الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
القانون والمجتمع

بواسطة azzaman

القانون والمجتمع

عماد المعيني

 

ما وجد القانون الا لينظم حياة المجتمع من خلال تأطير علاقة الانسان مع نفسه ومع الاخرين سواء الدولة او الغير بأطر واضحة يعرف من خلالها الفرد ما هي حدود حريته وبأن حقوق الاخرين مصانة منه بنفس قدر صيانة حقوقه من الاخرين .

ولأن اختلاف أفكار الناس وثقافاتهم وقناعاتهم ورغباتهم ودرجة ايمانهم فمن الصعب ان تترك الأمور الى تقدير كل شخص وفق ما يريد فجاءت القوانين والتشريعات لتضع القواعد الأساسية لتلك الحقوق والحريات ولأن القوانين ان لم تطبق فلا قيمة لها اذ انها تصبح مجرد تنظير قد يفرغ من محتواه بمرور الوقت ولأن التطبيق يحتاج الى سلطة تتولى تلك المهمة فلابد ان تمنح بعض الصلاحيات التي بها تستطيع ان تجعل تلك القوانين محل اعتبار عند كل الناس فليس هناك مجال لقناعة الناس بتطبيق ما يصدر من قوانين او عدم تطبيقه ولأن الناس تختلف في تلك القناعات فلابد من وضع جزاءات على عدم تطبيق القانون .

هذا الجزاء هو أساس نجاح كل قانون بل هو شريانه النابض بالحياة واسوأ ما في القانون ليس في عدم تطبيقه من الكل بل  تطبيقه من شريحة دون أخرى حيث سيصبح سبباً وغطاء شرعياً لتجاوزالاخرين .

نصوص قانونية

لذلك نجد ان الدولة المتحضرة ليس في حسن نصوصها القانونية وشموليتها بقدر ما يكون في حسن تطبيقها , ومن هنا تتأكد المقولة التي تقول ليس العبرة في عدالة القانون انما في حسن تطبيقه .

ولا مشكلة كبيرة في عدم تطبيق القانون من البعض فهناك جزاء لذلك ولكن المشكلة الحقيقية حين يكون خرق القانون ممن وضعه ومن المسؤول عن تطبيقه وهذا ينضوي على خطرين كبيرين أولهما ان الجزاء سيتم تحييده فليس من المنطق ان يعاقب المسؤول نفسه وثانيهما انه سيسقط هيبة القانون في نفوس الاخرين وحتى الملتزمين منهم .

فحين لا يحترم المسؤول إشارة المرور سقطت هيبة القانون كله في نظر الاخرين وحين ينتظر الجالسون في غرفة الانتظار لمقابلة المسؤول فيدخل شخص عليه بمجرد وصوله سقطت هيبة القانون , وحين يأخذ المسؤول كل الرصيف امام بيته فقد سقطت هيبة القانون , وحين تنجز كل معاملات المعقب أقرباء المسؤول سقطت هيبة القانون , وحين يظهر حماية المسؤول سلاحهم من تحت القميص بشكل مقصود سقطت هيبة القانون , بهذه الأمثلة البسيطة التي اخترتها تسقط هيبة القانون وقدسيته في نفوس الناس فكيف حين يكون المسؤول سارقا ومختلسا وغير نزيه ومحتال والكل يعرف ذلك فالحديث هنا عن هيبة القانون ستكون بوجع اكبر بل وسنصبح حتماً دولة بلا قانون وان كنا اول من شرع القوانين للبشرية .

حين يكون الابتزاز صفة المسؤول فنكون امام عصابة وقرصنة فحين يشتري مواطن خمسين مترا وياخذ من الرصيف اكثر من مساحة بيته فترى الأطفال تمشي في الشارع ذهابا الى المدرسة حيث كل الأرصفة مستغلة لأنهم كسبوا ود مسؤول الأمانة بالمقسوم , هنا سقط اعتبار القانون .

وحين ينهار النظام التعليمي ينهار القانون معه لأننا سنخرج جيلاً جاهلاً برغم مئات الاف الشهادات الجامعية , وحين تنتشر البيوت العشوائية في محرمات الدولة ونجد امام كل بيت منه لوري حديث او تكسي حديثه وهذا يعني انه قادرا على استئجار بيت له ولو على قدر حاله ولا يحاسبه احد  فهنا لم يبق للقانون أي فائدة ومن لا نستفاد منه فنركنه ونهمله .

وحين ترقد في المستشفى ويطلب منك الممرض جلب النيدل من الصيدلية الخارجية لعدم وجوده في المستشفى وانت تعلم حجم المليارات المرصودة لمجال الصحة سيصبح القانون عندك نيدلا مستعملا لا قيمة له .

وحين تنظر الى الشوارع التي تملئها الحفر برغم انها تم تبليطها قبل اشهر قليلة وليس هناك من يحاسب المقاول لأننا سنكون امام مقاولة ثانية لرفع التبليط القديم فهنا يصبح القانون بقيمة اخلاق هذا المقاول وامانته , او حين يأتي ماء الشرب من النهر الى المواطن دون ان يمر بأجهزة التصفية والتعقيم فتصاب الناس بالامراض وشتى أنواع الالتهابات هنا سيصبح القانون اشد خطراً على صحة المواطن لأنه سيكون علاجاً فاسداً يزيد من سؤ حالتنا .

وحين تذهب للتسوق وتجد ان كل الفاكهة والخضار هي مستوردة وانت في بلد النهرين وادنى سعر فيها لايقل عن الالف دينار وليطعم الفقير اهله وجبة (زلاطه) يحتاج الى كيلو خيار وكيلو طماطم وكيلو بصل مع الخبز فيحتاج لكل وجبة خمسة الاف دينار نضربها في ثلاث وجبات زلاطه فقط يحتاج باليوم خمسة عشر الف دينار يعني شهريا قرابة الخمسمائة الف دينار من غير ايجار البيت وخط المولدة والرصيد وهنا وهنا فقط سنلعن القانون الذي لايملىء بطن الفقير .

قوانين دول

وهناك الاف الأمثلة التي لا تحتاج الى (صفنه) لنتذكرها , امام هذه الحالات فقط وحين نعلم ان قوانيننا من اهم واعظم القوانين من حيث الدقة والجودة والرصانة بحيث أصبحت مرجعا للكثير من قوانين الدول وبشهادة خبراء وفقهاء القانون وبنفس الوقت نحن قد نوصف اكثر البلدان خرقا للقوانين وعدم احترامها ، هنا سيصبح الحديث عن قانون حمورابي كالحديث عن الاخلاق والفضيلة في جمع مومسات .

وتتجلى أهمية القانون بمقدار قيمته في تفكير المجتمع وسلوكه وهذا لا يمكن ان يأتي دون الاعتياد على احترام القانون, فكيف نخلق مجتمعا يعتبر القانون والنظام من المقدسات في حياته؟ هذه الكيفية تحتاج الى تثقيف وتوعية للناس, فمن خلال هذه الثقافة القانونية سيدرك الناس معنى القانون واهميته, ومن المؤكد هذا الثقافة لابد ان تبدأ بشئ من الالزام والاجبار لا ان تترك على الرغبات والاهواء, ونقصد بهذا الالزام ان تدرس مادة القانون في المراحل الدراسة المتقدمة وتحديدا الكليات والجامعات بمنهاج يعد من قبل متخصصين في مجال القانون يتعلم منها الطالب اساسيات ومبادى القانون التي تمس حياته بشكل مباشر والتي بها سيعرف المواطن ماهو الخطأ والصواب في تعاملاته اليوميه, وعلى سبيل المثال , حين يعلم المواطن ان الدين اكثر من خمسين الف دينار لا تقبل به الشهادة مالم يوجد سند كتابي بذلك ما عدا الدين بين الإباء والابناء والازواج لوجود المانع الادبي ,او حين يعلم ان التوقيع اهم في الاثبات من البصمة بدون شهود لأن البصمة دون شهود لا يعتد بها او يعلم ان الزوجة تستحق النفقة وان كان لديها راتب او مورد مالي مهما كانت قيمته او يعلم ان العقود لا يمكن إقامة الدعاوى.

 بشأنها ما لم يسبق إقامة الدعوى توجيه انذار للمقابل او حين يقوم احد الورثة باجراء التحسينات على عقار الورثة دون موافقتهم فله الحق بالرجوع عليهم بما انفقه بدعوى الاثراء بلا سبب او لا يحق الرجوع على من نظم صك بقيمة الصك بعد انقضاء ستة اشهر من تاريخ تحريره وهنا يفقد الصك قيمته كورقة تجاريه لا يمكن إقامة الدعوى به امام محاكم الجزاء بل يصبح ورقة عادية لأثبات الدين فقط يمكن تقديمها الى المحاكم المدنية او حين يعلم ان خروج الزوجة من بيت الزوجية دون موافقة الزوج لا يمكن اثباته الا من خلال إقامة دعوى مطاوعة عليها, وهناك العشرات من الحالات التي تمس حياة الناس يجهلونها مما تكون سبباً في ضياع الكثير من حقوقهم إضافة الى بذل المزيد من الجهد والنفقات واشغال المحاكم بإقامة دعاوى لا تأتي بالنتيجة المرجوة منها.

ان اكثر الشعوب المتطورة هي الشعوب المثقفة قانوناً والتي لا تدخل في عمل ما او تصرف معين ما لم تعرف مسبقاً ما هي التبعات القانونية المترتبة عليه بالكامل, وهذا يدعونا للمطالبة بتشريع قانون يلزم كل التصرفات والمعاملات بين الناس ان تنظم من قبل محامي مقابل اجر بسيط للمحافظة على حقوق الناس

ويقينا حين يعلم الناس كل هذه المبادئ والاساسيات سيصبح القانون محل اعتبار وقيمة كبيرة في نفوسهم ويكون حاضراً في كل معاملاتهم فنخلق جيلاً واعيا في هذا المجال ويحترم القانون والنظام وسينسحب هذا الاحترام الى الشارع والنظام العام , وحينها سنعلم كمجتمع ماهو حقا حجم جريمة خرق القانون من المسؤول او من غيره لا ان نسمع بهذا الخرق ويمر دون اثر حقيقي ليصبح مجرد حديث للاستهلاك في المقاهي والطرقات.

والمضحك المبكي ان السواد الأعظم من مسؤولينا يحملون جنسيات دول اجنبية متحضرة ومتطورة , أي انهم اعلم الناس بأهمية القانون وقدسية تطبيقه , جاءوا يحملون شعار مظلوميتهم فكانوا اشد طغياناً وظلماً .

مافائدة القانون بين دفات الكتب او لا نستحضره الا حين يدان الفقير , فائدته كفائدة سور حول مقبرة لا الذين داخل المقبرة يستطيعون الخروج منها ولا الذين خارجها يرغبون الدخول اليها .

اذا من المؤكد ان المشكلة هي في عدم تطبيق تلك القوانين او سؤ تطبيقها وهذا ليس من مسؤولية المواطن الذي هو بطبعه انسان لا يحب التقييد فيميل الى الحرية المفرطة , بل هذه مسؤولية الدولة والجهاز التنفيذي فيها لتحاسب المواطن والمسؤول بنفس الوقت ان كانت الدولة قادرة على فرض الحساب .

لا نحتاج الى أبواب حصينة بقدر ما نحتاج الى حارس امين


مشاهدات 131
الكاتب عماد المعيني
أضيف 2024/05/07 - 5:03 PM
آخر تحديث 2024/05/19 - 5:31 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 323 الشهر 7559 الكلي 9345597
الوقت الآن
الأحد 2024/5/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير