الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الثقافة والمحاصصة الحزبية والطائفية

بواسطة azzaman

الثقافة والمحاصصة الحزبية والطائفية

سامي الزبيدي

 

أفرزت العملية السياسية في عراق ما بعد 2003 العديد من الظواهر والإفرازات السلبية وكان اخطر هذه الإفرازات المحاصصة الحزبية والطائفية التي أصبحت سمة وهوية كل الحكومات التي تشكلت بعد الاحتلال الأمريكي للعراق , ان الطائفية بصيغتها الحالية لم تكن معروفة في العراق لا في الحقبة الملكية ولا في الحقبة الجمهورية التي أعقبت سقوط الحكم الملكي في العراق والمشكلة ان اغلب السياسيين يعتقدون ان المحاصصة الطائفية والحزبية في شكلها الحالي هي الحل لمشكلة  تعدد الأديان والمذاهب والطوائف والأعراق وهم واهمون  طبعاً لان توزيع المناصب في الدولة والحكومة  بين الأحزاب والكتل السياسية وفق محاصصة مقيتة لا يمثل حلا لهذه المشكلة بل يعقد المشهد السياسي ويشرعن للطائفية ويعتبر اعترافاً صريحاً بها لأنه يرسخ مفهومها ويروج لها ويغذيها كما انه يفرق اللحمة الوطنية والتعايش المجتمعي ويقتل روح المواطنة ويلغي دور الكفاءات والنخب العلمية والثقافية والمهنية الخبيرة المجربة من اخذ دورها ومكانها الملائم في العملية السياسية وفي خدمة الوطن والشعب , والمشكلة الكبيرة ان هذه المحاصصة لا تقتصر على الوزارات والمناصب التي يسمونها سيادية مثل وزارات الدفاع والداخلية والخارجية والنفط وغيرها بل امتدت لتشمل كل الوزارات والهيئات المستقلة ومناصب  وكلاء الوزارات والمدراء العامون وكل المناصب الأخرى التي تحتاج الى كوادر مهنية وعلمية وتكنوقراط  كفوءة ومتخصصة  دون النظر الى دينها ومذهبها وقوميتها قادرة على النهوض بالمناصب التي توكل إليها بكل كفاءة ومهنية وإخلاص خدمة للمصلحة العامة للشعب والوطن ومن هذه الوزارات والهيئات وزارة الثقافة ووزارة  الشباب والرياضة وزارة الاتصالات وشبكة الإعلام والمناصب الفنية والسياحية وغيرها وما يهمنا في هذا الموضوع هو الهيئات والمؤسسات الثقافية لان الثقافة عبارة عن نشاطات وفعاليات مجتمع بأكمله فالثقافة تعكس الوجه الحضاري للبلد وهي مثل الأنشطة  والفعاليات الأخرى العلمية والاجتماعية والفنية والتربوية وغيرها موجودة لدى كل شرائح المجتمع على اختلاف مذاهبهم وأديانهم وقومياتهم ويمكن للفعاليات الثقافية ان تتبلور وتنهض وتسمو عند فئة أو طائفة صغيرة في المجتمع اكبر من  فئات ومذاهب كبيرة نظرا لخلفية هذه الفئة ونشاطها واحتكاكها بالثقافات الأخرى ومتابعتها للأحداث الثقافية وتفاعلها مع المؤسسات والتجمعات الثقافية العالمية والسؤال هنا لماذا يتم إخضاع الثقافة ومؤسساتها في الحكومة والدولة في العراق للمحاصصة الحزبية والطائفية المقيتة بحيث يتبوأ مسؤولية الهيئات والمؤسسات الثقافية أشخاص لا علاقة لهم بالثقافة لا من بعيد ولا من قريب فقط لأنهم ينتمون الى حزب أو كتلة كبيرة مؤثرة ومن أهم هذه الهيئات هيئة الإعلام والاتصالات وكل مفاصل الإعلام المقروء والمسموع والمنظور والمكتبة الوطنية  والمتحف الوطني ومؤسسة السينما والمسرح ودور النشر والكليات والمعاهد الفنية ومؤسسة ثقافة الطفل والمستشارين الثقافيين في الوزارات والملحقين الثقافيين في السفارات العراقية بشكل خاص فالملحق الثقافي يعكس ثقافة بلده في البلدان والمجتمعات التي يعمل فيها .

محاصصة حزبية

ان الثقافة ليست حكرا على حزب أو طائفة أو فئة أو مذهب حتى يتم إخضاعها للمحاصصة الحزبية والطائفية إنها ثقافة مجتمع بأكمله وهي فعاليا وممارسات ونشاطات ومخرجات امة  كاملة فلماذا نكبلها بقيد المحاصصة الحزبية والطائفية ونخنق فظاءاتها ونقتل إبداعها ونمحو القها ونؤئد تطورها . لقد جرت محاولات عديدة في بعض الحكومات لإسناد  بعض المناصب والمهام في المؤسسات الثقافية لبعض حملة الشهادات الجامعية من أعضاء الأحزاب والكتل المشاركة في العملية السياسية لتأطير عملية المحاصصة  بإطار جميل والكل يعلم ان المؤهل الأكاديمي وحده لا يكفي ما لم يقترن بالاختصاص والكفاءة والخبرة والتجربة فتعيين إعلامي مغمور على رأس مؤسسة إعلامية كبيرة وخطيرة و وتنصيب خريج كلية أهلية قليل الخبرة والتجربة على رأس أكاديمية فنية أو ثقافية أو تربوية ليس حلا ناجعا وكأن المسالة مسالة مؤهل أكاديمي فقط إنها ليست كذلك إنها مسالة  دراسة وخبرة وكفاءة وممارسة لسنوات طويلة حتى تشفع للمثقف من ان يتبؤأ منصباً  مهماً في أروقة الثقافة وإذا أريد للثقافة  في بلدنا ان تنهض وتنفض عنها غبار سنين عجاف وإذا أريد لها ان تخطو خطوات صحيحة نحو الأمام لنترك الثقافة لمن يعرف كيف يسلك سبلها ويغوص في أعماقها ويعرف كنهها وجوهرها وأهميتها ولمن يستطيع أن ينهض بها وفق تخطيط سليم وعمل دؤوب وبناء حقيقي لكي يسمو بها في رحاب العراق الواحد الموحد ثم يذهب بها بعيدا عن حدود العراق الى آفاق إقليمية ودولية مستنهضاً تراث وثقافة وتاريخ وحضارة  بلده الذي عرف  الكتابة والفن والعمارة قبل أكثر من خمسة آلاف سنة .


مشاهدات 499
الكاتب سامي الزبيدي
أضيف 2024/05/29 - 4:22 PM
آخر تحديث 2024/06/30 - 2:19 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 281 الشهر 11405 الكلي 9361942
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير