الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
زيد الحلي ملك العناوين

بواسطة azzaman

ما يجب ان يقال

زيد الحلي ملك العناوين

نهى الدرويش

العمل الصحفي لايشبه اي عمل اخر فهو يحتل كل مساحة الوقت اليومي للشخص ويتماهى مع الجوانب المعرفية والسلوكية لممتهن هذا العمل ... وهذا لايعني ان الذاتية تهيمن على الموضوعية لديه ، بل تعني ان شخصية الصحفي تتفاعل مع الجانب الانساني للشخصية لتنتج فردا استثنائيا متميزا لا تشبه شخصيته اي شخصية اخرى ....فهو صحفي في البيت والشارع وفي كل مكان ...ذلك ان هاجس الاستكشاف للمعلومة  لديه يسكن في العقل و السلوك على حد سواء .

لذا فان التمكن من ادوات و طرق واساليب تقديم المعلومة على تنوعها يعد ضرورة هامة في بناء شخصية الصحفي وكذلك خطوة منهجية هاما لأي قائد لأي مؤسسة اعلامية رصينة . فالتدرج والتنوع في صفات العمل الصحفي ضرورة مهنية للصحفي وللمؤسسة الاعلامية على حد سواء ، ذلك ان بناء شخصية الصحفي الناجح لاتتم الا بتناغم بين شخصية الصحفي ومدير التحرير الذي يضطلع بمهمة قيادة عملية النتاج الصحفي في المؤسسة عمليا.

وخير اختبار لنضج شخصية الصحفي يتجلى في طبيعة اختياره لعنوان موضوعه ، وهي عملية شاقة وعسيرة جدا لان العناوين تتباين في اسلوب صياغتها بحسب نوع الموضوع ووزن المعلومة المطروحة فيه تبعا لذكاء واحترافية الصحفي نفسه .

حجم المسؤولية

هذه المقدمة اراها هامة جدا ومفيدة لانها توضح حجم المسؤولية التي تقع على عاتق الصحفي في بناء شخصيته الصحفية وشخصية مؤسسته الرصينة , وانه لأمر مزري ان يعتقد البعض ان الصحفي يولد وفي فمه ملعقة من قلم وصحن طعامه من ورق وشرابه من حبر المطابع ، وان بامكانه ان يوقع بأسمه على موضوع في صفحة رئيسة يمكن من خلاله ان يكسر صمت الشهرة والنجومية ، فمثل هذه الشهرة والنجومية ان لم تأفل وتسقط سريعا فانها تشوه الذائقة المعرفية لدى الجمهور المتلقي .

هذا الدرس استلهمته من خلال الايام الاولى في عملي الصحفي ضمن كادر مجلة وعي العمال والتي كان يدير تحريرها زيد الحلي بمهنية احترافية و ابوية لاتخلو من الصرامة ....فهو لين العريكة في تعامله الآني في العمل لكنه لايفلت زمام تحقيق اهداف العمل الصحفي في الوقت نفسه ....وهو مربي ومعلم لكل صحفي عمل معه .

كان يقرأ الموضوع بسرعته المعهودة وبدقة وتركيز عال ....ويعود ليحرر المادة بما يحقق هدف الموضوع والمطبوع ....ولكنه يتوقف مليا عند مراجعة او صياغة العنوان ...وغالبا ما يسرح بعقله قليلا ليفجر عنوانا رنانا للموضوع وكأنه شاعر ملهم تصرخ اعماقه بجملة : وجدتها ....حتى صار زيد الحلي ملك العناوين بلا منازع .

هكذا تعلمت منه اصعب خطوة في بناء المادة الصحفية الا وهي : اختيار وصياغة العنوان . كما انه ساعدني في بناء شخصيتي الصحفية والتمكن من جميع ادوات وطرق واساليب العمل الصحفي فلم اعد اتحرج من ان اكون مراسلة او محررة او متحدثة بمعلومة ، المهم عندي تقديم المعلومة للمتلقي على نحو امثل وليس افضل فقط .

زيد الحلي هو الصحفي الوحيد الذي بنى وصقل شخصيتي الصحفية كأمراة في ميدان كان العمل فيه خطيرا وصعبا وشاقا جدا لأي شابة عشرينية انذاك ....ورغم مرور عشرات السنين لكني مازلت استحضر عباراته التشجيعية الذكية لغاية الان كلما مررت بتجربة جديدة . ولعل تجربتي في كتابة احدى الموضوعات خير مثال على ما ذكرت :

اعطاني هدف المقابلة والشخصية التي ساقابلها ، استرجعت ذاكرتي عن هذه الشخصية :  هو صحفي مرموق ويترأس مؤسسة اعلامية هامة ...،وكنت قد تعرفت عليه عندما كان مراسلا في لندن عند لقائي بالشاعر بلند الحيدري الذي كان صديق اخي ويعمل في مجلة افاق عربية...كان ذلك الصحفي انذاك شابا وسيما ومتحدثا بارعا وكنت يومها طالبة في المرحلة الثانوية اجيد فن الاصغاء وتفحص الشخصيات بصمت . انه ذو شخصية صعبة ومن المؤكد سأواجه صعوبات في الحوار معه وهو الصحفي الذكي المتمرس في ادارة المؤسسسات الاعلامية .

حرية اختيار

  ترك لي زيد الحلي حرية اختيار الاسئلة واسلوب اللقاء الحواري . واخر ماقاله لي قبل مغادرتي صوب تنفيذ العمل عبارته التشجيعية المعهودة ولكن بشكل مشدد هذه المرة اذ قال : اريدج سباعية باباتي نهاوي ....سباعية كلش . بدأت الحوار مع تلك الشخصية الصعبة بحسب سيناريو افتراضي للاسئلة وضعته مسبقا لتلك المهمة ...ولكن عيناي تسمرت على تلك السبحة الجميلة التي كانت اصابعه تعبث بها ليفرغ شحنات انفعاله من حرج بعض الاسئلة ...وفجأة قال لي : هل عجبتك السبحة ؟ هذه تسمى كهرب ام الحشرة ، وهي اول سبحة من هذا النوع تدخل للعراق .تناولت السبحة بشغف بعد ان قدمها لي لأتفحصها وكانت مذهلة الجمال ويبدو انها ثمينة جدا ، وكنت وما زلت من هواة السبح المميزة وتلك الخاصية اكتسبتها من والدي المهووس بجمع السبح .

اثنيت على السبحة واعدتها له ...لكنه رد يدي قائلا : هي لك ...وماترجع من ايدك الحلوة .

شعرت بالذعر من هذا المدخل الشخصي وقلت فورا : لا شكرا فأنا لا اتقبل اي شيء من اي شخص وبامكاني ان اشتريها بنفسي وسيكــــون هذا اثمن من ان احصل عليها من اي شخص اخر .

صمت مذهولا من اجابتي الصريحة وتابعنا حوارنا الصحفي . بعد ان اكملت تدوين الحوار سلمت عليه مستأذنة بالذهاب فاستوقفني قليلا وقال : اود ان اقول شيئا خاصا لك . ..انت امراة ذكية ومثقفة وقوية وجميلة واتمنى ان تصمدي في عملك الصحفي دائما مثلما كنت اليوم .

قدمت الموضوع لزيد الحلي واخبرته بكل التفاصيل ....انتفش في كرسيه مبتسما وقال لي بفخر : عفية عفية عليج ابوية ... الصحفي يعمل بأسم وسمعة مؤسسته وليس بشخصه فقط ...شعرت يومها بالقوة والثقة بنفسي مثلما شعرت بالمحبة والامتنان لهذا الاب الحنون والمعلم الماهر الذكي والسند الامين لي في عملي الصحفي .

يومها اقترح لي زيد الحلي عنوانا رائعا للموضوع فوافقته عليه ....ولكني اليوم استسمحه باقتراح عنوان لهذه الذكرى وهو : سعد البزاز ...سبحة كهرب أم الحشرة .لم تكن يا زيد الحلي صحفيا وانسانا ومعلما وابا فقط ....لقد كنت ومازلت مؤسسة اعلامية رصينة برمتها تمشي على قدمين اتمنى من الله ان يسدد خطاها وعزيمتها .

لك المجد في تاريخك المشرف يا ابو الصحفيين الاصلاء.


مشاهدات 355
الكاتب نهى الدرويش
أضيف 2024/03/02 - 2:01 AM
آخر تحديث 2025/09/15 - 8:53 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 255 الشهر 10313 الكلي 11928186
الوقت الآن
الإثنين 2025/9/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير