أسباب اندلاع ثورة العراق الكبرى 1920

سامي الزبيدي

كانت الشرارة الأولى التي أشعلت ثورة العراق الكبرى ثورة العشرين هي اعتقال الشيخ شعلان ابوالجون شيخ عشيرة الظوالم في الرميثة التي تتبع عشيرة بني حجيم من قبل حاكم الرمية البريطاني الذي استقبل الشيخ شعلان بعبارات توبيخ واسمعه كلام لا يليق برئيس عشيرة الظوالم فرد الشيخ شعلان عليه بالمثل واخبره ان سياسة بريطانيا في العراق ستتسبب بمشاكل لا يحمد عقباها وانتم في العراق ولستم في الهند والعراقيون ليسوا مثل الهنود فقام حاكم الرميثة الانكليزي بإدخال الشيخ السجن لحين وصول قطار الرميثة الذي يتوجه الى الديوانية ليرسله مخفوراً الى حاكم الديوانية عندها أرسل الشيخ شعلان مرافقة الى عشيرة الظوالم ليخبرهم بما حدث لشيخهم فأرسل الشيخ غثيث الحرجان عشرة رجال أبطال من عشيرة الظوالم  وتوجهوا الى الرميثة وعند وصولهم السراي مقر حاكم الرميثة عصر يوم 30 حزيران 1920 قاموا بقتل اثنين من حرس السراي واخرجوا الشيخ  شعلان وهم يرددون (هوساتهم) الشعبية منا (يابن الحر ممشاك براضه) أي لا تتعب نفسك بالسير فنحن معك وقد رفعت عشيرة الظوالم رايات الحرب على البريطانيين بعد ذلك  قام ثوارالرميثة برفع قضبان سكة القطار بين الرميثة والديوانية وحفروا الخنادق للتهيؤ لصد هجمات البريطانيين المتوقعة عليهم  ومن الرميثة امتدت الثورة الى باقي مناطق الفرات الأوسط حيث اجتمع يوم 11 تموز رؤساء عشائر المشخاب في مضيف الشيخ عبد الواحد الحاج سكر وقرروا إعلان الثورة وامتدت الثورة الى الكوفة والنجف وكربلاء والحلة ثم أعلن الشيخ ضاري شيخ عشيرة زوبع الثورة بعد ان وصلته رسائل من شيوخ الفرات الأوسط ومن رجال الدين تدعوه لمساندة الثورة فأعلن الثورة وعندما استدعاه الضابط البريطاني لجمن يوم 12 أب وقام بتوبيخه وتوجيه كلام لاذع له عندها أمر الشيخ ضاري ابنه بإطلاق النار على لجمن فارداه قتيلا وبدأ الشيخ ضاري بمهاجمة القوات البريطانية على إطراف بغداد وفي محطة قطار التاجي وامتدت الثورة الى الفلوجة ولواء الدليم وعانة وفي الجنوب ثارت عشائر لواء المنتفك وعشائر سوق الشيوخ والناصرية ومن ثم امتدت الى بغداد وسامراء ولواء وديالى والخالص وخانقين والمقدادية والى كركوك وكفري وتلعفر , فكانت عملية اعتقال الشيخ شعلان أبو الجون الشرارة الأولى لاندلاع ثورة العشرين وإضافة لحادث اعتقال الشيخ شعلان فان  أسباباً عديدة ساعدت في اندلاع ثورة العراق الكبرى وامتدادها الى مناطق العراق المختلفة وأهمها:                                                                                                                 1. العامل الديني حيث أعلن علماء الدين الجهاد المقدس ضد المستعمر البريطاني واعتبر العلماء ان الثورة مجابهة للظلم وتحقيقاً للحرية والاستقلال وهذا هو الجهاد الأكبر المقدس وكان العامل الديني ابرز واهم أسباب الثورة العظيمة .

خربات البلاد

2. العامل الاقتصادي فقد أدرك الشعب العراقي ان الاحتلال البريطاني سيكون استغلالاً لخيرات البلاد ومواردها وثرواتها وان جاء مغلفاً بغلاف التحرير والاستقلال وفي أعقاب الاحتلال البريطاني حدث اختلالاً كبيراً في الحياة الاقتصادية حيث ارتفعت الأسعار وقلت بعض المواد الأساسية وازدادت البطالة ونشأت طبقة جديدة من أغنياء الحرب في المجتمع أثرت على حساب الناس وبقيت الأغلبية من الشعب في حالة ضنك عيش وفقر .                                                                                                3. العامل السياسي لقد عمد الحلفاء بعد الحرب العالمية الأولى الى تسويف موضوع تقرير المصير والاستقلال الذي وعدوا فيه الشعب العراقي شعوب المنطقة قبل الحرب وتبين ان الغاية التي أعلنتها بريطانيا وفرنسا لإعلان الحرب هي تحرير الشعوب التي رزحت تحت الاستعباد التركي ما هي إلا كذبه حيث اتفقت بريطانيا وفرنسا في مؤتمر سان ريمو عل اقتسام العراق وسوريا وفرض الانتداب عليهما مما يدل على بقاء بريطانيا في العراق كمستعمر جديد وهذا ما رفضه الشعب العراقي .4. العامل الإداري فبعد سيطرة البريطانيين على العراق فرضوا عليه نظاماً غريباً فقد أطلقوا العنان لكبار الإقطاعيين ومنحوهم أراضي واسعة لضمان ولائهم وبعد ان استتبت لهم الأمور بدؤوا بتقليص نفوذ بعض الإقطاعيين وإثارة الخلافات بينهم بمحاباة إقطاعي على آخر مما أدى الى تذمر بعضهم , وكان هؤلاء الإقطاعيين يسومون أبناء عشائرهم وفلاحيهم العذاب ويستغلونهم أبشع استغلال مما أدى الى نقمة الفلاحين على الإقطاعيين وفوق هذا كله فقد تعسف البريطانيون في جباية ضريبة الأرض من الفلاحين مما زاد من تذمر الفلاحين , ثم ان البريطانيين وضعوا في كل دوائر الدولة موظفين هنود ومن ساعد البريطانيين في احتلال العراق وهؤلاء غرباء عن البلد لا يتجاوبون مع متطلبات ومشاعر أبناء الوطن ومن مظاهر تعسف البريطانيين الأخرى القبض على الوطنيين ورجال الدين ومعاملتهم بالعنف والقسوة إضافة الى قلة خبرة الضباط البريطانيين في إدارة أمور الألوية والاقضية والنواحي وهذا مما زاد في تذمر الشعب وحفزه للقيام بالثورة .                                                                                            5. العامل العسكري لقد شعر العراقيون قبل اندلاع الثورة الكبرى بضعف بريطانيا العسكري حيث كانت اغلب الفيالق والجيوش البريطانية في دور التسريح بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وقد غادر العراق قوات بريطانية كبيرة لهذا الغرض وهناك قوات أخرى تتهيأ للتسريح وعند انطلاق الرصاصات الأولى لثورة العشرين  كانت قطعات الجيش البريطاني تصطاف في إيران في الوقت الذي كانت الدلائل تشير الى قرب اندلاع الثورة في العراق .                                                                                       6. لقد سرت الروح القومية في أجزاء الإمبراطورية العثمانية في أواخر عهدها سريان النار في الهشيم وكان من تلك الأجزاء العراق فقد تجاوب شيوخ وأبناء العشائر الثوار مع رجال الثورة في بغداد والمدن العراقية الأخرى حيث شكلت الجمعيات والنوادي القومية كما تجاوب العراق مع الحركة القومية الاستقلالية في سوريا وثورة الشريف حسين في الحجاز وكشفت ثورة العشرين عن روح التضامن بين العراقيين على اختلاف أديانهم وطوائفهم وأجيالهم  وأيضاً بين إخوانهم في الدول العربية فكان للعامل القومي أثره في اتساع مساحة الثورة .