الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
كهف شاندر يغفو منتصباً ومحفوراً في قلب برادوست

بواسطة azzaman

مشاهدات من كردستان (1)

كهف شاندر يغفو منتصباً ومحفوراً في قلب برادوست

رعد أبو كلل الطائي    

 

يُعتبر كهف شاندر من اشهر وأحد أهم الكهوف الآثارية للعصور ما قبل التأريخ في العصر الحجري القديم على مستوى العالم وفي منطقة الشرق الأدنى ومنطقة غربي اسيا، يقع الكهف في منطقة أقليم كوردستان العراق في المنطقة الوسطى من أعالي جبال زاكروس عند الحافة الشمالية الغربية لسلسلة جبال برادوست وعلى أرتفاع 822  متراً فوق مستوى سطح البحر  ويبعُد 162 كم من مركز محافظة أربيل .

وكهف شاندر الذي هو أوسع الكهوف في كوردستان العراق  شكله مثلث عرضه 53 م وطوله 40 م وارتفاعه 8 أمتار وتقدر سعة الكهف وارتفاعه بحوالي 25 م ويتسع عرضه من الداخل فيصل إلى 175 قدماً ويرتفع سقفه في الوسط إلى 45 قدماً من الأرضية الحالية للكهف بعد أن توالت عليه طبقات المخلفات والآثار الطبيعة والبشرية طوال أكثر من 100 ألف عام .

أعمال التنقيبات

اُجريت في الكهف تنقيبات آثارية عميقة بإدارة البروفيسور رالف سوليكي من جامعة كولومبيا الأمريكية من العام 1951 م إلى عام 1960 م إذ أكتشف إن النياندرتال هم من شغلوا الكهف أولاً ثم سكنه الإنسان العاقل (هومو سابينز) من العصر الحجري القديم المبكر ثم جاء دور الصيادين وجامعي الثمار من العصر الحجري القديم المتأخر وأخيراً أستوطن الكهف رعاة العصر النيوليتي الحديث، ومن بين أكثر الأكتشافات المذهلة كان العثور على بقايا عظام عشرة من أفراد من النياندرتال من الرجال والنساء والأطفال احدهم (شاندر1)  كان قد أُصيب بجروح بالغة وشُفي بعد ذلك ولكنه توفيَ بعد سن البلوغ والآخر (شاندر 3) وهو الآخر كان قد أُصيب بجرح وشفيَ فيما بعد وهذا يعني إن كلاً منهما تلقى العناية اللازمة من رفاقه .

أما التنقيبات التي تجري منذ عام 2015 م بإدارة البروفيسور جراهم باركر من جامعة كامبريج البريطانية فقد عثرت على المزيد من بقايا النياندرتال بما في ذلك أمرأة بالغة (شاندر 2 ) والتي وضعت مباشرةً بجوار (شاندر 4)، لقد كانا  جزءاً من مجموعة فريدة مكونة من خمسة أفراد على الأقل مدفونين بعناية في نفس الجزء من الكهف على مدار عدة أجيال منذ حوالي 75 ألف عامٍ وتُظهر طرق التأريخ الجديدة إن إنسان النياندرتال كان يستخدم الكهف منذ ما لا يقل عن 40 ألف عام إلى 100 ألف عام عندما أنقرض إنسان النياندرتال في كل مكان، وفي الزيارات الموسمية إلى الكهف وعندما كان المناخ مماثلاً لما عليه اليوم قام النياندرتال بأصطياد الوعول والسلاحف والأسماك وجمعوا البذور والمكسرات لطهيها على النيران، كما مارسوا عدداً من الأنشطة الحرفية حتى إنهم صنعوا عناصر رمزية من المجوهرات مثل الخرز، لقد أظهر كهف شاندر إن ثقافة إنسان النياندرتال كانت أكثر تعقيداً بكثير مما كان متصوراً من قبل مما يجعل الأسباب المحتملة لأختفائه موضوعاً قابلاً للنقاش، كما عُثر في الطبقات العليا من الكهف على مجموعة هياكل عظمية للأنسان العاقل من العصر الحجري الحديث، فيما عُثر في نهاية عام 2019 م في الكهف على هيكل عظمي لإنسان يعود إلى 70 ألف عام قبل الآن، كما وجد في الكهف بقايا عشرٍ من النياندرتال يرجع تأريخهم إلى 35 - 65 ألف عام وكذلك تم اكتشاف مقبرتين في الكهف تعودان إلى العصر الحجري الحديث يرجع تأريخ احداهُما إلى 10 آلاف و 600 عام وتحتوي على 35 فرداً .

