الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
تأملات في فلسفة الصوم

بواسطة azzaman

تأملات في فلسفة الصوم

حسين الزيادي

 

 لسنا مكلفين بالبحث والتقصي عن فلسفة العبادات، فربما وجدت آثار ونتائج لا نستطيع ادراكها ولا نهتدي اليها في الحاضر او المستقبل، أو ربما نتوصل لها بعد مضيّ مدة من الزمن، لكن عدم تكليفنا بالبحث يجب أن لا يكون مدعاة للاستلام وعدم الإشارة لتلك الايجابيات،  فأيُّما حكمٍ من أحكام الشريعة السمحاء تقف خلفه مصالحَ دينية ودنيوية ظاهرة  او باطنة ، عاجلةٌ أو آجلة، فالزَّكاة على سبيل المثال فضلاً عن كونها قربةً إلهية فهي ثقافة اقتصادية تهدف الى تحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية والتنمية المكانية، والوضوء يعد شرطاً من شروط الصلاة فضلاً عن كونه يحقق فائدة بدنية هي النظافة، والامثلة تنسحب على جميع العبادات.

 الصيام تربية للنفس وعلاج لكثير من الأمراض الاجتماعية والجسمية والنفسية وطريق إلى التقوى بل إن الهدف الأساس هو الحصول على ملكة التقوى والى ذلك اشار الله تعالى في محكم كتابه الكريم ( يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) البقرة 183.

فالغاية هنا كما تشرحها الآية القرآنية، هي (لعلكم تتقون)، أي أن الأثر المرجو من الصيام يتجاوز مساحة الأمتناع عن الشهوات الجسدية، إن للصيام منزلة عظيمة في موارد متعددة وجوانب مختلفة فهو عبادة اشتملت على خصائص جليلة وفوائد عظيمة، اقتبس منها المصلحون أسرارا رفيعة، وفوائد جسيمة ، من تربية صحية، وسلوكية واجتماعية، فضلاً عن تطهير النفس وتهذيبها وتزكيتها من السمات السيئة والاخلاق الذميمة ، وتعويدها الأخلاق الكريمة كالصبر والحلم والجود والكرم ومجاهدة النفس فيما يرضي الله ويقرب لديه.

يمنح الصيام الإنسان ملكة المواجهة مع أشد الميول الغريزية  في النفس البشرية فهو  تدريب عظيم مفروض على الإرادة الإنسانية من خلال تحطيم عبودية الجوارح وشهواتها ورغباتها، وترويض الأنفس ونزواتها وقهر الطباع وغرائزها،  بهدف خلق نفس سامية، ومجتمع متحضر يشوبه الكمال والفضيلة والشمائل الاسلامية.

تعد ّحكومة العادة السيئة وعبادة النفس من أخطر وأسوأ أنواع الحكومات والانسان الحر هو من لا تحكمه أي عادة غير مرغوب فيها , ويستطيع بإرادته الصلبة قهر أي حكومة وأي نوع من أنواع العادات ؛ والصيام يوجه ضربة قاضية لعادات سيئة وصفات ذميمة كالتكبر والخُيَلاءُ , والغطرسة , والتَجَبُّر ، والتَعَجْرُف , والتَغَطْرُس , فهو حالة تدعو الى السموّ الروحي فهو التّحدّي الأكبر  لاختبار الإرادة البشريّة وتنقية النّفس من غفلتها وأخطائها.

نظام تكافلي

ومن الناحية الاجتماعية يلحظ ان للصوم بعداً اجتماعياً كبيراً فالمجتمع الصائم، يحظى بأجواء روحية ومعنوية مميزة ونظام تكافلي في منتهى الدقة، وإن هذه الظاهرة مدعاة للمحبة والوداد والألفة الاجتماعية، الأمر الذي ينعكس ايجاباً على جوانب متعددة في البناء الاجتماعي، لذلك تظهر الدراسات الاكاديمية الاجتماعية منها على وجه الخصوص والتي تعتمد على الاستبيانات تقلصاً واضحاً وانخفاضاً ملحوظاً في السلوكيات المنحرفة والسيئة خلال الشهر الفضيل، كما هو الحال بالنسبة لدراسات الجريمة والتفكك الاسري وانتهاكات حقوق الانسان وتخريب ممتلكات الدولة ومخالفة الأنظمة والقوانين و التلفظ بالألفاظ البذيئة، وغيرها كثير .

   أما من الناحية الصحية فقد اسهب المختصون في بيان فوائد الصوم وآثاره الصحية فهو يساعد على إزالة السموم من الجسم كما انه يعطي اجازة للجهاز الهضمي ويساعد على الحفاظ على توازن السوائل في الجسم ويقلل من مستويات السكر في الدم من خلال تكسير الجلوكوز الذي يقلل إنتاج الأنسولين، الامر الذي على حرق الدهون لإنتاج الطاقة اللازمة للجسم، ويسهم الصوم في تعزيز جهاز المناعة من خلال الفوائد التي تم ذكرها

    من خلال تشريع الصيام أعطى الله سبحانه تعالى فرصة مناسبة لكي يُفعل الانسان استعداده الكامن في سبيل نيل القرب الالهي، ويكون بمستوى الاستخلاف في الارض وهو ما أراده الله تعالى للإنسان، كما أن جميع أثار الصوم وفوائده البدنية والخلقية والاجتماعية، تصب في تحقيق التقوى .

ويخطأ من يجد الصوم جوعا أو عطشا فقط فهو فلسفة تؤدي إلى اكتساح العادة وفق شروط منضبطة وأركان معلومة وله مقاصد عظيمة تعمل على بناء الفرد لتصلح حال الأسرة وتكون لبنة صالحة في بناء المجتمع وحثهم على قيم الفضيلة والاخلاق والعفة وتعاليم السماء بعيدا عن كل ما يلوث الفطرة السليمة،  وفي خضم الحياة المدنية وتعقيداتها وتشعباتها وفي ظل  الواقع المادي الذي تعيشه البلدان الاسلامية تتضح الحاجة الى الصيام الحقيقي لا الصيامٍ الظاهري، صيام ينعكس تأثيره على الفرد والمجتمع، لا صيام فردٍ ليس له منه إلا الجوع والعطش.

اعتبر الصيام من النعم الشاملة ومن مصاديق الرحمة الإلهية بحيث يمكن لجميع الناس أن ينتفعوا بها، لكن الاسلام وضع معايير لقبول الصيام وتأثيره في الانسان فمن لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه، وقد ورد ان الصوم درجات ثلاث هي: صيام الصالحين ثلاث درجات صيام العموم، وصيام الخصوص، وصيام خصوص الخصوص، أما صيام العموم فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة، وهذا يشترك فيه كل الناس، وصيام الخصوص فهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن سائر الآثام، وهذا لا يتحقق إلا لمن وفقه الله للخير، وصوم  خصوص الخصوص فهو صوم القلب عن الهمم الدنيئة، والأفكار الدنيوية، وكف عما سوى الله عز وجل .


مشاهدات 312
الكاتب حسين الزيادي
أضيف 2024/03/22 - 10:15 PM
آخر تحديث 2024/09/01 - 1:53 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 232 الشهر 232 الكلي 9988854
الوقت الآن
الأحد 2024/9/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير