أذن وعين

(المايوه) الذي كاد أن يوقف إصدار (ألف باء)

عبد اللطيف السعدون

ربما ما يزال بعض من ساهم في تأسيس مجلة «ألف باء» حاضرا بيننا، أمد الله في أعمارهم، وربما بعض من هذا البعض يتذكر كيف تظافرت جهود صغيرة من الصحافيين في التحضير لإطلاق مجلة «سمينة» تجمع بين السياسة والثقافة وشؤون الحياة والمجتمع، وبين الصورة الفوتوغرافية والكاريكاتير معا، وربما يتذكر أيضا كيف كاد «مايوه» سباحة أن يعصف بالمجلة، ويعطل اصدار عددها الأول، ولذلك حكاية مثيرة سنأتي عليها.

    في البداية كانت المجلة مجرد فكرة في اجندة المؤسسة العامة للصحافة التي تأسست أواخر عام 1967، وكان هناك طموح كي تتحقق هذه الفكرة، وتخرج مكتملة الى النور، وأوكلت مهمة التحضير للمجلة الى الصحفي المصري علي منير الذي كان يعمل مستشارا في المؤسسة، وطرحت عدة أسماء لها من بينها (الأسبوع) و(كل شيء)، الا أن الرأي استقر في الأخير على اسم «ألف باء» الذي اقترحه علي منير نقسه. 

تكليف التحرير

وقد أعطيت اشارة البدء بالتنفيذ مع تكليف رئيس المؤسسة الناشط السياسي والصحفي غربي الحاج أحمد بنولي رئاسة التحرير وكالة، ونسب علي منبر مشرفا، وعبداللطيف السعدون سكرتيرا للتحرير، و ضياء حسن سكرتيرا للتحرير للشؤون الفنية، وساهم في تحرير الأعداد الأولى أو الكتابة الدورية فيها ماجد السامرائي (التحقيقات)، جليل العطية  (أسرار)، سامي مهدي (الثقافية)، سجاد الغازي(الفنية)، موفق خضر (القصة)، ابراهيم اسماعيل (الرياضة)، خالد علي مصطفى (صفحة فلسطين)، جمال سري (كان يكتب مقالا اسبوعيا في شؤون المجتمع والحياة)، وكذلك محسن الموسوي ومحمد كامل عارف وكاميران قرداغي وسلوى زكو وفاضل العزاوي وعبدالوهاب النعيمي وزيد الفلاحي وآخرون لا تحضرني أسماؤهم، الى جانب رسام الكاريكاتير بسام فرج والمصور جاسم الزبيدي.

   ونظمت للمجلة قبل صدورها حملة اعلانية واسعة، وشاهد الناس لأول مرة اعلانات صوتية ومصورة عن المجلة على باصات نقل الركاب، الى جانب اعلانات في الصحف والاذاعة، وجرى التأكيد على ضرورة التقيد بمواعيد محددة لتقديم المواد، وكذلك لطبع المجلة ولتوزيعها على أن تصل الى يد القارئ قبل الساعة السابعة صباحا من يوم صدورها وهو الأربعاء على خلفية أن مجرد الاخلال ولو لمرة واحدة بموعد وصول المجلة سوى يضعف ثقة القارئ بها، وهكذا استعد الجميع للاحتفال بإصدار العدد الأول ليلة الأربعاء 22 ايار 1968 ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان، وهنا تبدأ حكاية «المايوه» اذ حمل علي منير بضع نسخ من العدد الأول فور خروج النسخ الأولى من المطبعة، وقدمها لرئيس التحرير الذي نقلها بدوره الى وزير الثقافة والاعلام الدكتور مالك دوهان الحسن، وصادف أن كان الوزير على موعد مع رئيس الوزراء آنذاك الفريق طاهر يحي، وكانت أن يطلع الوزير رئيس الوزراء عليها، وعندما قدم له نسخة المجلة أثنى رئيس الوزراء عليها، وبارك الجهد الذي بذله العاملون في المجلة لكنه عندما قلب صفحاتها لاحظ وجود صورة لفتاة ترتدي مايوه سباحة في بحيرة الحبانية على الغلاف الداخلي الأخير.

وقف التوزيع

وامتعض من ذلك وأوعز بوقف توزيع العدد، وكانت الصدمة كبيرة على العاملين في المجلة اذ أن قرار وقف التوزيع صدر بحدود العاشرة مساءا، وليس ثمة وقت لتدارك الأمر، وتأخير صدور العدد يعني اخلالا بالموعد الذي تم الاعلان عنه مما قد يعكس رد فعل سلبيا لدى القارئ الذي كان ينتظر وصول المجلة اليه في الصباح الباكر، وتفتق ذهن علي منير عن حل وهو أن يقوم الكادر الفني في المطبعة بتلوين المايوه باللون الأسود ومده الى القدمين بحيث يتحول الى بنطلون طويل، وبذلك يتم تنفيذ أمر رئيس الوزراء من دون الاخلال بموعد التوزيع، وهكذا سهر الكادر الفني ومعهم كادر التحرير وتم بالفعل الباس الفتاة بنطلونا أسود بدلا من المايوه القصير في كافة نسخ المجلة ما عدا نسخ محدودة تم حفظها في ادارة التحرير كذكرى، وكان أن وصلت المجلة الى القارئ في الموعد المقرر لها، وظهرت على أكشاك الصحف، وتلقفها الجميع دون أن يفطن أحد الى أصل الصورة.

وقد تضمن العدد الأول سبقا صحفيا عن زيارة سرية قام بها ياسر عرفات الى بغداد الى جانب مقالات وأخبار وتحقيقا ت لافتة، كما كتب عبد اللطيف السعدون على الصفحة الأخيرة تعريفا بالمجلة والمعنى الذي يرمز اليه اسمها الذي يمثل الحرف الأول من كلمتين هما «ارادة بلدي» في اشارة الى طموح المجلة في أن تكون قناة معبرة عن الارادة الشعبية، كما حمل الغلاف الأول صورة الرسامة سميرة الصراف التي حاورها الزميل ماجد السامرائي.

بقي أن نذكر بالخير كل من خط حرفا في المجلة أو ساهم في رسم أو صورة فيها، وفي مقدمتهم أول رئيس تحرير لها الراحل غربي الحاج أحمد، والصحفي المبدع علي منير، والزميل الراحل ضياء حسن.