الأنطلاق إلى شاندر

وللأطلاع ومشاهدة كهف شاندر كانت لي جولة ميدانية للوصول إلى الكهف ومعاينته ورؤيته عن قرب فأنطلقتُ من مكان سكني في أربيل إلى محطة نقل المسافرين الشمالية في مركز مدينة أربيل وهي محطة انموذجية، عبارة عن بناية منظمة ومصممة بصورة حديثة وممتازة وفي غاية الجمال والأناقة وتحتوي على أماكن للأنتظار وراحة المسافرين ومطاعم للأكلات السريعة ومقاهٍ في حين خصصت أماكن أخرى لوقوف المركبات بنوعيها الصالون للأجرة والتكسي والأخرى للكوسترات والكيا التي تنطلق وجهتها صوب أقضية ونواحي وقصبات المحافظة، أستقليتُ مركبة صالون للأجرة قاصداً وجهتي إلى كهف شاندر سالكاً  طريق شقلاوة وكنتُ أتحدثُ مع سائق المركبة باللغة الكوردية لكوني أجيدُها والحمد لله بطلاقة وبعد عبورنا نفق بيرمام الذي يخترق جبل بيرمام والذي يقع فوقهُ قضاء صلاح الدين الذي اُستحدث مؤخراً بعد أن كان ناحية، وهذا النفق هو نفق للذهاب وهناك نفق آخر للأياب يختصر المسافة بين أربيل وشقلاوة بحدود نصف ساعة وبعد أجتياز النفق وبحوالي ربع ساعة وصلنا إلى تخوم شقلاوة ويكون جبل سفين على يمينك وجبل سورك على يسارك (وسورك معناه أحمر باللغة الكوردية وبالحقيقة تشاهد الجبل احمر اللون وهو ما يعتقد يحتوي على مادة الحديد)، وبعد قضاء شقلاوة اجتزنا نفقاً آخر هو (نفق ميراوة)، بعده أصبحنا في سهل ناحية حرير ومنطقة باطاس والتي غالبية سكانها من اخوننا المسيحيين وبعد مسيرة قرابة عشرين دقيقة كنا امام مرتفع او عارضة (سبيلك) وعند صعودنا صوب العارضة وقبل اكمال صعود المرتفع وفي منتصف الطريق اصبحنا امام مفترق طريقين، فنعطفنا يميناً بأتجاه منطقة بارزان والذي من خلاله نصل إلى كهف شاندر في حين الطريق الآخر على جهة اليسار يؤدي إلى محافظة دهوك، وحين دخلنا قلب منطقة بارزان تغيَّرت أجواء وطبيعة المنطقة الجغرافية برمتها بشكل لا يوصف، ترى مرتفعات وقمم جبالٍ  شاهقة جداً كجبال قنديل وسلسلة حصاروست وكورك ونواخين وظهر السمكة وريزان، وأخرى أقلُ ارتفاعاً تطلُ عليها الغابات ومكسوةً بالأحراش والخضرة والأشجار المعمرة والصنوبر والسرو والبلوط والجوز والسماق وحبة الخضراء والفاكهة بأنواعها كالتفاح والرمان والكروم والزيتون والحمضيات المختلفة وغيرها كُثر تحيط بك من كل صوب من الطريق . وكُنا نشاهد المزارعون والفلاحون يقومون بزراعة سفوح الجبال في المدرجات المروية بالفواكه والكروم والحمضيات والزيتون، كما رأينا أوديةٍ عميقةً مملؤة بالمياه مصدرها ينابيع الجبال ومياه الثلوج والأمطار الغزيرة كلها تتجمع كأنهرٍ صغيرة ومنها نهر ريزان وكذلك مياه سد بخمة مكونةٍ نهر الزاب الأعلى ويجري حتى يصبُ في مجرى  نهر دجلة بالقرب من مدينة الموصل، وتتكرر مشاهد الجبال والوديان والينابيع  والمياه والشلالات والأشجار

على طول الطريق، ولكثرة الغابات وأزهار التوليب والقرنفل والجوري والبنفسج والأقحوان المختلفة فأنك تشم روائح عطرة وطيبة في أماكن كثيرة من الطريق، كما تطلُ في هذه البقاع على سفوح جبالها  وحتى في قممها وبين احراشها بلدات وقرى حديثة وجميلة وواجهاتها مصبوغة بتشكيلات من الألوان الزاهية وسطوحها مغلفة بمادة القرميد لطبيعة المنطقة الجبلية، كل هذه المناظر الطبيعية شكلتّ  لوحات وباقات فنية مطرزة بتشكيل من الألوان الزاهية والفاتنة مما جعلها تجذب وتسرُ زائريها ، وبعد مسير حوالي ساعتين من اربيل وصلنا إلى قصبة شاندر فموقع الكهف المقصود شاندر وهو منتصبٌ في سفح جبال زاكروس وفي الحافة الشمالية الغربية لسلسلة جبال برادوست وعلى أرتفاع 822 متراً عن سطح البحر .

بعد ذلك أقول :

الشئ الذي ابهرني وافرحني الأهتمام الكبير لدائرة سياحة كوردستان التي أولت رعاية للمكان وجعلته منظماً ونظيفاً

وثُبتت لوحات تعريفية في المكان وبلغات متعددة ومنها العربية وإن منسوبي السياحة والآثار هناك يرشدونك إلى الأماكن المجاورة من الكهف ويجيبون عن أي استفسار تطلبه وبكل شفافية وأحترام .

هكذا وجدتُ كهف شاندر منتصباً ومحفوراً في قلب سلسلة جبال برادوست ويغفوا منذ عشرات الألاف من السنين في هذا المكان، أما جمالية الطبيعة التي شاهدناها فهي حقاً من صنع الخالق وكأنها روضة وجنة الله على الأرض نعم ينبهر ويتعجب ويسرُ كل من يراها .


مشاهدات 392
الكاتب رعد أبو كلل الطائي    
أضيف 2024/11/21 - 2:04 AM
آخر تحديث 2024/12/04 - 2:36 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 97 الشهر 1854 الكلي 10057949
الوقت الآن
الخميس 2024/12/5 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير