الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
رزاق ابراهيم حسن 1946-2020.. غادر الحياة جسداًولم يغادرها فكراً

بواسطة azzaman

رزاق ابراهيم حسن 1946-2020.. غادر الحياة جسداًولم يغادرها فكراً

اكرم الشيخ مهدي مقلد

تلك الزاوية الشرقيه من مقهى الشابندر ، لم تزل تأنُ وتذرف دموعها الغدار ، منذ فقدت من كان يملأها مكاناً وحضوراً ، وهو الراحل الذي لم يرحل ( رزاق ابراهيم حسن)، تلك الزاويه هي خيرُ شاهدٍ على كرمٍ وخلقِ ثقافة الفقيد ، وهو يساعد طلبة الدراسات العليا ، موجهاً إياهم في كتابةِ رسائلهم ، وينالون إثرها أفضل النتائج ، دافعهُ لذلك لم يكن مادياً كما إعتادَ عليه الغير ، ما جبل عليه من كرمِ الخلقِ ونبل المقصد ، هو الذي يدفعهُ لذلك . وانا جالسٌ قريباً من الحاج محمد الخشالي صاحب مقهى الشابندر ، ألمح وجه الحاج يتهللُ باشاً ومرحباً بأبي وسام ، وتلك كنيتهُ قائلاً: ما أعذب هذا الانسان ! . في العام 1946 ، النجف الأشرف شهدت إحدى أزقة المدينة محلة العمارة ولادة الطفل رزاق ابراهيم حسن ، وعمت الفرحة بيت الحاج ابراهيم بهذا المولود الذي قدرَ له لاحقاً ان يحتل مكانه بارزه بين أدباء وموسوعي العراق ، ولأن الصعاب تخلق الرجال الأصلاء ، فكان للظروف الصعبة التي أحاطت بالفتى رزاق أن خلقت أمام هذا الفتى عائقاً في ولوج المدارس من ابتدائية وثانويه ، فكان إن ثقفَ نفسه ذاتياً . وعرف عنهُ مبكراً ميله الى تثقيف نفسه ، فهو لم يترك قصاصةَ ورقٍ تمر بين يديه إلا وقرائها ، هذه الأمور دفعت به أن يسافرَ في مدارس الفكرِ المختلفة سواء منها العربية او الغربية . ولم تمضي سنوات طوال حتى غدا واحداً ممن يحتلون بجدٍ وجدارةٍ الصفحة العراقية الثقافية . مميزات أغنت تجربتهُ الثقافية: كما اسلفنا سابقاً ان ظروفه الصعبة جعلتهُ يقتحمُ مبكراً ميدانَ العمل كعامل بناء ، مما هيئ له ان يكون خير مدافع عن حقوق العمال والكادحين ، بل عدَ كواحدٍ من ابرز اصواتهم المثقفة ، ومجلة وعي العمال تشهد على ذلك ، وهو الذي عمل فيها سنواتٍ طويله امتدت من سبعينيات القرن الماضي ، وهذا برايي جعلَ منه ليس مثقفاً بمعناه الكلاسيكي فقط ، بل حازة وبجدارةٍ على لقب المثقف العضوي . لم يكن يمارس موهبتهُ من ابراج عاجيه مثل «افندية المثقفين « لا وظفها في خدمة مجتمعهِ. رأي النقاد في موهبتهِ: يقول الاستاذ حمدي العطار بأن رزاق ابراهيم «يملك أسلوبه الخاص في النثر والشعر يلجُ الى عمق الوجدان للقارئ مع روحٍ متخمةٍ في اللغة والنقد . وفي توصيفٍ للكاتب شكيب كاظم « ان القلمَ يمضي رخاءً منساباً غذباً كأنه الجدول الرقراق « . وكثير من المثقفين يعتبرون رزاق إبراهيم وهو صاحب الحس الشعبي المرهف أفضل من كتبَ عن المقاهي البغدادية وعلاقتها بظهور المدارس الفكرية ، ولم يزل الى اليوم يعدُ كتاب مقاهي بغداد الثقافية مرجعاً مهم للباحثين عن مقاهي بغداد ، وقد صدر هذا الكتاب ضمن الموسوعة الصغيرة عن دار الشؤون الثقافيّة. مثل رزاق إبراهيم حسن جيلاً لم يكن مهتماً بانتماءات إيديولوجية فارغة المحتوى ، وهو قد عاصر فترةً تعد اقسى فتره مرت على الوطن العربي من الناحية السياسية وتصارع الأيديولوجيات ، فهو واحد من جيلٍ توجهَ لبناء أدب وثقافه خارج السياقات المألوفة تتجاوز ما نشأ عليه جيل سابق ، هدفهُ ان يكون معبراً عن حقوق انسانيه بحته . وفي مقاله للباحث جميل العتابي يلخص فيها رايهُ بالكاتب ، يستطرد « لأن ما تكبهُ رزاق ابراهيم يمثل جزءاً من حياتنا اليومية ، فإنه ما يزال حاضراً بيننا « .و يحدثنا الاديب حسين الجاف في مقاله « تعرفت عليه عن طريق القاص الكردي المبدع الاستاذ يوسف الحيدري ، كان الرجل معجباً بأدب الاستاذ ابي وسام وصديقاً مقرباً منه ، ولطالما جمعتنا مقاهي ادبيه مثل البرلمان وحسن عجمي والزهاوي والبلدية ، فتلك الجلسات كانت منتظمة وتبدو وكأنها طقساً مقدساً وكان المرحوم رزاق ابراهيم من رواد تلك الجلسات . إذن من هنا شكل رزاق ابراهيم ظاهرةً ادبيه جديرة بالثقة والاحترام والدراسة ، أنجز الكثير من الروائع في ميدان الشعر والنثر والنقد والقصة القصيرة ، يكفي القارئ الفطن إلقاء نظرةٍ سريعة لبعضِ ما أنجزه هذا الرائد ليحكمَ من خلالهِ أنهُ أمامَ عبقريه عصاميه ، هي خير ما يعبر عن العراقي الملهم . أيها الغائب الحاضر المتعدد المواهب والمثقف الشامل في كل اتجاهات الثقافة ، يزين ذلك كله خلق نادر يقترب من خلق الأتقياء ، انت اليوم تنعم في دار السكينة حيث لا لغوٍ ولا حديثٍ زائف ، ولكن ثق ونحن نحتفل بذكرى رحيلك إنكَ لم تزل ذلك الغائب الحاضر ، فنم قرير العين فأنت في الوجدان والضمير ما بقيت الدنيا حيةً أكرم الشيخ مهدي مقلد.


مشاهدات 410
الكاتب اكرم الشيخ مهدي مقلد
أضيف 2024/06/01 - 12:30 AM
آخر تحديث 2024/06/30 - 2:11 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 279 الشهر 11403 الكلي 9361940
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير