى الآيات لتحقيقها.

3. **الواقع المعاصر**: تحليل القضايا المعاصرة والتحديات الحضارية الحديثة.

4. **التأويل والتطبيق**: كيفية تطبيق الآيات في الزمن الحاضر بما يخدم الأهداف المقاصدية للشرع.

أسس الفهم الحضاري

1. **المرونة في التفسير**: إعادة تفسير النصوص بأسلوب يناسب التغيرات الزمنية والمكانية دون الإخلال بالجوهر.

2. **التكامل بين النص والواقع**: تكامل الفهم القرآني مع العلوم الإنسانية والمعارف الحديثة.

3. **الموازنة بين الثبات والتغير**: الثبات في الأحكام الجوهرية والقيم الأساسية، مقابل المرونة في الأمور الاجتهادية والتفصيلية.

4. **المصلحة العامة**: قراءة النصوص بما يحقق المصلحة العامة ويدرأ المفاسد.

# أهمية الفهم الحضاري

1. **تعزيز التعايش السلمي**: فهم الأديان الأخرى وتعزيز الحوار الحضاري.

2. **دعم التنمية البشرية**: تطبيق القيم القرآنية في دعم حقوق الإنسان والتنمية المستدامة.

3. **مواجهة التحديات**: تقديم حلول عملية للقضايا المعاصرة مثل العدالة الاجتماعية، والبيئة، والتكنولوجيا.

4. **تجديد الفكر الإسلامي**: التجديد الفقهي والفكري بما يتناسب مع روح العصر.

 

 

# خطوات عملية

1. **التأصيل**: دراسة النصوص القرآنية بمنهجية قائمة على العلم والدقة.

2. **الاجتهاد الجماعي**: التعاون بين العلماء والخبراء في مختلف المجالات لتحقيق تفسير متوازن.

3. **التواصل**: نشر الفهم الحضاري عبر وسائل الإعلام المختلفة لتوعية الجمهور.

4. **التطبيق**: تحويل المبادئ إلى سياسات وبرامج عملية تخدم المجتمع.

# خاتمة

الفهم الحضاري للقرآن نموذج علمي معاصر يساعد في تجديد الفكر الإسلامي ويقدم قراءة متجددة للقرآن تستجيب للتحديات الراهنة وقضايا العصر. يساهم هذا الفهم في تقديم حلول عملية ومتكاملة لمختلف القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ويساعد في بناء مجتمع يتسم بالعدل والمساواة والتقدم.

 

 


مشاهدات 114
الكاتب محمد عبد الجبار الشبوط
أضيف 2024/08/03 - 2:32 PM
آخر تحديث 2024/08/07 - 6:15 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 129 الشهر 2559 الكلي 9978103
الوقت الآن
الأربعاء 2024/8/7 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير