الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عندما يعفى المسؤول

بواسطة azzaman

عندما يعفى المسؤول

حسين الزيادي

تألمت كثيراً وأنا ارى معالم الفرح والزينة والابتهاج في إحدى دوائرنا الرسمية المعتبرة، وكان ذلك بمناسبة اعفاء مديرها العام، ولاريب أن هذه الظاهرة تؤشر خللاً عميقاً في اتجاهات محورية ثلاث: الخلل الأول في المنظومة التي نصبت هذا المسؤول وجعلت منه متحكماً في مصير الناس، متعسفاً في استعمال سلطته التقديرية إلى الحد الذي جعل منتسبيه ينحرون الذبائح فرحاً برحيله غير المأسوف عليه، وهذه المنظومة للأسف الشديد رجحت معيار المحاباة والقرابة والصداقة على معايير النزاهة والإخلاص والإنسانية، واستبدلت المتون بالهوامش واستبدل الذي هو خير بالذي هو ادنى ، وهي معايير تتعارض مع مبادئ العدل، والإنصاف، والاستقامة ، والكفاءة، التي رسمتها الشريعة السمحاء، فالمقبولية الاجتماعية للشخص تبقى أهم المعايير وبدونها تفقد المؤسسة روح الأبداع والعطاء والنمو وتبقى بؤرة للمشاكل والأزمات، ولنا في عهد الإمام علي عليه السلام لعامله لمالك الأشتر أسوة وتجربة في انتقاء المعايير الصالحة لتولية الولاة والقضاة، وهي ضوابط تهدف إلى الارتقاء بالمجتمع وتحقيق مصالحه.

أما الخلل الثاني فيتمثل بكثرة المتزلفين والمتملقين والمنافقين الذين لم يكتفوا بعدم قول الحق بل صفقوا للباطل وطبلوا له، وجعلوا المسؤول يعتاش على عبارات المديح المزيفة ليبقى شغله الشاغل استمرار البقاء في مناخ ملبد بغيوم الكراهية والضغينة، ويتناسى المهام الرئيسة التي كلف بموجبها، فيبدأ يعيش في دوامة (رهاب السقوط) خشية فقدانه للقيمة المضافة للمنصب فهو يدرك تماماً انه لا شيء بلا منصب،  فينشغل بملاحقة الآخرين بدوافع الحقد العداوة أو لكونهم مبدعون،  يشعر انهم مصدر تهديد لبقائه، أما معاونيه فغالباً ما يختارهم من الطبقات الهشة المتزلفة الذين يدينون له بالطاعة العمياء، عموماً هذا الخلل المجتمعي يخضع للجدلية النسبية وهو مرتبط بالثقافة العامة لبعض الشعوب والطوائف، وهو بحاجة لانتفاضة في التغيير الاجتماعي .

أما الخلل الثالث الذي تؤشره هذه المظاهر فهو خلل قيمي نفسي عقدي،  فمسؤول تبتهج رعيته برحيله، ولم يستطع ان ينشأ علاقة مودة معهم لأربع سنوات، لاشك انه يعاني من عقداً واضطرابات ومتلازمات لا حصر لها جعلت منه انساناً يعتاش على المشاكل والأزمات والخصومات، وهذا  ينمّ عن فراغ عقلي ونفسي وخواء علمي ومعرفي ، وبعد حقيقي عن طريق الله سبحانه وتعالى، وربما لو وجد ما يشغله لانتهى، ومن هنا فاختيار ذوي المناصب يجب ان يخضع لمقاييس نفسية وقياسات اخلاقية وكفاءة مهنية ومقبولية اجتماعية، ودراسة لتاريخ الشخص القريب والبعيد، لان في ذلك مسؤولية وأمانة شرعية واخلاقية وقانونية ينبغي الالتزام بها.

ربما يتناسى البعض انه عندما يحصل على موقع أو منصب في محيطه الاجتماعي، فإنه يكون أمام اختبار جديد وخطير أمام خالقه وأمام الناس وهكذا هي الحياة ، ساحة امتحان وابتلاء في كل حال من أحوالها وقد رويّ عن الامام علي عليه السلام قوله: (الولَايات مضامير الرجال) ، فالمنصب  ليس عرشاً يعتلي عليه البعض ليأمر وينهى، وليس تاجاً ينصبه المسؤول على رأسه، بل هو خدمة لقضاء حوائج الناس والارتقاء بعمل المؤسسة بكل الاتجاهات، ويجب على صاحبه بذل أقصى الجهد لأداء واجباته الوظيفية بكل وطنية ونزاهة واخلاص بعيداً عن الضغائن والدسائس والاحقاد، ومعاملة الجميع على قدر سواء، لا تفريق بين مواطن وآخر.

ان المنصب بكل سلطته التقديرية فضلاً عن كونه أمانة فهو عبادة خالصة لوجه الله تعالى، فالأصل هو تحفظ المسلم الراغب في النجاة لنفسه من المناصب قدر المستطاع إلا ان يكون هدفه مساعدة الآخرين وتطبيق قواعد الانسانية والقانون، فقد قال رسول الله صلى الله عليه واله: ما من رجل يلي أمر عشرة فما فوق إلا أتى الله مغلولا يوم القيامة يده إلى عنقه.


مشاهدات 463
الكاتب حسين الزيادي
أضيف 2024/06/01 - 12:59 AM
آخر تحديث 2024/06/30 - 2:10 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 295 الشهر 11419 الكلي 9361956
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير