الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
اللغة في محنة من أهلها عند قاسم حسين صالح

بواسطة azzaman

اللغة في محنة من أهلها عند قاسم حسين صالح

طالب زعيان

 

الأستاذ قاسم حسين صالح في كتابه (في سيكولوجيا الشعر والشاعر) الصادر عن الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق 2022، وكان الهدف منه، كما يذكر في بداية الكتاب، هو إشاعة الثقافة السيكولوجية، وتوثيق العلاقة بين الذين يصفون المشاعر والانفعالات بأرق ما في اللغة من مفردات. وأن أول ما لفتت انتباه الشعراء العرب إلى الجانب السيكولوجي هي الشاعرة نازك الملائكة في كتابها (سايكولوجية الشعر ومقالات أخرى) الصادر في القاهرة 1979.تناول قاسم حسين الاغتراب وتعريفه عند الشاعر، ولاسيما الاغتراب النفسي الذي هو إدراك الفرد بأنه أصبح بعيدا عن الاتصال بذاته، وهنا لا يقصد بالاغتراب الغربة، حين يكون الشاعر بعيدا عن بلده أو مسقط رأسه، بل هو الصدام بين ما هو ذاتي وما هو واقعي كما يرى(هيجل)، فهو عدم السيطرة على مصيرك، وفقدان الهدف في الحياة، والانسلاخ عن القيم الإنسانية، الشعور بالوحدة والانسحاب من العلاقات الاجتماعية.ذكر لنا الأستاذ نماذج من ذلك الاغتراب الذي أصاب بعض الشعراء، في شعر يحيى السماوي، وخالد الشطري، ومناسبة رحيل عبد الرزاق عبد الواحد، ولميعة عباس، والمرأة بين نزار قباني وبدر شاكر السياب، ومظفر النواب، وشعراء صعاليك البداوة وصعاليك الحضارة، والحب بسلة سيكولوجية، واستراحة شاعر ونغزات سيكولوجية... وغيرها. وتناول اللغة العربية جمال وبلاغة وبيان،

مادة الادب

الذي نحن بصددها الآن، فاللغة مادة الأدب، ولذلك أثارت اهتمامي وجلب انتباهي، ما تطرق إليه الدكتور قاسم عن جمالية اللغة ومكانتها، ويشير إلى مفارقة جميلة، أن الأدب العربي بدأ بالشعر أولا ثم النثر، وهذا مغاير ما بدأت به الأمم الأخرى التي عاصرتها مثل: اليونانية، الفارسية، الرومانية، الهندية، الصينية... فالشعر هو الأصل، ويأتي لنا بدليل الاهتمام بالمعلقات السبع أو العشر، التي علقت على جدران الكعبة الشريفة.

ومما يميز لغتنا سيكولوجيا حسب رأيه، أنها تثير لدى المتلقي انفعالات الحب، الفرح، الكرامة، التضحية...وغيرها، كل هذا لأنها تمتاز بجمالية الإبداع والإيقاع الموسيقي، فهي لها القدرة على استيعاب كل هذه الانفعالات.فهي كالعود إذا نقرت على احد أوتاره رنت لديك جميع الأوتار وخفقت، ويضيف الدكتور على ذلك أن اللغة العربية ليس لها طفولة ولا شيخوخة، أي بمعنى أنها ولدت ناضجة ومازالت لحد الآن بالرغم من آلاف السنين التي مرت بها.وبتدخل المملكة المغربية والمملكة السعودية، وعدد من الدول العربية الأخرى لإقناع الأمم المتحدة لتصدر في عام  قرارها الرقم 3190 باعتماد الثامن عشر كانون الأول يوما عالميا للغة العربية.ومن الدول التي كانت معارضة لهذا القرار (أميركا) بحجة أن ملوك وأمراء ورؤساء العرب يجيدون التحدث بالانكليزية، وبالمناسبة الذي يتحدثون اللغة العربية مليون نسمة أكثر ممن يتحدثون الروسية والفرنسية.

 

فضلا أنها تفوق لغات العالم من حيث مفرداتها التي تبلغ أكثر من 12 مليون كلمة في حين اللغة الانكليزية(600000) والفرنسية(1500000) والروسية (130000)، وأن الذين كتبوا عن اللغة العربية كثيرين من العرب وغيرهم.

ومن الشهادات التي قيلت عن اللغة العربية، حين سئل الشاعر الأسباني لوركا، هل تعتبر المرحلة العربية بتاريخ أسبانيا.. استعمارا؟ أجاب: المرحلة الوحيدة المضيئة في تاريخ اسبانيا هي المرحلة العربية، وما قبلها كان ظلاما.

لكن مع ذلك يرى الدكتور قاسم حسين، أن لغتنا الجميلة تعيش في محنة من أهلها منها:

ــ إن تحقيق أي تنمية اقتصادية واجتماعية في البلدان، جاءت من خلال الاعتماد على لغتها القومية، مثل كوريا الجنوبية، والصين، واليابان، ويذكر أن كوريا الجنوبية كانت من أفقر دول العالم، والآن هي سابع دولة صناعيا، فاللغة هي المعبر الأول بين حضارة سابقة وحضارة لاحقة، ولغتنا تتعرض إلى انتكاسة خطيرة.

ــ ما نعيشه الآن في الوقت الحاضر هناك إساءة وتقصير للغة العربية، نجد أخطاء كثيرة في الكتابة والقراءة ولم يقتصر هذا على الإنسان العادي بل يتعدى ذلك حتى عند المسؤولين وفي القنوات الفضائية من إعلاميين ومقدمي برامج، برفع المجرور والمضاف إليه، ونصب الفاعل وغيره، مما تفقد جمالية اللغة ورصانتها. والتأثير السلبي على المتلقي.

ــ التباهي بالتحدث باللغة الأجنبية ولاسيما الانكليزية، في بعض البلدان العربية مثل دولة الإمارات، ينبغي عليك أن تتحدث بالانكليزية حتى في (المولات) وغيرها، وانتشار ظاهرة التدريس باللغة الانكليزية من رياض الأطفال، ويضيف الدكتور قاسم نحن ليس لدينا مانع من تدريس الانكليزية، باعتبارها لغة ثانية وليست أساسية.

ــ إن العراقيين المغتربين في بلدان المهجر الذي عددهم لا يقل عن السبعة ملايين، معظم أطفالهم لا يتحدثون العربية، حتى في بيوتهم، فينبغي منهم تعليمهم  والتحدث معهم باللغة العربية خاصة في البيت، ليزيد شعورهم بانتمائهم الوطني، ولا يفقدوا هويتهم العربية.

ــ ما يسمى بجيل الانترنت، أحب اللغات الأجنبية، وتأثر ببعض من ألفاظها، ونفر عن مفردات اللغة العربية، بحجة صعبة ومعقدة، عكس الأجيال السابقة، ولاسيما جيل السبعينيات، تربوا على برامج تلفزيونية للغة بالنطق السليم، مما زرع فيهم حب اللغة وحب الوطن، عبر تلك البرامج.

ــ إن جائحة كورونا فرضت على لغتنا حصارا، وأدخلت مفردات غربية علينا، منها الأكثر تأثيرا كلمة(عن بُعد)، الدراسة عن بعد، العمل عن بعد، التباعد الاجتماعي، ومنع الاختلاط، وارتداء الكمامة وغيرها. والدراسة عن بُعد أثبتت فشلها، لأنها تفقد أسس التعليم الصحيح، منها وجود الطالب والمعلم في مكان واحد في الصف أو القاعة الدراسية.

ـــ عدم الاحتفاء بيوم اللغة العربية، بهذا اليوم جعلت العربية لغة رسمية أمميا إلى جانب خمس لغات عالمية، فالاحتفاء بها ليس فقط لذكرى بل هو تعزيز لها، والتمسك بها، ومعرفة فنونها النحوية والصرفية والبلاغية، والمحافظة عليها، وإعطاؤها أولوية عن باقي اللغات، فالاحتفاء بها ضروري ومهم، مثل ما تفعل باقي اللغات.. فالصين اعتمدت العشرين من نيسان يوم اللغة الصينية، وكذلك اللغة الروسية في السادس من حزيران، وبريطانيا في الثالث والعشرين من نيسان، وغيرها من اللغات، فيوم اللغة لا يمكن تجاوزه، بل ينبغي أن يكون معروفا لدى الجميع، تشارك فيه كل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية والمنظمات والمدارس، والإعلام المرئي والمسموع.

ما ذهب إليه الدكتور عن اللغة فنحن نوافقه، ونشكره على كل هذه الملاحظات القيمة التي لا بد أن نتغلب على كل هذه العقبات عندما تتوفر فينا العزيمة والإيمان المطلق بان اللغة هي هوية الفرد والوطن، بل هي ارثنا التاريخي والثقافي والحضاري والاجتماعي، كل هذا وصلنا عبر اللغة والأدب الذي هو مرآة المجتمع،

ورقي الحضارات، فالحضارات بنيت على الكتابة والقراءة أي اللغة، فلا يمكن إهمالها والابتعاد عنها، فهي مسؤولية الجميع، تبدأ من الفرد، بالقراءة المستمرة التي تنير العقول، وفهم الآخر، ومعرفة حياة الشعوب، ومما تجعل اللسان فصيحا، والنطق سليما، والكتابة صحيحة خالية من الأخطاء، فضلا عن دور المدرسة والاهتمام بجميع دروس اللغة العربية وعدم إهمال بعضها، بحجج غير مقنعة، من ثم دور الإعلام والبرامج التي أشار إليها الدكتور قاسم لأنها مهمة جدا ومؤثرة، فيها شيء من التحبب للطفل وإيصالها بسرعة له، وإعطاء اهتمام حتى بالأفلام الكارتونية للصغار، التي تكون بالفصحى، يرددها الطفل كثيرا مع نفسه بحالة غير إرادية، مما يحفظها بحفظ سليم، ودور الأهل في تشجيع أولادهم للقراءة ومتابعتهم. وجعل اللغة العربية من ناحية الاهتمام بالدرجة الأولى، ومن ثم تأتي اللغات الأخرى.

 *الأستاذ الدكتور قاسم حسين صالح

  الاختصاص العام: علم النفس

  الاختصاص الدقيق: تحليل شخصية وصحة نفسية

  الشهادة: دكتوراه فلسفة في علم النفس

 المرتبة: أستاذ ــ بروفيسور (1990)    


مشاهدات 62
الكاتب طالب زعيان
أضيف 2024/07/27 - 12:51 AM
آخر تحديث 2024/07/27 - 3:31 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 309 الشهر 11672 الكلي 9373744
الوقت الآن
السبت 2024/7/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير