الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الثقافة العربية في أوربا

بواسطة azzaman

الثقافة العربية في أوربا

ضرغام الدباغ

 

كتب لي مرة أحد قرائي يسأل، سؤالاً له أكثر من فرع : أولاً : لماذا يهتم الأوربيون(والألمان في مقدمتهم) بتأريخنا القديم (العراقي / العربي)، وبالتأريخ الإسلامي، ثانياً : هل أن كتبهم ودراساتهم هي أفضل من تلك التي عندنا، ثم ثالثاً وأخيرا ، ما هي مصادرهم ..؟

أولاُ: اهتمام الأوربيون بالثقافة قديم، وبالتحديد في شؤون منطقة حوض البحر المتوسط والعراق من ضمنها. وتقع 8 أقطار عربية على حوض البحر الأبيض المتوسط، ولا تفصل تونس والمغرب عن أوربا سوى كيلو مترات قليلة...! ويؤشر التاريخ القديم والحديث علاقات اقتصادية وسياسية كثيفة، وإذا كانت هذه المنطقة قد شهدت عبر التاريخ حروب ومواقع، إلا أنها شهدت تبادل ثقافي كبير ايضا. والجامعات الأوربية القديمة منها (هناك جامعات تجاوز عمرها 800 عام)، ومنها جامعات تعاملت بكثافة مع الفكر العربي / الإسلامي منذ أيام الأندلس (جامعة بادوفا / إيطاليا نحو 1450 م) والقرآن الكريم ترجم إلى الالمانية منذ أكثر من 150 عام، وإلا كيف توصلت اللغة العربية ورفدت اللغة الألمانية ب550 كلمة، والإنكليزية 1200 كلمة، وأما الاسبانية فبألاف الكلمات، وهذه معطيات تؤشر إلى علاقات ثقافية وإنسانية وثيقة.

ثانياً : يقع التاريخ العربي قديمه وحديثه ضمن الاهتمام المباشر لثقافة الناس بصفة عامة، وينعكس هذا في رغبات الطلبة والأساتذة على السواء، بدراسة اللغة العربية، والقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية  العربية. وصادف مرة أن ذهبت لمكتبة جامعة برلين الحرة، وأطلعت بشكل سريع على البحوث المقدمة من الطلبة(رسائل ماجستير، وأطاريح دكتوراه) فدهشت أيما دهشة، حين وجدت كماً كبيرا جداً فاق تصوري.

كم كبير

 فمثلاً وجدت البحوث عن حركة الضباط الاحرار المصرية تناهز الثلاثين تقريباًـ وأكثر من ذلك عن حركة الاخوان المسلمين، أكثر وأكثر عن حزب البعث العربي الاشتراكي،  وبحوث كاقتصادية وسياسية واجتماعية لا تعد ولا تحصى، وهذه في ألمانيا فقط، لنتخيل الأقطار الأوربية الأخرى، إذن الاوربيين يمتلكون تراكما ضخماً من المعلومات حول بلداننا.

الطالب الأوربي حين يدرس ويبحث في الموضوعات العربية، يمتلك حرية واسعة في البحث وما سيقود إليه التنقيب عن الحقائق، وإخلاص في العلم في ربط الحقائق ببعضها،  وليست لديه قناعات مسبقة، وأستاذه المشرف يبذل معه جهداً كافياً، والمصادر متوفرة بكافة اللغات، وبالتالي كل ذلك سينعكس في النتائج، وبالطبع (وهذه جزء من الشخصية الأوربية) لا يخشى جهة تقديمه للمساءلة،

ثالثاً : شخصياً عثرت على مصادر قديمة جداً تعود إلى العهد الاغريقي (كتاب للمؤرخ الاغريقي هيروديت) وهناك مصادر يهودية قديمة، تنطوي على معلومات مهمة، ، أما ابتداء من عصر النهضة والتنوير والثورة الصناعية، فصاعداً إلى عصر الفتوحات الاستعمارية، حيث أنتشر المستكشفون والرحالة وآثاريون وجواسيس، وعمليات الاستطلاع المنظمة، فابتدأوا يجمعون المعلومات من كل حدب وصوب،  مستغلين بساطة وسذاجة الناس. فقد أطلعت خلال دراسة الماجستير التاريخ السياسي المعاصر في المانيا، على كتيب يشير بالتفصيل الدقيق إلى واردات ولاية البصرة عام 1910، كما عثر على مصادر مدهشة خلال ترجمتي لكتاب موسوعة تاريخ العرب (4 أجزاء) منها مثلاً تقارير الاستخبارات العسكرية للجيش الامبراطوري النمساوي في ليبيا. وفي أرشيف الاستخبارات العسكرية الألمانية تجد فيضا من المعلومات عن تفاصيل ومفردات دقيقة، وهي معروضة للباحثين، والوصول إليها سهل جداً، أضاف الانترنيت المزيد من السهولة للبحث العلمي والتقارير والدراسات.

الباحث الأوربي حين يفتش في الزوايا المظلمة، يفعل ذلك بمهنية شديدة على الأرجح، سيما إذا كان يعمل ضمن فريق علمي أو تحت إشراف أساتذة، تتراجع النزعات والأهواء الشخصية، والنتائج المعدة سلفاً، المفصلة على أحكام الهوى، وهناك أعمالاً كبيرة صدرت في ألمانيا( برلين / لايبزغ / فرنكفورت) وفي فرنسا، وإيطالياـ وموسكو، ولنينغراد، ولندن ورسوم للمدن العربية رسمت باليد(قبل عصر الكاميرات)، وخلال مكوثي في ألمانيا، وجدت كتباً(مجلدات) ضخمة بطبعات ممتازة، وورق صقيل منها صورة الغلاف طي مقالتنا هذه عن رسامي الشرق من الأوربيين، (360 صفحة)  تضم مئات اللوحات المذهلة، وكتاب آخر عن الإسلام (الفنون والعمارة) ب (640 صفحة)،  تضم تسجيل تام عن تطور الفنون التشكيلية، والعمارة العربي / الاسلامية، ومن يزور المكتبات الأوربية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا)، يجد العجب العجاب من كمية الكتب الكبيرة في جميع التخصصات، فقد وجدت مرة مجلداً كاملاً عن الأدوات المستخدمة في الجراحة التي صنعها العرب واستخدموها في العصر العباسي الوسيط، والمتأخر. تصيب بالدهشة من يشاهدها، فهم يعرفون الكثير مما لا نعلمه.

ناتج ممتاز

في ظل أوضاع كهذه بحثية / مكتبية، وبإدارة أشخاص مهنيين، ألا تتوقع أن يكون الناتج البحثي ممتازاً ...؟ حيث تتوفر الشروط للنجاح، فمصادر البحث متوفرة والمشرفين الاكفاء المخلصين موجودون، وإجادة الباحث لأكثر من لغة، وهمة الطالب ورغبته والمواقع العلمية لا تمنح مطلقاً للأشخاص إلا حسب الكفاءة وإثبات القدرة والنجاح ،، وبعد تدريب طويل، وليس هناك مقياس آخر  وأعرف سيدة ألمانية تعمل بقسم الكتب الإسلامية، في هذا الفرع منذ عدة عقود، ويندر وجود كتاب ليست على علم ومعرفة به.

وحين تتصفح كتاباً يبحث في تاريخ العرب والإسلام، ستصيبك الدهشة لوفرة المعلومات،  والمناهج العلمية في تناول المواضيع والبحث فيها، واستخلاص النتائج، بموضوعية لا علاقة للعواطف والمزاج الشخصي فيها ، والنزاهة الفكرية هي أهم صفات الباحث.

وأخيراً .... من يضع نفسه في مجرى عواصف الكتب والثقافة بصورة عامة، عليه أن يدرك أنه سيضع الكثير والكثير جداً من مصادره المالية(راتبه) في شراء الكتب ومصادر الثقافة،: لوحات مصورات، أسطوانات موسيقى، وفي هذا العصر الذي نعيش، تزايدت وسائل الثقافة الالكترونية بصفة خاصة، ولكن تزايدت المصروفات بالمقابل. فالكومبيوتر من النوعية الجيدة يكلف بين 800 / 1200 يورو، والكوميوتر الممتاز قد يبلغ حتى 2000 يورو، ناهيك عن ملحقات : جهاز تصوير(سكنر) فوتوكوبي، وطابعة، و المخازن للمواد والمصادر،، وركن للعمل مريح  بكرسي وإضاءة مناسبة صحياً  وخط أنترنيت بسرعة جيدة، بهذه المستلزمات و بأمتلاكك هذه المعطيات تكون  بذلك قد أمتلكت شروط النجاح، أما إذا كنت تتقن لغة أجنبية أو أكثر، ستكون قد وصغت العالم بجيبك، ستطلع على مدار ساعات النهار ماذا يجري في أقصى أقاصي الكرة الأرضية، وتستطيع بسرعة خلال ثوان أو دقائق معدودة أن تضع أمامك ما تشاء من معلومات ومعطيات وأفكار  وصور وأخبار وتطورات. وتدخل متاحف العالم والمكتبات العملاقة، والاطلاع على عدد لا يحصى من الموسوعات ولكنك ستخرج بحصيلة : عيون متعبة، وظهر منحني، واضطراب في جدولك اليومي، ولكن تأكد أنك ستخرج عالماً مثقفاً وكما يقول الشاعر خليل الحاوي :

ضيعت رأس المال والتجارة

عدت إليكم شاعراً في فمه يشارة

يقول ما في الفصول

قبل أن تأتي الفصول

معنى كلمة الثراء هو الثراء النفسي والروحي، وللأسف في بلداننا منذ عقود طويلة الكتب التي غالبيتها تبحث في ما لا يفيد، كيف عطس فلان وكيف تجشأ الزعيم فلان، وماذا حلم ..؟

 


مشاهدات 44
الكاتب ضرغام الدباغ
أضيف 2024/07/20 - 1:17 AM
آخر تحديث 2024/07/21 - 2:20 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 64 الشهر 8856 الكلي 9370928
الوقت الآن
الأحد 2024/7/21 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير