الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
في أشجار.. تتبعها الطرقات للشاعر طلال الغوّار

بواسطة azzaman

في أشجار.. تتبعها الطرقات للشاعر طلال الغوّار
النص السردي منجز حداثوي قريب من المتلقّي
هويدا محمد مصطفى
   العنوان يمكن أن يشتعل كدلالة معيارية مزدوجة فهو يقدم النص من جهة ومن جهة أخرى يحيله إلى نصوص وعناوين أخرى ليكشف الإيقاع اللغوي وتأثيره النفسي بالانفعال والتوتر لقد استطاع الشاعر طلال الغوّار باقتدار شعري عجيب أن يمتلك أدوات شعرية ترسم الصورة التي تخلق الرؤية وذلك بقفز اللغة فوق المستوى الكلاسيكي والانزياحات اللغوية والانحرافات التعبيرية بالإضافة إلى ما حملته هذه اللغة من شحنات متتالية وطاقات قادرة على التحدي وهنا تتخلق حيوية النص ويتعاظم توهجه فنرى طاقة شعرية حية ونابضة للذات وخاصة في مجال السرد الذي يمثل تأسيس للتطور الجديد في مجال السرد الذي يمثل الخروج عما هو سائد من قواعد التجنس فالشاعر يتناول السرد وما وراء السرد بمعنى السرد الذي يعمل دالاًعلى سرد آخر وظهور الواقعية والتغير في الميتاواقعية ومن خلالها تفسر كيف أن المتخيل يفترق عن الواقع بفعل المخيلة التي تتعداه والربط بين الحدث العلمي والحدث السرد (المتخيل) بمعنى أن النص عمل مفتوح يمتلك سلطة جديدة خاصة به .
      ففي نص بعنوان (البحر وتموجات المعنى)ص27 يقول الشاعر: 
(حينما تتسلق الأمواج قلاع أنوثتها، تغدو للروح والجسد لغة واحدة، هكذا كان البحر يرى في ساقيها وسادة، يلقي برأسه عليها، حالماً بالضفاف البعيدة ). 
     النص هنا يحمل خصوصية الأداء الفني المميز وضروراته المقنعة للقارىء ليس كفكرة فقط وإنما كون من الدلالة في تشكيلها الإبداعي إلى وعي المتلقي كي تحدث أثراً هاماً وتضيف أبعاداً أعمق تتألف في وحدة عضوية متماسكة ومتسقة مع دلالة الطرح تنسجم مع المفردات في عذوبتها وهمسها المليء بالانفعال العاطفي عبر صور هادئة كهدوء الموسيقى ترصد صورة ثرية متوهجة الإيقاع وهذا يوضح مدلول آخر لمستوى رؤية الشاعر لعلاقة الحب بالزمن وقد اعتمد التدرج في التعبير من بنية إلى اخرى رغم وضوح المعاني .
وفي نص بعنوان(دمشق في نهار خريفي) ص 27يقول الشاعر: 
(هنا في ساحة المرجة ،حنجرة الوقت تزدحم باللهجات وبالأصوات، سرت في غمرتها حتى وجدت نفسي أقف على الجسر الصغير فوق نهر بردى ،وأنا أصيخ السمع لهمسات المعنى أي ذكرى تأخذ شكل الكواكب لتسطع في رأسي الآن بعد أن أيقظها همسك يا بردى كما لو أني أتأبط بغداد وأرى وجهي مختلطاً بشآبيب المطر ورائحة الأشجار) .
     إن هذا التصور في السردية التي تمثل بحث فيما يجعل النص بانفتاح على القصة أو الرواية من خلال القدرة على الانفلات من الواقع الوصفي والسردي بخلق السطوح المتعددة والطيات المخضبة ومن الملاحظ أن الشاعر يعمل على تجاوز التصور السردي للنص (الخطاب القصصي) أو الحكاية أي الملفوظ القصصي نحو تصور للنص الذي يعتبر المعنى كتركيب للدلالات المشحونة في النص وترتيب منسق لمعاني الكلمات الواردة في سياق الخطاب وبطريقة ذكية جداً من الكاتب نجد أن هناك لعبة الحضور والغياب في بعض النصوص هذه الثنائية وذلك الانفتاح على الأثر يتفتح على خلق جماليات النص عبر رؤية جديدة في التحديث السردي والتخيل في النصوص وهذا ما قرأته في كتاب (أشجار تتبعها الطرقات)ويعتبر أحدى المنجزات الحداثوية القريبة من المتلقي حيث ذهب الشاعر إلى توظيف إمكانات اللغة وما تحويه من ترادفات وجناسات واستعارات واستخدام الصور الحية واعتماد مفردات استمدت من صميم التجربة والجو العاطفي كما قسمت الحركة الشعرية في لغته السردية مجال التعبير عن التجربة الحياتية على حقيقتها عبر سبر أغوار خبايا النفس وما يعتريها من قلق روحي وتمزق سيكولوجي .
    وفي نص (غبار الأصوات) 97 يقول الشاعر: 
   (ينهض الصباح في الشارع مختلطاً بكيمياء الأصوات المختلفة ورائحة الكتب الموضوعة على الأرصفة والأجساد البشرية التي يسير بها بطيئاً حتى نهاياته، وأنا أفتح طريقي بصعوبة بين تزاحمها حتى تكاد تحس أن ثمة خصاماً خفياً فيما بينها).         نجد أن الشاعر دخل وتأمل عميقاً الذات الحائرة في داخله والذات المتأملة في خارجه هناك مسافة فراغية تتأرجح بين الهنا والهناك وبين الأنا والآخر بين الحضور والغياب بين الحب والفراق وبين البقاء والرحيل فقد ظهرت تجليات من التوهج الذي يثيره السؤال أو الجديد من الأسئلة التي تعتمل في ذهن الكاتب الذي يعيش حالة من الطرح الدائم بحثاً عن الإجابة فالنصوص في المجموعة هي تشريح كلي لواقع ممتدة فيه فلسفة الألم بأزمنة الفوضى الضائعة حاول ترجمتها عبر صوراً تخيلية تلونها البلاغة والمجازية .
وفي نص (امرأة)ص27يقول الشاعر :
(لماذا كلما حاولت أن أضع عقداً من الكلمات على عنق الزمن ينفرط بين يديها، وما الذي يثقل خطواتنا ونحن نغادر المكان  لم نحمل غير أحلام وامل في أن نلتقي مرة أخرى، ربما الرغبة في البقاء أطول وربما هاجس التردد هو من يثقلها).
وأخيراً أقول :
الشاعر طلال الغوار وظف نمطاً سردياً معتمداً الرمزية أسلوباً ومنهجاً فتوارى خلفها بذكاء اختياره لتقانيات السرد المتنوعة وأسلوبه البناء المعماري في هذا النوع الأدبي تاركاً للمتلقي متعة البحث عن المخبوء /أشجار تتبعها الطرقات/مجموعة نصوص سردية محمولة على جناح الدهشة.
 


مشاهدات 530
الكاتب هويدا محمد مصطفى
أضيف 2024/03/08 - 11:49 PM
آخر تحديث 2025/04/19 - 6:45 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 943 الشهر 19600 الكلي 10900247
الوقت الآن
السبت 2025/4/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير