نبض القلم
من للوردة ؟
طالب سعدون
سؤال يبعث على التأمل في الحياة وليس في الوردة وحدها ويقطع الاجابة باحتمال واحد وهو الجمال تؤأم الوردة ... الوردة اغلى من الذهب لانها رمز الحب والجمال ولا يعادلها في القيمة سوى عطرها ..
الوردة كائن تنطق ولغتها الجمال وتتسلح بعطرها وشوكها لتحمي نفسها لكي تؤدي مهمتها في بث السعادة والفرح ..
الحب والتفاؤل والهدوء والمودة والعلاقة الانسانية التي تقوم على الالفة والعطاء والامل .. صفات تجمعها الوردة في عبيرها ولغتها العالمية وهي رمز لثوابت لا تحتمل النقيض ولا تغادر طبيعتها وان حوصرت بالظمأ مثل ( عصفور مبلل بالذعر ) و( فارقتها الينابيع ) وغمرتها الصحراء لتكون وحيدة الا من نفسها ومع ذلك لم تستسلم لها ولم تتحرر من عشقها للمطروهو سر ديمومتها وجمالها .. كما هو الشاعر لم يستسلم للياس ولم يغلق نافذة الامل ينتظر صباحا جديدا كوردته التي لم تزل شابة مغرمة بالطيور وتعشق الماء والعطاء ولم توقع صك عبوديتها للصحراء وتستسلم لشمسها الحارقة وغبارها الخانق ..
كذلك هو الشاعر في مجموعته ( من للوردة ) لا شيء عنده نهاية عدا الموت فالتقاعد قصيدة اختتم بها مجموعته ..
التقاعد عنده ليس نهاية رحلة بل بداية محطة اخرى جديدة من محطات كثيرة مر بها قطار العمر ينطلق منها الى عالم جديد من العطاء ينتظره .. كما هو الشتاء فصل من فصول السنة يعطي للحياة كما هي الفصول الاخرى تعطي ما يناسب طبيعتها وان كان في غصن شجرته الاخير لكنها ( لا زالت تحمله وتحيطه بما يلزم من الهدوء ) و( قادرة على التوافق مع الريح ما دام قادرا على الاتفاق مع غصنها الاخير ) .. فلا يمكن ان نلغي هذا الفصل من حياتها ..
وهكذا وجدت حسن عاتي الطائي في مجموعته ( من للوردة ؟ ) لم يستسلم لليأس ولا للمرض ومستمر بالعطاء وهو بهذا العمر .
مازلت مسلحا بالانهار
لمواجهة الصحراء التي تطوقني
ولهذا
فان تقاعدي اصبح قاربا
اتجاوز به
بحر ترددي
للانسجام مع ما ينتظرني ..
كلمات التفاؤل كثيرة ترددت في المجموعة .. النهر .. الوردة .. الغصن .. الطيور .. الاشجار .. الحديقة .. رموز تبعث على الامل والفرح وان كانت الاحزان ( شقيقة طفولتنا ) كما يقول لكن التمسك بالحياة هو الغالب في المجموعة ..
والانسان المبدع لا يتوقف عن العطاء .. فالسياب وهو على فراش الموت ابدع قصيدته:
لك الحمد مهما استطال البلاء
ومهما استبد الالم
لك الحمد ان الرزايا عطاء
وان المصيبات بعض الكرم
وفي قصيدة النهر والموت يقول : ان موتي انتصار ..
وهكذا وجدت الشاعر حسن عاتي الطائي يتعامل مع الزمن بتفاؤل وهو مستمر في عطائه ومنه مجموعته الجديدة ( من للوردة ؟ ) التي صدرت عن دار الرفاه للطباعة والنشر في بغداد وهي المجموعة الثانية التي تصدرها هذه الدار للشاعر بعد مجموعة حملت عنوان ( ببطء مثل برق ) عام 2020 ليكون رصيده لحد الان خمس مجموعات بدأها من ميسان باشرعة الصباح الاتي عام 1973 وتسجل في مجموعها تطوره الشعري و نظمه للقصيدة العمودية والنثرية باغراضها الانسانية والفلسفية وتمثل تجلياته النفسية والفكرية وعلاقته مع الكلمة ومراحل حياته الشعرية على سنواتها العمرية والمكانية وقدرته على تطويع اللغة والصورة والبيئة والطبيعة لتاتي القصيدة بتلك الجمالية التي تحملها الوردة في كل الوانها البيضاء والحمراء والصفراء وفي كل فصول السنة ... ولكل لون منها ( تعبير وعبير ) كما هي القصيدة في غرضها الشعري والانساني الخاص والعام والحالة النفسية والفكرية عند الشاعر الطائي وتطوره الذي يحمل المزيد و يعطي لكل قصيدة لونها كما هي الوردة في الوانها المتعددة التي تجمعها صفة الجمال والعطر بكل ما يحتويه من معان ومضامين .
ضمت مجموعة ( من للوردة ؟ ) 32 قصيدة نثرية تعكس التجربة الشعرية للشاعر اهداها لاخيه المرحوم حسين عاتي الطائي وفاء ومحبة وشوقا ..
وكان قد اهدى المجموعة السابقة ( ببطء مثل برق ) الى ولدي المرحوم الشاب المهندس ( علي ) الذي توقف شروقه عن السطوع قبل ان يلتقي بنهاره.
من للوردة ؟ .. اضافة جديدة للشاعر حسن عاتي الطائي في تجربته الشعرية ..
وننتظر منه الكثير من العطاء والابداع وهو اهل لذلك .
كلام مفيد :
قالوا : ثلاثة اشياء يستحيل اكتسابها : الشعر .. الكرم .. الصوت الجميل .