الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
بحثاً عن (ماكيافيلية) عربية

بواسطة azzaman

أذن وعين

بحثاً عن (ماكيافيلية) عربية

عبد اللطيف السعدون

 

يتحدث علم السياسة عن «الماكيافيلية» باعتبارها فن المكر والدهاء والحكمة، أيضا المهارة والشجاعة والقدرة على الوصول الى الهدف، بعبارة أخرى أن «السياسي الماكيافيلي» هو الذي يبدو لنا ككائن بارد ومتأن وحذر لكنه قادر على الانتقام والثأر في الوقت المناسب، تصنف «الماكيافيلية»، في عبارة ثالثة، على أنها طريقة مميزة للسلوك السياسي والاجتماعي الذي يلاحظ بشكل منهجي في بعض الناس الذين هم في العادة أعضاء في نادي الطبقة السياسية التي تشكل مصدر السلطة والقرار، عمر هذه المفاهيم بضعة قرون بدايتها مع بداية الحضور المؤثر للفيلسوف الايطالي نيكولاس ماكيافيلي في القرن السادس عشر وبعده.

عديد مؤرخين وباحثين اعتبروا كتاب «الأمير» الذي بشر بهذه المفاهيم دليلا للحكام المستبدين والطغاة في حين أن مفكرين آخرين مثل سبينوزا وروسو قالوا أن الكتاب ادانة ذكية لمسلك الاستبداد والطغيان وللطرق التي يستخدمها رجال الطبقة السياسية للسيطرة وممارسة النفوذ، ووصف حيلهم المستخدمة في ادامة سيطرتهم على مواطنيهم، والهدف هو تعريف  المواطن العادي بكل ذلك ودفعه للمطالبة بحقوقه وحمايته من تجاوزات حكامه.

طريق الجحيم

يخاطب ماكيافيلي مواطنه: «أود أن أريك طريق الجحيم حتى لا تبتعد عنه.. تعرف عليه وراقبه»، يوضح لاحقا لصديق له أنه كان يقصد بطريق الجحيم النظام الذي ينشأ عن قرارات سياسية شريرة تقترفها مؤسسات فاسدة وحكام مستبدون، منبها الى ضرورة أن لا يترك المواطن مثل هذا النظام يفعل ما يريده وانما عليه أن يراقبه ويقتص منه متى اسنطاع! يفضح ماكيافيلي الحكام الذين يعيشون على الأكاذيب والرشوة والفساد والقتل، يعطي مثالا السلالة الحاكمة في جمهورية فلورنسا آنذاك، وفي انتقاداته تلك يبدو وكأنه يريد أن يوصل الى قارئه كيف تمرض الأنظمة الديمقراطية، وكيف يمكن علاجها، وكيف يمكن للمواطن أن يتجنب أذى وظلم الحكام المستبدين محذرا من المخاطر التي تهدد الحريات المدنية، وفي عصر مثل عصرنا، وفي عالمنا العربي المليء بالشرور والآثام يبرز سؤال كبير: كيف يمكن الافادة من ماكيافيلي في تشخيص وعلاج الظواهر المرضبة المختلفة والحادة التي تقف بوجه اقامة أنظمة ديمقراطية حقيقية في ربوعنا؟

الجواب ليس سهلا، لأن الطبقة الحاكمة في أقطارنا العربية امتهنت السيطرة على الفضاء الاجتماعي بأكمله ولا تتيح للمواطن فرصة لعب دور فاعل فيه الا بالقدر الذي ترسمه هي له لكن مع ذلك تظل لبراغماتية ماكيافيلي امكانية البروز هنا، يمكننا أن نستحضر عبارته المتطرفة: «سيكون علينا عند الضرورة العمل ضد المثالية الزائفة، وضد قوانين المصادفات، وضد الاتجار بالدين»، وهذا هو بالفعل ما يمكن أن ندعو له اليوم ونروجه ونحرض عليه في الفضاء الاجتماعي الماثل بقدر ما يمكننا ذلك.

تكنلوجيا حديثة

هل ما ندعو له ممكن حقا؟

الجواب بنعم لأن توفر مساحات في مواقع التواصل الاجتماعي وادوات التكنلوجيا الحديثة لا تصل اليها أيادي الحكام يمكن ان يلعب الدور الحاسم في عملية التغيير الساعية لتأسيس انظمة ديمقراطية حقيقية، وهذا لم يكن متوفرا في عهد ماكيافيلي لكن تبقى البداية صعبة وعسيرة، ولا تتطلب حراكا شعبيا مؤثرا وفاعلا حسب انما حراكا للنخبة المثقفة أيضا باعتبارها قائدة التغيير وأداته، واذا كنا في العراق قد سعينا لاطلاق حراكات شعبية وانتفاضات مطلبية الا أنها ظلت محدودة الأفق وقصيرة النفس وعاجزة عن أن تتطور لما هو أبعد من أرنبة أنفها، ولم يكن ذلك ذنبها انما جاء نتيجة عوامل مختلفة منها أن الأحزاب (الثورية) التي قادت التغيير خلال العقود التي سبقت الاحتلال لم تعد قادرة على تطوير نفسها، وبقيت مستكينة لاعتقادها الخاطيء أنها الجامعة لطاقات الشعب والممثل الوحيد له، وانها وحدها يجب أن تقود سواها في حين يتطلب  الحال التجرد من الأوهام والعمل على ازاحة «الحرس القديم» من واجهاتها واطلاق حراك ديمقراطي داخل تنظيماتها، واعادة تقييم لدورها المطلوب الذي لا يستغني أبدا عن طاقات الآخرين، وفي الاطار الفكري يتطلب الخروج من قوقعة الشعارات القديمة، والخروج من محبس النصوص المحنطة التي لم تعد تستوعب القضايا الراهنة، والنظر بعينين مفتوحتين نحو الحاضر والمستقبل على حد سواء.

يبقى السؤال الأهم، لماذا لا يبادر الشباب لاطلاق أحزاب وحركات جديدة تؤسس منصاتها دون خوف، وتحمل فكرها الخاص الذي يتجاوز السائد، ويسعى الى الممكن، وعيونه على المستحيل من أجل تطويعه وجعله ممكنا؟

 


مشاهدات 59
الكاتب عبد اللطيف السعدون
أضيف 2024/07/20 - 2:18 AM
آخر تحديث 2024/07/21 - 1:20 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 33 الشهر 8825 الكلي 9370897
الوقت الآن
الأحد 2024/7/21 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير