الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
كنيسة ماركوركيس تضم رفات شهيد إرتقى في الموصل

بواسطة azzaman

كنيسة ماركوركيس تضم رفات شهيد إرتقى في الموصل

حوش البيعة نموذج بارز للتعايش السلمي واللحمة الوطنية

رجاء حميد رشيد

 

لا يمكنني وصف مشاعري خلال زيارتنا لكنيسة الشهيدة بربارة وكنيسة مار أدي الرسول في كرمليس، وكذلك حوش البيعة وكنائسه المقدسة،جدرانها الشامخة وأعمدتها الرخامية المنتشرة في أرجائها ،بدءًا من المذبح الذي تُقام فيه الصلوات والمراسيم الدينية والقداس والتضرع والدعاء، تحيط بالمكان مشاعر روحانية يصعب التعبير عنها بالكلمات، حيث اتاحت لي مشاركتي ضمن برنامج مخيم فرسان الحوار الذي تنفذه مؤسسة مسارات للتنمية الثقافية والإعلامية، تمت زيارة مدينتي الحمدانية وكرمليس في سهل نينوى، بعد أن تعرضتا للتدمير والحرق على يد عصابات داعش الإرهابية في عام 2014، شهدتا إعادة تأهيل شاملة بدعم من دولة الإمارات ومنظمة اليونسكو في عام 2025. تتعافى المباني والأماكن هناك، كما يتعافى الإنسان بعد أزمة أو انتكاسة.

في رحاب كنيسة مار كوركيس

استقبلنا الخور أسقف أدي، لطيف بابكا، الذي أخذنا في جولة داخل كنيسة مار كوركيس في ناحية كرمليس التابعة لقضاء الحمدانية، التي أعيد ترميمها بعد تدميرها من قبل تنظيم داعش الإرهابي عام 2014. شرح لنا مراحل إعادة إعمار الكنيسة، التي تُعتبر من المواقع التراثية المهمة في المدينة ومركزًا للعديد من الكرامات. كما قمنا بزيارة كنيسة الشهيدة بربارة، حيث أوقدنا الشموع متمنين الأمن والسلام لكل العراقيين.في حديثه معنا، قال الخور أسقف ،»بعد النزوح، كانت الكنيسة سباقة في إعادة إعمار بيوت الأخوة  الشبك قبل المسيحيين، لأننا نعيش معًا منذ زمن بعيد، من الصعب أن تنفصل عن صديق وجار تشاركته الكثير، حتى وإن كان الفكر مختلفًا، يجب أن نميز هذا الأمر لنبقى معًا بسلام، وإلا سيكون الوضع صعبًا جدًا.»تناول الأسقف شرحًا تاريخيًا لكنيسة مار كوركيس التي تعود للقرن السادس الميلادي، وهي أقدم كنيسة في المنطقة ولا تزال تقام فيها المناسبات الدينية ، كما ذكر كنيسة ودير القديسة بربارة من القرن السابع الميلادي، وكنيسة مار يونان التي تحولت إلى مركز ثقافي، وكنيسة مريم العذراء، وكنيسة مار أدي، الكنيسة الأم، والتي تمثل ديرًا وكنيسة في آنٍ واحد، تعود للقرن التاسع عشر وتعرضت للقصف والتخريب من المغول والتتر.

وأشار إلى أن دير مار أدي تم بناء على يد تجار أتراك جلبوا رفات القديسة بربارة إلى كرمليس، التي كانت نقطة تلاقي طرق التجارة في المنطقة، بعد أن لمس أهل القرية الكرامات، وسعوا الدير ليصبح مكانًا مقدسًا ومركزًا روحيًا هامًا.وتابع ، تأسست كنيسة مار أدي عام 1936، واكتمل بناءها عام 1963، بعد نحو ثلاثين عامًا من العمل والجهود الذاتية، في ظل اعتماد سكان المنطقة على الزراعة وتربية الحيوانات، وتُعد الكنيسة أول بناء يستخدم السمنت في سقفه، حيث دخلت مواد البناء الحديثة من الموصل.

تضم الكنيسة رفات الشهيد الأب رغيد كني، الذي استشهد في الموصل أثناء فترة الحركات الإرهابية (القاعدة)، بالإضافة إلى المطران فرج رحو.

قريبة من المذبح توجد لوحة فنية رسمها أحد الرهبان من القوش، والتي حاول تنظيم داعش تدميرها بسخرية، إذ أخذ الشمعدانات التي يمسكها الخادم (الشماس) وحاول إتلاف جزء كبير من اللوحة،لكن بفضل جهود مختصين من بغداد، تم ترميم اللوحة قبل شهر، وأُعيدت إلى مكانها الطبيعي، مع إبقاء بعض آثار الأضرار لتكون شهادة على الإجرام الذي تعرض له المكان.في زاوية أخرى من الكنيسة تُركت آثار حريق وبقايا أواني ومواد دينية، تذكّر بمعاناة الاحتلال والدمار الذي ألحقه داعش بالكنيسة.

تضم الكنيسة أيضًا صليبًا عمره يتجاوز 700-800 سنة، نقش عليه بعض الكتابات، إلى جانب الكتاب المقدس (العهد القديم والجديد) المفتوح على صفحة تقول «الرب يحمي رعيته» من سفر المكابين الثاني، عجيب أن الكتاب المقدس لم يتضرر من الحريق، وبقي مفتوحًا على هذه الصفحة التي تنبأت بإعادة بناء البيوت المهدمة رغم الشر.يوجد في الكنيسة أيضًا شاهد قبر للأب رغيد الذي قتلته القاعدة، بالإضافة إلى قبور 13 كاهنًا ومطرانًا وخور أسقف، من بينهم يوسف برهام الخوري، مؤسس الكنيسة، ومطرانان مدفونان في نهايتها، تم وضع علامات واضحة على القبور لضمان حفظ تأريخهم وعدم ضياعه مع مرور الزمن.

ختامًا، صلينا ودعونا مع الأسقف لطيف بابكا أمام محراب الكنيسة، متمنين السلام والطمأنينة لكل أبناء الوطن.

زيارة كنيسة الطاهرة الكبرى

في قلب قضاء الحمدانية - قرة قوش بخديدا  ، وقفنا أمام كنيسة الطاهرة الكبرى، ذلك الصرح التاريخي الذي زاره البابا فرنسيس في زيارته الميمونة عام 2022، حيث صلى هناك في رحابها المقدسة، وكأنها تحمل على جدرانها هموم الأجيال وأماني السلام.

استقبلنا الأب جورج جحولا، برحابة صدر، شارحًا لنا قصة إحياء الكنيسة التي دُمرت على يد داعش، كيف أُعيد بناؤها بحب وإصرار، مستخدمين نفس الحجارة والمواد التي بُنيت بها عام 1932، حفاظًا على هويتها وروحها التي تخطت الزمن.

سرد لنا نبذة تاريخية مفعمة بالأمل، كيف وضع حجر الأساس عام 1934، واستمر البناء حتى افتُتحت وتقدست عام 1943، بجهود أبناء القرية الذين، رغم بساطة معيشتهم في الفلاحة وتربية الحيوانات، تبرعوا بما يملكون، من أيديهم وعملهم وقلوب نسائهم التي تنازلت عن حليها الذهبية، ليُعانق الصرح النور.

كانت تلك السنوات مليئة بالتحديات، مع وابل الحرب العالمية الثانية التي تركت أثرها على المنطقة، لكن عزيمة الأهالي كانت أقوى، فبمساعدة المهندسين والعمال المهرة، صُنعت هذه الكنيسة من رماد الألم، لتصبح من أكبر الكنائس في الشرق الأوسط، شاهدة على إيمانٍ لا يلين.إلا أن الظلام عاد في زمن داعش، حين شُوّهت القبة والمذبح، وتشقق السقف وكادت أعمدة الرخام تسقط، لكن الإرادة واليد البيضاء لم تستسلما، بدأت رحلة الترميم، إنقاذ القبة، تقوية الأعمدة، ثم الترميم الكامل الذي اكتمل قبل زيارة البابا بشهور ، ورأيت الكرسي الأبيض الذي جلس عليه البابا خلال زيارته في احد اركان الكنيسة تيمناَ بزيارته التاريخية.

طول الكنيسة خمسون مترًا، وارتفاع قبتها اثنان وعشرون مترًا، فيها تجسد الفن الروماني بروعة بديعة، رغم أن الأعمدة الجديدة بلون مختلف، لكنها تحمل في طياتها نفس الروح القديمة.

لوحات الفنانة رؤى من قراقوش تزين جدرانها، تحكي حكايات الإيمان والكرامة، بينما أعيد بناء المحراب المهدوم وزاوية الاعتراف، ومنبر الكنيسة المميز، الذي يرتفع كخيمة فوق درج، ينادي للروح أن ترتقي.

كل ركن في هذه الكنيسة يحكي قصة صمود، قصة شعب لا يترك جذوره مهما عصفت به رياح الألم، يظل يصلي، يبني، ويُحافظ على ضوء الأمل في عتمة الظلم.

حوش البيعة وكنيسة الطاهرة

في الموصل القديمة - الجانب الأيمن ، زرنا كنيسة الطاهرة المحبّول بها بلا دنس، التي ينتمي إليها السريان الكاثوليك، بُنيت عام 1862م وأُعيد إعمارها بالكامل عام 2023م بعد أن دمرتها يد الإرهاب، كان في استقبالنا الأب رائد كلو، الذي قدم لنا شرحًا مفصلًا عن الكنيسة وتاريخها العريق.

