فاتح عبد السلام
القرار الذي أعلنه الحزب الديمقراطي الكردستاني في مقاطعة الانتخابات البرلمانية المحلية في إقليم كردستان ليس أمراً عادياً وعابراً، ذلك انّ الحزب ذاته كان حاملاً بإصرار لواء اجراء الانتخابات في موعدها الجديد، وانّ تغيير الموقف على نحو عكسي بشكل كامل، يعني انّ هذه الانتخابات لا يمكن ان تُجرى بغياب الحزب الأكبر في عدد المقاعد والمساحة الحزبية، وهي رسالة مزدوجة مرسلة للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، والحكومة العراقية في آن واحد.
خطورة هذا القرار تأتي من انّ الأمور وصلت الى نقطة “اللا تفاهم” السياسي مع بغداد، بعد القرارات الصادرة عن المحكمة الاتحادية العليا، وعدّها الإقليم الكردي تدخلا في الشأن الخاص بدستور الإقليم وقوانينه السارية والتي لم تعترض عليها جميع الحكومات المارة ببغداد، لذلك يبدو التصعيد مدروسا من الجانبين، فالمحكمة الاتحادية جزء من النظام السياسي الجديد في العراق والذي يفترض انه فيدرالي التكوين بحسب النص الدستوري، وهذا يعني انّ هناك استهدافا لتحويل نوعي في المسارات السياسية بعد اكثر من عشرين سنة من السير عليها. في الوقت ذاته تبدو قراءة الحزب الديمقراطي التي انتقدتها واشنطن، تصب في عملية التصدي بالأدوات « الديمقراطية» المتاحة من مقاطعة وانسحاب لما بات يشكل خطرا مباشرا على مستقبل النظام الفيدرالي في البلد، وفيدرالية كردستان على نحو خاص. هناك توجه لإفراغ فيدرالية كردستان من محتواها التنفيذي والتشريعي الداخلي وجعل التسمية غير ذات فاعلية ومعاملتها كما العلاقة مع المحافظات غير المنضوية في إقليم، وهو أسلوب لقطع الطريق على مَن تسوّل له نفسه ويطلب تطبيق فقرة الفيدرالية في الدستور العراقي، الذي قد يلفظ أنفاسه نهائياً في حال نفذ الحزب الديمقراطي الكردستاني تهديده وانسحب من العملية السياسية برمتها، بعد أن فعل التيار الصدري الامر ذاته وخرج رسميا من المشهد.
المفروض، انّ الكرد هم أكثر الجهات التي تفيد من دروس العلاقة مع الآخرين، المحليين والدوليين، بحكم تجارب تاريخية مرّوا بها وبعضها كان دموياً وأسود، ذلك انّ رضا واشنطن أو عدمه لا يزن كثيراً في معالجة المشاكل الداخلية بالعراق، وينبغي الا يلتفت الإقليم في قراراته الى اية جهة خارجية توافقه في توجهاته أو ترفضها، لأنّ جولة المفاوضات المقبلة يجب ان تكون في بغداد مع هذه الحكومة أو سواها، وقد يتم التوصل الى” نوافذ “وربما “أبواب” في هذا الطريق شبه المسدود، وفي حال حدوث «انفصام وتحطيم « في العلاقة فليكن ذلك من نتاج مخاض عراقي داخلي وليس في سياق وضع خارجي ، أضرّ في السابق مسيرة الكُرد الكفاحية من أجل حقوقهم أكثر ممّا خدمها.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية