الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الأوطانُ في ذمة الجميع والأديان والمذاهب مباحث شخصيّة بحتة

بواسطة azzaman

الأوطانُ في ذمة الجميع والأديان والمذاهب مباحث شخصيّة بحتة

لويس إقليمس

 

مرةً أخرى يُقحمُ ساسةُ البلاد أو أشباهُهم مصلحةَ العراق العليا بتفاصيلَ طائفية ومذهبية خاصة لا تساهمُ في بناء العروة الوثقى المفقودة التي ينشدها دعاة الاستقلال الوطني ومَن ينحون بالابتعاد عن ضلالاتِ كلّ ما يمتُّ بصلة إلى تعزيز الشأن الطائفي الذي يفرّق ولا يجمع. بين الفينة والفينة، عندما تسعى جماعات دينية أو فئات سياسية تلتحف بعباءة الدين ذمّةً في أعناق الأتباع، فهي تساعدُ في تراكم أكوام الثلوج التي وقفت وماتزالُ تقف حائلاً في سبيل رفعة الوطن وشعبه بكلّ تلاوينه ومكوّناته عبر إثارة نعراتٍ ضيقة تتقاطع مع المصلحة العامة. فالفكرة العامة والطموح الكبير والهدف الأسمى لعامة الشعب العراقي سواءً بمثقيفه وأعلامه الذين يخشون أحيانًا من قول كلمة الحق بوجه الظلم ومصاصي دماء شعوبهم وناهبي ثروات بلادهم، تكمن في إعادة بناء البلاد على أسس علمية متطورة واجتماعية صحيحة  وأخرى تربوية وحضارية بعيدًا عمّا يأتي به التعلّق الزائف بترّهاتٍ عقيمة ومفردات مبتذلة وتلبيسات غير متمدنة تقف حائلاً دون تقدّم وتطوّر البشر في بلاد الرافدين التي تحولت من منارة للعلم والحضارة إلى بُرَكٍ فاحت جيفتُها بكلّ أشكال الفساد وأدوات الإفساد وما وصلنا إليه من فضائح ومبتذلات عبر وسائل التواصل الاجتماعي من محتوى هابط ونشر فاضح وخروجٍ عن الآداب العامة التي لم تكن يومًا من شيمة العراقيين. وما يزيد الواقع المرير مرارة أشدّ، تفاعلُ المدّ العشائري والقبليّ والعائلي بكلّ سلبياته وأدواته الغير حضارية في الاحتكام إلى طريقة المعالجة بوسائل خرجت عن حدود العقل والتربية بل إلى أبسط المرتكزات الاجتماعية التي تربت عليها الشعوب الطيبة

قالوها ونقولُها، لا يمكن للدين والسياسة أن يلتقيا في بلدٍ أو بقعةٍ أو مجتمعٍ منغلقٍ لا تؤمنُ مراجعُه دينيةً كانت أم سياسية، بحرية الفرد المطلقة مهما كان انتماؤُه الديني أو المذهبي أو الإتني أو الفلسفي أو أيّ فكرٍ آخر مختلف عن الجوّ العام بما يُسمّى بالأغلبية السائدة التي ليست قياسًا لا للوطنية ولا للتديّن ولا للصلاح في قيادة الأوطان والمجتمعات. وإذا كان تدخل رجالات الدين في الشأن السياسي من باب تقديم المشورة وبغاية الإصلاح والنصح، فلا بأس به، ولكن من دون الانخراط في  كواليس التحزّبات واشتراطات الأحزاب التي ليس لها من غاية أو هدف سوى اللهاث وراء السلطة بل السطوة واكتناز الأموال والتمظهر بالجاه الزائف في أغلبه سعيًا لما وراء هذه جميعًا. واللبيب من الإشارة يدرك المقصود! فما هو جارٍ في بلد العراق، بلد الحضارات والثقافات والعلوم والأئمة الذين لو عادوا إلى الحياة ورأوا بأمّ أعينهم ما يجري وما يقوم به مدّعو الوكالات عنهم لكسّروا أبواب الأحزاب وفضّوا شراكات السياسة والسياسيين وقلبوا موائد تجار الدين والسياسة معًا على رؤوس الأشهاد لتكون عبرة ودرسًا وهدفًا لا يقبل التساهل والتلاعب بالأصول والمقدسات والأدبيات العامة.

