الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
رثاء في اربعينية الفقيد بنيامين حداد

بواسطة azzaman

رثاء في اربعينية الفقيد بنيامين حداد

نبيل يونس دمان

 

    ان معرفتي به كانت من خلال مجلة “قالا سريايا” في سبعينات القرن الماضي، وكنت اقرأ ما يكتبه بإهتمام، ثم كان اغترابي عن العراق عام 1983، وعند استقراري في مغتربي الجديد اميركا صرت اسمع به من خلال لقاءاتي المتواصلة مع الشماس الراحل حنا شيشا ﮔولا، معاً سمعنا قصيدته المؤثرة بلغتنا الجميلة وكانت بعنوان “مَديري لأثره دبابي”  اي ارجعني الى وطن ابي، وقد رتّلها بصوته الشجي المرحوم القسيس يوحنان جولاغ. في عام 2001 صدر له في بغداد كتاب بعنوان “سفر القوش الثقافي” ، وصل ليدي فقرأته بإهتمام أكبر، وكان اسمي من ضمن الاسماء التي ادرجت فيه، وكذلك اسم جدي ميخا جونا دمان، الذي اعاد بالاشتراك مع الراهب منصور، سنة 1855 قصة الاحداث التي جرت عام 1508، وحملة برياك المغولي على القوش، سُدًى ذهبت جهودي في الحصول على المخطوطة، من دار المخطوطات في البلدة عنكاوا، على اية حال اشّرت على صفحات الكتاب بالقلم الكاشف ما كان جالباً اهتمامي، ولخصت قراءتي بورقة مقتضبة بعثتها له في بغداد، بيد الزائر انذاك المرحوم صبحي حداد، يسعدني ان اعيد نشرها:

         ما اشد اعجابي في كتاب “سفر القوش الثقافي” الذي طالعته بشوق، مَثلي مثل تلميذ يستمع الى أستاذ ينثر علمه وادبه وفنه كومض يتلألأ في ظلام العصر، ذلك هو الكاتب بنيامين حداد.

         ان الجهد الذي بذله لا أستطيع تحديده لشدته، وهو يطوي السنين الطويلة بلياليها وأيامها يبحث ويحقق ويكتب، سلم ذلك القلم وتمجدت تلك الكتلة البشرية التي تفيض بالمشاعر والمعارف والعواطف، انه ابن حقيقي لبلدته التي انجبت الرجال المرموقين في كل نواحي الحياة والتي زينت أسماءهم ولأجيال وأزمان وأماكن مختلفة سفره الرائع.

أمانة تاريخية

         لقد بذل الأستاذ بنيامين حداد وقته وسعادته وصحته، في سبيل هدف يبتغي من ورائه الأمانة التاريخية والحقيقة الدامغة لبلدة آبائه وأجداده، وليس المادية او الشهرة الشخصية.

    ان القوش جزء من بلاد النهرين وجزء من حضارة اقتبس منها عالم اليوم، فلولا القديم لما كان للجديد ان يولد، ولما كان للأخير ان يسود بثورته العلمية- التقنية والمعلوماتية الهائلة.

ليتواصل قلم الأستاذ حداد في العطاء، وذلك اليراع الشرع، ليدر كل ما هو جميل وممتع ومفيد (أه) .... كتب في ديترويت بتاريخ 10 /1 / 2002

      غداة سقوط الدكتاتورية وانتقالي بعد حين الى كاليفورنيا، جاء المعلم بنيامين الى سان دييغو وكان اللقاء السعيد به في كنيسة مار بطرس بتاريخ 7- تموز- 2013 ومعه شقيقه الشماس القدير عيسى ميخا حداد القادم من نيوزيلنده، تأكد لي باني امام شخص عليم، رشيد، وباحث قدير، فتوطدت علاقتنا وصرنا نلتقي باستمرار في القوش ودهوك حيث مسكنه وعلى مدى السنين الماضية. ايضاً خلال تلك اللقاءات كان يزودني بالكتب التي يطبعها، فعكفت على قراءتها وابرزها التي كانت مصدرا استقي معلوماتي منها هي التالية:

1- سفر القوش الثقافي- بغداد 2001

2- رحلة سكماني- تحقيق بنيامين حداد- بغداد 2003

3- حوليات دير الربان هرمزد- نينوى 2008

4- تاريخ بطاركة بيت الاب- دهوك 2008

5- موسوعة بلدانية من 914 صفحة- دهوك 2021

     زيارتي قبل سنة الى الوطن وحضوري محاضرته في المركز الثقافي الآشوري بدهوك- حزيران 2023 ، وكانت عن كتابه المثير للجدل اصدره في تلك الفترة بعنوان “من نحن؟ “ ، وفي هذه السنة زرته في شهر نيسان وكان مرهقاً ومعتلّا راقدا على سرير المرض، يتحلق حوله اولاده يرعيانه ويقدمان له ما يطلبه في الحال، خاصة تلك المتعلقة بالكتابة وهمومها، وما ظل في باله لم يدونه او رأي يرى ضرورة ايصاله.

     مثل هذا الانسان الذي بلغت مؤلفاته اكثر من اربعين كتاباً، اضافة الى مئات المقالات في الصحف والمجلات، وكذلك الندوات واللقاءات التي عقدها والمحاضرات التي القاها، وقسم منها من محطات التلفزة والفضائيات خاصة قناة عشتار، معظمها في مجال اللغة السريانية التي اصبحت بمرور الزمن طيّعة في يديه، تبحر بها واصبح علماً ومرجعاً ربما تبقى اجيال على مدى طويل تدرس فحواها.

     اختتم مرثيتي هذه لأختار له مكانة اقتدي بها في حياتي تلك الشخصية الوسيمة، الأنيقة، العليمة، المثقفة، كل هذه الصفات الجيدة قد اجتمعت حوله، وهذا كنز لا بعده كنز يتركه الانسان خلفه عندما يرحل، وعند رحيله كان الزمن معي ان اكون في القوش، فخرجت مع الجموع لاستقبال جثمانه عند مفرق الطرق الاربع، وفوق مقبرة القوش التي احتضنت رفاته القيت قصيدة شعر قصيرة على اسماع الحاضرين بلغتي السورث المحكية.      اسجل عميق مواساتي لاولاده الاصدقاء، داعيا لهم ان يشقوا طريقهم الطويل في حياة اليوم الصعبة، على هدى المبادئ والقيم التي كان والدهم يدعوا لها، وطلبي الاخير ان يحفظوا ارثه من الكتب، القواميس، المخطوطات، المصنفات، الاشعار، والرسومات الفنية، لتكون في متناول شعبنا خصوصا من الباحثين وطلبة الدراسات في مراحلها المختلفة.

في ذمة الله رابي بنيامين حداد، سنفتقدك ولكن نبقى نتذكرك الى الأبد.

 

 

 


مشاهدات 55
الكاتب نبيل يونس دمان
أضيف 2024/07/27 - 12:50 AM
آخر تحديث 2024/07/27 - 3:31 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 308 الشهر 11671 الكلي 9373743
الوقت الآن
السبت 2024/7/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير