عندما تُستهدف الأجنحة
حاكم الشمري
في كل شتاء، يتحول العراق إلى ملاذٍ طبيعي لآلاف الطيور المهاجرة القادمة من المناطق الباردة، باحثة عن الدفء والماء والغذاء. من الأهوار إلى السهول، ومن الأنهار إلى البساتين، تحط طيور البط والخضيري والحذّاف بمختلف أنواعه، إضافة إلى الفلامنكو والغرنوك والغاك والزرزور وحتى الغربان، لتقضي موسمها، تتكاثر، ثم تعود أدراجها مع تغيّر الفصول. هذه دورة حياة متوازنة، عرفت الأرض كيف تحافظ عليها منذ آلاف السنين.
لكن هذه الدورة باتت مهددة اليوم، ليس بسبب تغيّر المناخ وحده، بل بفعل ضعاف النفوس الذين حوّلوا الهواية إلى جريمة، والرزق إلى اعتداء صارخ على البيئة. شبكات الصيد تُنصب بلا رحمة، والأسلحة تُشهر في غير موضعها، فتُستهدف الطيور بلا تمييز، صغيرها وكبيرها، النادر منها والمهدد بالانقراض، في مشهد يختزل غياب الوعي والاستخفاف بالقانون وبالحياة.
الصيد الجائر لا يعني قتل طائر فحسب، بل كسر حلقة كاملة من التوازن البيئي. فاختفاء طائر واحد قد يعني زيادة حشرات، أو تلف محاصيل، أو اختلال سلاسل غذائية دقيقة. العراق، الذي عُرف عبر تاريخه بأهواره وطيوره ومياهه، لا يحتمل خسارة هذا الإرث الطبيعي تحت ذريعة المتعة أو التجارة السريعة.
وفي هذا السياق، يُسجَّل موقف إيجابي يُحسب لوزارة الداخلية، من خلال تحركات شرطة البيئة التي أطلقت حملات لملاحقة الصيادين المخالفين، ومصادرة أدوات الصيد، والعمل على إعادة الطيور المصادة إلى البرية وإطلاقها في البيئات التي تعيش فيها. خطوة تعكس إدراكًا متزايدًا بأن حماية البيئة لم تعد ترفًا، بل أمنًا وطنيًا طويل الأمد.
غير أن الجهد الأمني، مهما كان مهمًا، لا يكفي وحده. فالمعركة الحقيقية هي معركة وعي. وعي الصياد قبل أن يحمل سلاحه، ووعي المواطن حين يرى المخالفة ولا يصمت، ووعي المؤسسات التعليمية والإعلامية في ترسيخ ثقافة احترام الكائنات الحية. الطيور المهاجرة لا تعرف الحدود السياسية، لكنها تثق بالأرض التي تحط عليها، وتمنحها فرصة أن تكون وطنًا مؤقتًا.
إن حماية الطيور المهاجرة في العراق ليست دفاعًا عن جناحٍ ضعيف فحسب، بل دفاع عن هوية بيئية، وعن صورة بلد كان وسيبقى محطة حياة، لا ساحة صيد.