ألسياسة لأصحابها

دعوا السياسة لأصحابها ولا تقربوها وأنتم تتسترون بأطراف ما تضعونه من عباءات وثيابٍ لها رموزها الدينية المحترمة لإضفاء المزيدٍ من هالة «القدسية» الفارغة والسطوة الماكرة والجاه الفاني بغير موجب ولا حق ولا رقيب. فإذا أردنا حقًا أن نتقدم ونرتقي بالبلد والشعب وأن نحافظ على الثروة العامة ونصون كرامة هذا الشعب الجريح، الساذج في معظم مجتمعاته بسبب تغوّل الساسة ومَن ارتقى هذه الأخيرة بثيابٍ دينية ومذهبية زائفة، فما علينا سوى رفض كلّ ما من شأنه أن يعيق تقدم البلاد ورفاهة الشعب ونزع الترّهات والخرافات التي تتمسك بها زعامات سياسية أو أخرى تتشدّق بتلابيب الدين والمذهب حفاظًا على مكتسبات مادية هائلة أو مناصب ومراتب عليا تدرّ عليها وعلى الأتباع أنهارًا من العسل والرفاهة بكلّ معانيها. فالشعوب والأمم التي ارتقت سلّمَ الرقيّ والتقدّم وحافظت على المال العام وصانت كرامة شعوبها ومنحت الاحترام للبشر على أراضيها بالرغم من اختلاف البعض في الدين والمذهب واللون والإتنية والانتماء القومي، هي التي كسبت الرهان لأنها فصلت الدين عن السياسة و»أعطت ما لقيصر لقيصر وما لله لله». وما زالت هذه السياسة الجارية هي الرهان على تقدم الأمم والشعوب. والغربُ منها خيرُ مثال. فالحكومات في هذا الأخير لا تتقرّب من الأديان مهما كانت المغريات. بل أيّ تقرّب أو انصياع أو توجّه في هذا الاتجاه يكون حليفه السقوط في براثن التمييز والفصل والادّعاء بغير ما يضمر ويُبطن.

إن الدّين لا يشكلُ مشكلة في حدّ ذاته. نحن بحاجة إلى ناس يعرفون ربَّهم ومن خلاله يتقربون من خليقته بأشكال المحبة وأعمال الرحمة والتكافل في شؤون الحياة وإدارة العباد. فهذه من الأسس العامة والمبادئ في معظم الأديان.

كما أننا نؤمن بأنّ الشعوب بحاجة إلى ساسة وزعامات متدينة تعرف الحق لكي يحرّرها الحق أيضًا. ولكننا في المقابل لسنا بحاجة إلى حكومات متدينة أو مدّعية الدين والتديّن، لتفرض سطوتها الدينية أو المذهبية أو الطائفية على أتباعها وعلى غيرهم من سائر المكوّنات المتعايشة على الأرض الواحدة والوطن الواحد. ما يجمع هذه جميعًا هو بناء الوطن وصيانة حقوق الشعب وأتباع الأديان والمكوّنات جميعًا عبر الاحترام المتبادل للمختلفين في الدين والمذهب والطائفة وليس بفرض الذات والمفردات على هذا الغير المختلف. وعندما يحصل مثل هذا الأمر في ظروف غير مستقرّة وعلى أيدي جهات أو جماعات لا تقرّ للوطن بالاستقلال ولا تؤمن بحرية الفرد في الرأي والتعبير والحركة وتفرض نمطًا سياسيًا متجلببًا بالدين والمذهب والطائفة، فهذا يدخل ضمن سياق التجارة والمتاجرة بأية رموزٍ دينية أو مذهبية تهدف إلى فرض الرأي المختلَف عليه وطنيًا وإنسانيًا. عندها يمسي هذا الهدف مبعثًا للفساد وطريقًا للتغوّل والطغيان وفرض الواقع بوسائل متاحة غير حضارية، ومنها بوسائل التهديد الضمني مذهبيًا، منها تلك لتي ترسم للأتباع سيرًا مغايرًا للمشهد السياسي والاجتماعي بحجة ضياع الفرصة وعودة المظلومية وفقدان المكاسب وخسارة المصالح.

ضلال الاتباع

إنَّ ما يُستخدم اليوم من رموز دينية ومذهبية في أروقة السياسة ودهاليزها الخفية، وما يُنسج من سياسات غير رصينة في صفوف الساسة ومدّعي الدين لا يخلو من سمة ضلالة الأتباع وتضليلهم بهذه المخاطر. فهم بهذه أو بأجزاء منها يساومون الأتباع عبر الضحك على ذقون البسطاء والسذّج منهم من أجل التحكم بأفعالهم والسطوة على أفكارهم ومراقبة خطواتهم كي لا يصحوا من رقادهم على هذه الضلالة الجاثمة على صدورهم. ومنها إصرار بعض المراجع الدينية والسياسية على ترسيخ مفاهيم دينية ومذهبية وطائفية متخلفة في الأوساط الشعبية البسيطة منها، وحرمان أجيالٍ من فرص التعلّم الحقيقي وتوجيههم للتعلّق بمظاهر دخيلة وغريبة وبعيدة عن أسس العلوم والتربية الصالحة، ما تسببَ بتسرّب الكثيرين من المؤسسات التعليمية التي فقدت هي الأخرى أهميتها التربوية وابتعدت عن رسالتها الحقيقية. وقد تسببت الثورة الرقمية غير المسيطَر عليها بدورها، بجزءٍ من مسبباتها وكذا بسبب غياب الرقابة العائلية على الأبناء والتمسك بالمغريات الرفاهية والمادية والعبثية في أخرى غيرها.  وعلى أمل قدوم الصحوة الحقيقية بعد غفوة عميقة من الجهل واليقين بالترّهات والخرافات والروايات غير الرصينة التي لا سندَ لها ولا حقيقة ولا تاريخ، على الحريصين ممّن مازال الوطن وهيبتُه وسمعتُه وحضارتُه وغيرتُه وشرفُه يشكل جزءً من كيانهم وروحهم وقلبهم أن يقولوا كلمة الحق التي لا يُخشى من عواقبها بوجه الظلم والظالمين والطماعين والمنافقين وناهبي ثرواته والفاسدين بسلوكيات حياتهم الخاطئة من دون خشية ولا مخافة من رب السماوات والأرض. فالفاسدون في الأرض أيًا كانت هوياتُهم لا يهمّم أمر تقدّم بلدانهم بقدر ما يسعون إلى حلب الأرض وما فيها وما عليها لصالح مصالحهم الخاصة غير مكترثين لغفوة الشعب وتخلّف المجتمعات وفساد الأتباع التي تحت سطوتهم، بل يحرصون على إسكات أيّ صوتٍ يرتفع ضدّ هذه السلوكيات بالتبريرات المغلّفة بالدين والمذهب والطائفة في الكثير من الأحيان. ومن السهل عندهم الترويج لهذه التبريرات بحجة التعاطف مع المظلومية التي أضحت مسمار جحا في أي محفل أو مناسبة أو منبر كي لا ترتفع مثل هذه الأصوات الوطنية التي تعبت من هزالة المنظومة السياسية وتتحرى الخلاص منها بشتى الوسائل والطرق المتاحة وغيرها.

يبقى الوطنُ في ذمّة جميع أبنائه! أمّا الدين والمذهب وأية هوية أخرى، فهي عناوين فردية وحسابات خاصة ومقاصد بحثية للرقي والسلوك الصحيح بين الله وخليقته.

وكفانا نومًا وخوفًا وجهلاً وصمتًا وصبرًا بلا تحكيم للعقل والروية والبصيرة وإعمال الفكر الناضج في بناء الإنسان فردًا والوطن مجتمعًا.  وحسنًا لنؤيّد ما قاله الشاعر الرصافي العراقيّ الوطنيّ:

يا قومُ لا تتكلموا        إن الكلامَ محرمُ

ناموا ولا تستيقظوا     ما فاز الا النُوّمُ

وتأخروا عن كل ما     يقضي بأن تتقدموا

ودعوا التفهم جانباً       فالخيرُ أن لا تفهموا

وتثبتوا في جهلكم        فالشرُ أن تتعلموا

 


مشاهدات 99
الكاتب لويس إقليمس
أضيف 2024/07/30 - 4:25 PM
آخر تحديث 2024/08/07 - 8:53 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 240 الشهر 2670 الكلي 9978214
الوقت الآن
الأربعاء 2024/8/7 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير