الخطوط الحمر
سامي الزبيدي
من المصطلحات التي يتداولها السياسيون وغيرهم في أحاديثهم ومقابلاتهم عبر الفضائيات ووسائل الإعلام الأخرى مصطلح الخطوط الحمر خصوصاً عند كلامهم عن قضايا مهمة قد تكون مفصلية وحدية لا تقبل المهادنة أو التراجع عن فكرة معينة أو قراراً قد تم اتخاذه , وما أكثر القضايا التي وضعوا لها خطوطاً حمراء لكنهم تجاوزوا هذه الخطوط بسهولة عندما تتعارض و مصالحهم الحزبية والطائفية وكما تجاوز الإخوة الأكراد الخط الأخضر الذي حددته الأمم المتحدة للمناطق الكردية في شمال العراق في تسعينيات القرن الماضي واستولوا على مناطق عديدة من محافظات نينوى وديالى وكركوك وضموها الى كردستان العراق بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003,والأمثلة على الخطوط الحمر عديدة فطالما سمعنا من أغلب السياسيين بكل قومياتهم وفئاتهم وأحزابهم ان الدستور خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه أو القفز على مواده لكنهم تجاوزوه كثيراً عندما تتطلب مصالحهم الحزبية والفئوية ذلك وابسط هذه التجاوزات الاعتقال بدون مذكرات اعتقال قضائية والتوقيف دون أوامر قبض وإبقاء الموقوفين لأشهر وحتى سنين دون محاكمة وتعيين ذوي الدرجات الخاصة ووكلاء الوزارات والقادة الأمنيين دون عرضهم على مجلس النواب والقيام بعمليات عسكرية واسعة دون الرجوع لمجلس النواب وتجاوز المدد الدستورية لتشكيل الحكومات أو تشكيل مجالس المحافظات كما يحدث هذه الأيام في ديالى وكركوك أو انتخاب رئيس جديد مجلس النواب بعد إعفاء الرئيس السابق كما هو حال مجلس النواب اليوم وغير ذلك من الأمور التي تجاوز فيها السياسيون الخطوط الحمر, واغلب السياسيين عندما يتحدثون عن المرجعية الدينية يقولون ان المرجعية خط احمر لا يمكن تجاوزها وقد تجاوزوها كثيرا في تعيين المجرب الذي قالت المرجعية عدم تجربته ثانية وتعيين من لا تتوسم فيه الكفاءة والنزاهة في مناصب وزارية ومناصب خاصة وتم تعيينهم وغيرها من الأمور التي تم تجاوز المرجعية فيها, وإذا كانت هناك خطوط حمر للقضايا المهمة والمصيرية كما يقولون فلماذا لا يضعون خطوط حمر للخروقات الأمنية المتعددة وللسلاح المنفلت الذي يقتل الأبرياء وحتى القوات الأمنية والذي يتسبب في خسائر بشرية ومادية كبيرة وخطوط حمر لعمليات الاغتيالات والخطف والتجاوز على الممتلكات الخاصة والعامة والتجاوز على هيبة الدولة من قبل سياسيين متنفذين وميليشيات مسلحة تابعة لأحزاب وكتل سياسية متنفذة ولماذا لا يضعون خطاً أحمراً للمحاصصة الحزبية والطائفية التي أصبحت سيدة المشهد السياسي وسيدة كل المناصب المهمة في الدولة والحكومة وتسببت في العديد من الكوارث والماسي للشعب والوطن , ولماذا لا يضعون خطاً أحمراً للفساد المستشري في اغلب وزارات الدولة ومؤسساتها ومحاسبة كبار الفاسدين وحيتانه مثل صغارهم وعدم التستر عليهم.
شركات اجنبية
ولماذا لا يضعون خطاً احمراً لعمليات سرقة المال العام واخذ العمولات من الشركات الأجنبية والمحلية وسرقة أموال المشاريع الخدمية التي أصبحت نهباً للأحزاب والكتل السياسية وعلى حساب تأمين الخدمات للشعب , ولماذا لا يضعون خطاً احمر على تعيين الجهلة ومزوري الشهادات الجامعية وعديمي الخبرة والتجربة الذين سيطروا على اغلب المراكز والوظائف المهمة في الدولة والحكومة وابعدوا التكنوقراط والمهنيين والكفاءات الوطنية الخبيرة والمجربة والنزيهة من اخذ دورها في خدمة بلدها وشعبها ولماذا يضعوا خطوطاً حمراء للفقر والأمراض والجهل والأمية هذه الآفات التي استفحلت بين أبناء شعبنا حتى وصلت نسبها الى أرقام مخيفة تهدد المجتمع بكوارث اجتماعية كبيرة. أيها السياسيون لقد مل الشعب من خطوطكم الحمر التي وضعتموها أنتم ثم وتجاوزتموها عندما تعارضت وأهدافكم ومكاسبكم ومصالحكم الشخصية والحزبية والفئوية الضيقة وضربتموها عرض الحائط من اجل منافع شخصية وحزبية وطائفية أو لغايات أخرى وضعوا بدلا عنها خطوطاً بيضاء لتحقيق السلام والمحبة والتعايش السلمي بين أبناء البلد الواحد والشعب الواحد الذي اكتوى بنيران الطائفية والمناطقية والمحسوبية ومل المحاصصة المقيتة التي أخرت البلاد ودمرت العباد , وضعوا لنا خطوط زرقاء كزرقة سماء العرق ووشحوها بألوان قوس قزح يمثل كل أطياف الشعب العراقي القومية والدينية والمذهبية دون تمييز,وضعوا لنا خطوطاً خضراء بلون نخيل العراق وخضرة حقوله ومروجه لنجلس تحتها وعليها جلسة مصالحة وطنية حقيقية تضم كل من وقع عليه الظلم والجور والفقر والمرض والاعتقال التعسفي والتهــجير والإبعاد والتهميش مع من بيده مفاتيح الأبواب الموصدة والطرق المغلقة والعقد والمشاكل المستعصية لتنتهي مشاكل العراق التي تحول دون تقدمه وتطوره ولحاقه بركب الأمم والشعوب المتطورة والسعيدة وكفاكم خطوطاً حمراء تخدم أهدافكم ومـــصالحكم الحزبية والفئوية الضيقة لا تفيد الشعب والوطن بشيء .