الشيخلي في قلبه ولسانه
أحمد عبد المجيد
تعرّفت على الصديق صباح الشيخلي في عقد الثمانينات، وكان على علاقة طيبة بالأوساط الصحفية والإعلامية، وميّالا إلى الوقوف الى جانبها في السرّاء والضرّاء وما زالت بعض مواقفه راسخة في مخيّلتي داعما لجهاز المرور وسلطته وقوانينه والدعوة الى احترامها وله في ذلك كراسات ورسوم وشروح لم يكلّف أحد غيره نفسه لتبنّى نشرها او الترويج لها .
وإذا قيل إن الإنسان بأصغريه، قلبه ولسانه، فإن صباح الشيخلي يمتلك قلب أب وأخ وصديق، وله لسان مُحبّ وشفيع وناصح بكل ما تنطوي عليه هذه المفردات من معان، وبذلك فإنه اكتسب حسن السيرة والأخلاق من طواعية نفسه وروحه، لعله في ذلك يترجم قول بيرتراند راسل (لست بحاجة للتهديد بجهنم لأكون حسن الأخلاق). رأيته أيضا مبادرا ليس في مجال تقديم المقترحات والرؤى المفيدة حسب بل بتقديم ما يرفع المقام ويجلو صدأ النفس ويزيل الغلّ بالاعتذار فلديه شجاعة كافية ليقوم بهذه العمليه امتثالا لقول الامام الحسن بن علي (عليه السلام ) (لا تعاجل الذنب بالعقوبة واجعل بينهما الاعتذار طريقا). ولطالما أغبطت صباح الشيخلي على جملة سجايا في سلوكه وتصرفاته مع الآخرين، إنه مثابر عنيد وهو في عمر التحدي حيث غالبا ما يتكاسل غيره او يتجاهل أداء عمل او تقديم مشورة فيما لا يتردد هو في اصعب الظروف عن تقديم المساعدة والنصح ويذكرني بقول الاحنف بن قيس (لا تنفع المودة والنصيحة الا بالرأي والعفّة). إذن هو يُسعف الصديق وغير الصديق بالرأي الصادق ويترك أي هوى من وراء هذا الدور الذي يضطلع به، وهو ميّال الى عمل الخير ولا يتورّع عن اجهاد نفسه من أجل اسعاد غيره سواء بالكلم الطيّب او الفعل النجيب، مدركا ان حياته مكرّسة للخدمة العامة وإن ما تبقّى منها قليل بحيث ينبغي ملء فراغها قبل فوات الأوان .
واغبط صباح الشيخلي أيضا وأيضا على حياته البسيطة برغم مسيرته الوظيفية الطويلة واحتشاد محطاتها بالشخصيات والرموز والمشاهير ورجال الفكر والمتميزين، فهو لا يتكئ على سواه ولا يردد عنوان أحد مهما كان نوعه سلبا أو ايجابا ولعل له في ذلك فلسفة قوامها إن الإنسان عابر سبيل في الدنيا على قول الإمام على عليه السلام ويتعيّن ان يمضي الى مبتغاه تاركا الجدل والمناورة وسوء النيّة، لكن ذلك لا يعني ان صباح الشيخلي يجهل معادن الناس بقدر ما هو يمتلك من الذكاء والحكمة ما يجعله يقيس درجات مقاماتهم كما يوزن الصائغ الذهب بمعيار فذّ.
وفي ما يهدر سواه حقب الحياة بالقيل والقال، فإن صباح الشيخلي يملأ الدنيا بالعطاء يوما بعد يوم، ولقد أدهشتني رغبته في الكتابة الصحفية وارتباطها بالمنبر الإعلامي ونزوعه الى التألق في ظل ظروف صعبة كالتي نمرّ بها إنه يدرك أن التاريخ يحفظ للمؤلف جهده الفكري مثلما يحفظ لصنّاع الخير مآثرهم، ولا أغالي لو قلت ان صباح الشيخلي شخصية فريدة من نوعها قد لا نجد لها تسمية او وصفا لأنها شخصية جامعة مستقطبة غير مُنفرة وشخصية متحدثة بقوة الحق وليست صامتة يتلبّسها همس الظنون ووساوس الشياطين.
فإليه أقدّم التحية وأعبر عن سعادتي لأنه اتاح الفرصة لقول هذه الكلمات بحقه وهو في عنفوان تألقه خبيرا قضائيا في محراب العدل وكاتبا لامعا في بلاط صاحبة الجلالة .
{ تقديم كتاب (من عمق الواقع) لصباح الشيخلي الصادر حديثاً