هذه الكنيسة كانت تحوي كتبًا ومخطوطات نادرة، لكن داعش أبادت تلك الكنوز بحرقها وتفجير الكنيسة، بعد أربع سنوات من العمل الدؤوب، وبمشاركة أكثر من مائة من أبناء الموصل الشرفاء، استُعيدت الكنيسة إلى الحياة، لتصبح رمزًا لا يخص المسيحيين فقط، بل لكل أهل المدينة والعراق أجمع، معلماً تاريخياً وتراثياً نفتخر به جميعًا.تم تمويل إعادة الإعمار بدعم كريم من دولة الإمارات، حيث رافق هذا الدعم جهود منظمة اليونسكو، وشركة الرحاب التي تولت أعمال الترميم، بالتنسيق مع مديرية آثار وتراث نينوى والوقف المسيحي، لقد كانت عودة هذا الصرح بعد الدمار المعمق بمثابة معجزة، حيث أعيد إلى سابق عهدها المجيد.المادة الأساسية لبناء الكنيسة هي المرمر الموصلّي، أو ما يُعرف محليًا بـ»مادة الفرش»، وهي مادة صلبة ورخيصة، وتوجد فقط في مدينة الموصل، لذلك نلاحظ استخدامها بكثرة في البيوت القديمة، المساجد، الكنائس، وكل المباني التاريخية في المدينة.في «حوش البيعة» أو «حوش الكنائس»، تجتمع أربع كنائس تمثل طوائف متعددة، وهي حالة نادرة على المستوى العالمي.

تضم الطوائف السريان الأرثوذكس، السريان الكاثوليك، والأرمن الأرثوذكس، وعلى بعد حوالي مئة متر يقع جامع المصفي، الذي يُعد أول جامع في العراق ورابع أو خامس أقدم جامع في العالم، ويقع هذا كله قرب المياه، كما هي عادة تأسيس المدن.هذا الحي كان آخر معقل لداعش في الموصل، حيث سيطر على معظم الأماكن، وكانت دار الإدارة المطرانية مقرًا لمركز الحسبة التابع لهم، بعد بدء عمليات التحرير، حُصر الإرهابيون في هذا المنفذ وقُصفوا بخطة عسكرية محكمة.أما عن الفن داخل الكنيسة، فقد زُينت جدرانها بإيقونات حديثة نفذتها الفنانة الموصلية سحر، وهو فن نادر وحصري مرتبط بالكنائس (فن كنسي)، وبعد التدمير، حاولت دائرة الآثار والتراث إنقاذ كل حجر صالح، وأُعيد بناء الكنيسة باستخدام نفس المادة الأصلية، مما يوضح بعض الاختلافات الطفيفة بين القديم والجديد في جدرانها.يُذكر أن الدفن في الكنائس غير شائع هنا، ولا يوجد أي كاهن مدفون داخل الكنيسة، فعملية الدفن تتم خارجها.وعن المسيحية في لاموصل أوضح الاب كلو : المسيحية في الموصل تعود إلى القرون الأولى، حيث هناك أديرة وكنائس تعود للقرن الرابع الميلادي، مثل دير مار ميخائيل، ودير مار ميخائيل حاوي الكنيسة 14 تموز داخل المدينة، التاريخ يشهد على عراقة وجود المسيحيين في الموصل، الذين انتقل كثير منهم إلى بغداد خلال فترة الثورة واضطهادات 1959-1960، فأنشأوا هناك كنائس تحمل إرث الموصل.الموصل نفسها كانت تمتد من جزيرة ماردين التركية إلى ربيعة وتلعفر وحتى حلب، وكانت جزءًا من الإمبراطورية الأشورية قبل 4000 عام،واليوم، تنقسم الموصل إلى جانبيها الأيمن والأيسر، لتظل حاضنة حضارة وتراث غني أثرى الشرق بأكمله.كما زرنا مؤسسة «الخيمة لبناء السلام» التي يديرها الأب رائد، والتي تحتضن التدريبات والفعاليات المتنوعة مثل الموسيقى واللغات والقراءة، بالإضافة إلى مكتبة واسعة، تضم في رفوفها الكثير من الكتب في شتى المجالات المعرفية والعلمية والثقافية ،المبنى الذي يتألف من طابقين وقاعات مميزة يعكس روح الأمل والعمل المشترك.وأختتم الأب رائد كلو عن تجربته في كسب محبة الآخر، بعبارة بليغة « الدين لله ، وكون إنساناً بمعنى الكلمة».

 


مشاهدات 129
الكاتب رجاء حميد رشيد
أضيف 2025/12/26 - 10:39 PM
آخر تحديث 2025/12/27 - 12:33 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 26 الشهر 19684 الكلي 13003589
الوقت الآن
السبت 2025/12/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير