الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
أبناء السجناء أيتام يستحقون الدعم والتقبل

بواسطة azzaman

أبناء السجناء أيتام يستحقون الدعم والتقبل

انتصار الحسين

 

في مسيرتي الإنسانية، ألتقي بفئة لا تحظى بالاعتراف الكافي، وهي عائلات السجناء التي تصبح ظروفها الاجتماعية مأوى للألم والخوف والأمل الضائع. أغلب هذه العائلات تتكون من أطفال قُصَّر ونساء لا حول لهن ولا قوة، يفتقدون للدعم والرعاية، ويواجهون نبذ المجتمع ورفض مؤسسات كثيرة لهم. وعندما أسعى لمساعدتهم، أجد نفسي أمام جدار من الرفض، يدفعني للتساؤل: ما ذنب هؤلاء الأطفال والنساء؟ ولماذا يعاقبون على جرم لم يرتكبوه؟

الإجابة، رغم بساطتها، تؤلم القلب: هؤلاء الأبناء والأمهات يتحملون تبعات ذنب أحد أفراد أسرهم دون أن يكون لهم ذنب، ويحرمون من أبسط حقوقهم كالعيش الكريم  والرعاية. هذا الرفض لا يزيدهم إلا غربة وحقدًا على المجتمع، ويعمّق شعورهم بالانعزال، فتزرع فيهم بذور العنف والجريمة، بدلاً من أن تُغرس فيهم بذور التغيير والإصلاح.

على المستوى القانوني، يضع القانون الدولي إطارًا واضحًا لحماية هذه الفئات الضعيفة. فقد نصت «الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل» في مادتيها الثانية والثالثة على عدم التمييز ضد أي طفل لأي سبب كان، بما في ذلك وضع الأسرة الاجتماعي، وعلى وجوب مراعاة مصلحة الطفل  في كل القرارات التي تمس حياته. ومن هنا، يمنع القانون حرمان الأطفال من الدعم والمساعدة بسبب ذنب آبائهم، ويحذر المجتمع من تبعات تجاهل هذه المبادئ على استقراره وأمنه.

تكشف وقائع الواقع تداعيات نبذ عائلات السجناء وأبنائهم، فلماذا يستمر هذا الظلم؟ وكيف يمكن لنا أن نغض الطرف عن فئة تعاني صمتًا معاناة لا تُحتمل؟ على عكس هذا التساهل تجاه آلامهم، تقع مسؤولية كبرى على عاتق مؤسسات الأيتام والجمعيات الخيرية لفتح أبوابها لهم، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي والتعليمي، لتكون لهم شريان حياة ورجاء لمستقبل مشرق.

تقتضي العدالة والرحمة أن نعامل أبناء وعوائل السجناء كأفراد يستحقون الحياة والفرص، لا عبئًا يثقل كاهل المجتمع. والفخر بالمجتمع الحقيقي أن يعتني بكل أبنائه بغض النظر عن ظروفهم، ليبني بذلك مجتمعًا متماسكًا يرفض الظلم ويمنح فرص التغيير.

وقد أكدت الشرائع السماوية وبيان حقوق الإنسان على الرفق بالإنسان، قال تعالى:

«وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى».

فلنكن أمة رحيمة نمد يد العون لمن يحتاجها، بعيدًا عن الظلم والتمييز، مستلهمين من ديننا الحنيف وسيرة نبينا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان يكرم الجميع بلا استثناء، مؤكدًا على قيم الرحمة والعدل والإنسانية.

إن دعم هذه الفئة ليس مجرد واجب أخلاقي، بل استثمار في أمن واستقرار الوطن، وباب لمد جسور السلام الاجتماعي. مسؤولية تحقيق الدمج الاجتماعي تقع على الجميع، من مؤسسات حكومية ومنظمات أهلية وأفراد المجتمع، لنحوّل محنة التهميش إلى قصص نجاح وأمل.

في النهاية، هو الامتحان الحقيقي لقيمنا الإنسانية: هل نكون سببًا في زيادة الألم، أم منارات للرحمة والتسامح؟ لنعمل معًا من أجل مجتمع يحمي أفراده ويمنحهم الحياة الكريمة، لأن في ذلك تكمن الإنسانية الحقة، واستمرار السلام والعدل في وطننا.


مشاهدات 49
الكاتب انتصار الحسين
أضيف 2025/09/14 - 4:18 PM
آخر تحديث 2025/09/15 - 12:47 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 43 الشهر 10101 الكلي 11927974
الوقت الآن
الإثنين 2025/9/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير