الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الصحفي والرئيس كتاب يحمل الهواجس للمقصورة

بواسطة azzaman

الصحفي والرئيس كتاب يحمل الهواجس للمقصورة

السلطة والإعلام.. صداقات مزيفة أم خصومات مبطنة؟

عبد اللطيف الموسوي

 

 

يقول الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران ان السلطة والصحافة لا تجتمعان وكان ميتران  يحذر من الصحفيين وميتران ليس السياسي الوحيد الذي يتجنب الصحفيين وإنما هناك الكثير من السياسيين ممن هم على شاكلته وربما يكونون  أكثر تخوفا منه عندما يتعلق الأمر بالصحافة. ولا يقتصر الامر على السياسيين في الغرب بل ربما هو اكثر سوداوية في الشرق وفي وطننا العربي على نحو خاص.                         

أحد فصول الكتاب الجديد للكاتب والصحفي أحمد عبد المجيد رئيس تحرير صحيفة (الزمان) الموسوم (الصحفي والرئيس) هو خير مصداق لكلامي هذا والفصل الذي اعنيه هو الذي تناول المؤلف فيه الرئيس السابق برهم صالح حيث يتحدث بصراحة عن تردي العلاقة بينهما في الحقبة التي تولى فيها الأخير ولايته. والحقيقة أنني فوجئت بما كتبه عبد المجيد إذ لم يتوان عن مهاجمة صالح بحدة لم اعهدها لديه، مما يدلل على حجم الغضب الذي كان يعتمل في نفسه حيال رئيس الجمهورية في حينه. وكنت شخصيا شاهدا على أحد المواقف التي كانت سببا في زيادة الهوة بين الجانبين عندما أغفل المكتب الإعلامي للرئاسة الاشارة الى عبد المجيد في تغطيته لاحتفاء شارك فيه الأخير وألقى خلاله كلمة ، لكن المكتب الرئاسي اكتفى بنقل ما تحدث به الرئيس خلال الاحتفاء وهو الأمر الذي فجر غضب عبد المجيد. غير أن رئيس الجمهورية تدارك الموقف في ما بعد وأرسل كبير مستشاريه لجريدة الزمان محملا بباقة ورد واعتذار عن الخطأ (غير المقصود) . وهنا اشير الى ان زملاء في المكتب الإعلامي قد (زعلوا) مني وعاتبوني لأنني كتبت عمودا صحفيا انتقدت فيه التغطية الصحفية للفعالية المذكورة والاكتفاء بالترويج لرئيس الجمهورية ! وبالعودة للكتاب فهو لا يكشف عن حالات مماثلة في فصوله الأخرى وإنما نرى ان المؤلف ارتبط بصلات جيدة بمعظم الرؤساء الذين تناوبوا على المنصب بعد عام 2003  وإن كانت هذه الصلات الجيدة لا بد أن تكون - بحسب رأيي - مغلفة بحذر من جانب الرؤساء الذين عادة ما يتصورون أن الصحفي يقف لهم بالمرصاد ويسعى لاقتناص أية زلة لسان منهم. وقد أحسن عبد المجيد صنعا بعدم إغفاله ذكر حتى الرؤساء الذين لم يلتق بهم شخصيا فتحدث عن مرحلة طفولته التي أمضاها في محافظة كربلاء المقدسة وما يتذكره منها في ما يخص رؤساء الجمهورية وانطباعاته عن تلك المرحلة .  كما أن المؤلف لم يغفل أيضا الحديث عن أول زعيم للبلاد بعد سقوط الحكم الملكي وهو عبد الكريم قاسم. وبذا فإن الكاتب تناول 11 رئيسا بدءا من عبد الكريم قاسم فتحدث عنهم بما جادت به ذاكرته من مرحلة طفولته ومراهقته فيما تناول بشيء من التفصيل لقاءاته بمن سنحت له فرصة اللقاء بهم من الرؤساء ومن بينهم من رافقه في بعض رحلاته الى خارج العراق.

عتبة النص

وإذا كان العنوان هو عتبة النص فإن  المؤلف أختار لكتابه عنوانا معبّرا ولافتا وهو (الصحفي والرئيس) ومن المؤكد أن عبد المجيد قد وضع في حسبانه ما يمكن أن يثيره هذا العنوان لدى المتلقي كيف لا ؟ وهو الصحفي المتمرس والكاتب الكبير وأستاذ الإعلام الذي طالما شرح طلبته أثر العنوان وأهميته والرسالة التي يمكن أن يوصلها. وما دمت بهذا الصدد فلا بد أن أشير إلى أن العنوان الثانوي للكتاب أو التفسيري الذي كان : (الرؤية من خارج المقصورة.. الزيارات وتبادل الهواجس) قد أنطوى على دلالات أغلب الظن أن الكاتب كان يقصدها، فالمقصورة لا يجلس فيها عادة إلا كبار الشخصيات، أما من يخدمه الحظ، من عامة الناس وحتى من نخب المجتمع، فينعم بالجلوس قليلا في المقصورة فلا يتسنى له ذلك إلا من خلال زيارة عابرة أو لحاجة المسؤول المتنفذ الكبير له لتبادل الآراء والهواجس. وبالمحصلة أن اختراق المقصورة أمر لا يتحقق إلا عندما تكون هناك مصلحة وفائدة للرئيس. غير أن الصحفي الذكي هو من يستثمر لقاءاته وزياراته في تكوين انطباعات يفيد منها في عمله الصحفي ولا يتحقق هذا الأمر بيسر إن لم تحمل تلك الزيارات طابعًا استقصائيًا.

ما لفت انتباهي أيضا إختيار عبد المجيد للقاضي رزكار محمد امين ليكتب التقديم للكتاب  وهو اختيار ذكي وذو دلالة أيضا فأمين كان قد رشح نفسه لمنصب رئاسة الجمهورية في المدة نفسها الذي كان المؤلف قد أنجز كتابه وهو لم يسحب ترشيحه برغم تأكده من أن حظوظه ضعيفة في الفوز بالمنصب وأنه لن يتلقى أي دعم من الأحزاب الكردية صاحبة الحق بالمنصب لأنه من حصتها بحسب اتفاق الأحزاب السياسية وبرغم أن أمين ينتمي للقومية الكردية إلا أنه قدّم أوراقه مرشحا مستقلا. وهو يدرك أنه لن يفوز بالمنصب برغم الصفات الأخرى التي يتمتع بها، فقد عرف بشجاعته وحياديته عندما شارك بإدارة جلسات محاكمة صدام حسين فقد كان القاضي الوحيد الذي اعلن عن اسمه في أول جلسات المحاكمة فيما لم تظهر أسماء القضاة الأربعة الآخرين .

جلسات علنية

وكان شجاعا ايضا عندما استقال من رئاسة المحكمة بعد ترؤسه 7 جلسات علنية وعزا ذلك الى ضغوط وأجواء مشحونة في المحاكمة بسبب أطراف سياسية وحاكمة. وقد أبــــدى عبد المجيد إيثارا واضحا عندما وضع اسم القاضي رزكار محمد امين على صدر الغلاف الأول لكتابه وهذا أمر نادر، ليعرف القارىء أن الكتاب من تقديم أمين. كما وضع صورة أمين على الغلاف الأخير بدلا من صورته هو، برغم كونه هو مؤلف الكتاب.أرى إن أهمية الكتاب لا تكمن بالمعلومات والخواطر التي تضمنها فحسب وإنما لكونه يلقي الضوء، ولو من طرف خفي، على التوجس الذي يخيم على العلاقة بين الصحفي والمسؤول برغم أن ما يظهر للعامة هو على النقيض من ذلك والشواهد على ذلك كثيرة وعديدة.. 

وهنا يحضرني موقف مررت به مع وزير الخارجية الفرنسي الأسبق خلال لقائه وفدا اعلاميا عراقيا في مقر الخارجية الفرنسية بباريس عام 2011 حينما استهل اللقاء بالطلب منا الحديث عن اوضاع العراق وترك ألاعيب الصحفيين ومحاولة جره للكلام لأنه يريد أن يخرج بتصور واضح عن الوضع في العراق ونقله للرئيس الفرنسي وبعد أن تحدث ثلاثة من زملائي عن أوضاع العراق بإسهاب وجاء دوري قلت له أن زملائي تحدثوا بما فيه الكفاية وأنا لا أريد أن أفوت فرصة اللقاء بوزير خارجية فرنسا من دون الحصول على إجابات لبعض الاسئلة المهمة التي تدور في خلدي وسأكون صحفيا غبيا إن لم أستثمر الفرصة.

وكان رده أن أبتسم وقال لي سأتراجع عن كلامي وسل ما بدا لك والنتيجة حوار دام أكثر من 40 دقيقة لكن كوشنير كان حذرا في اجاباته ودبلوماسيا إلى أقصى الحدود. وبانتظار الكتاب الجديد لعبد المجيد، هذه دعوة لقراءة متأنية لكتاب (الصحفي والرئيس) من أجل استخلاص العبر وسبر غور الهواجس..


مشاهدات 413
أضيف 2024/02/18 - 4:49 PM
آخر تحديث 2024/06/30 - 2:49 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 403 الشهر 11527 الكلي 9362064
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير