الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
مشاهدات من أرض الكنانة مصر العربية (11)

بواسطة azzaman

مشاهدات من أرض الكنانة مصر العربية (11)

المتحف القومي المصري أحد أشهر الواجهات العالمية

رعد أبو كلل الطائي

 

المتحف القومي المصري هو أحد وأشهر المتاحف العالمية، ومن أوائل المتاحف في العالم، والتي أُسستّ لتكون متحفاً عاماً على عكس المتاحف التي سبقته، ويقع في قلب العاصمة المصرية في القاهرة، بالجهة الشمالية لميدان التحرير، ويعود تأريخ إنشاؤه في عام 1835 هجرية، وكان موقعه حينها بحديقة الأزبكية، إذ ضم حينها عدداً كبيراً من الآثار المتنوعة، ثم نقل بمحتوياته إلى قاعة العرض الثانية بقلعة صلاح الدين الأيوبي، حتى فكر عالم المصريات الفرنسي (أوجست مارييت) الذي كان يعمل في متحف اللوفر في أفتتاح متحف يعرُض فيه مجموعة من الآثار على شاطئ النيل عند بولاق، وعندما تعرضت هذه الآثار لخطر الفيضان تم نقلها إلى موقع خاص بقصر الخديوي إسماعيل بالجيزة، ثم جاء عالم المصريات (جاستون ماسبيرو) الذي أفتتح في عام 1902 ميلادية في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني مبنى المتحف في موقعه الحالي في قلب القاهرة في ميدان التحرير، ويضم المتحف أكثر من 180 ألف قطعة آثارية أهمُها المجموعات الآثارية التي عُثر عليها في مقابر الملوك والحاشية الملكية للأُسرة الوسطى في دهشور في عام 1894 ميلادية، ويشتمل المتحف الآن أعظم مجموعة آثارية في العالم تحكي وتُعبر عن جميع مراحل التأريخ المصري القديم .

ما حكاية قصة المتحف ؟

ولمعرفة حكاية المتحف والمراحل الزمنية لنشأته، ومكوناته الآثارية والحضارية والثقافية، كان لا بد لي تفقدهُ وزيارتهُ، لأكون في قلب أحداثِهِ، وبعد زيارتي للمرة الثانية من الإسكندرية إلى القاهرة، وهذه المرة كانت الزيارة من خلال الباص السياحي الذي أمضى بيَّ نحو الطريق الصحراوي، الذي يبعُد عن القاهرة حوالي 250 كيلو متراً وأستغرقت الرحلة ساعتان ونصف الساعة، ترجلتُ من الباص في محطة وقوف وأستراحة بالقرب من ساحة التحرير، ومن هناك أستقليتُ مركبةَ اُجرة أوصلتني إلى الجهة الشمالية لميدان التحرير وسط البلد، الذي يقع فيه المتحف، وحال ترجُلي من المركبة فإذا أمامي مباشرةً الواجهة الأمامية المُهيبةَ للمتحف (حائط الأهرامات) الذي يبلُغ عُرضهُ حوالي 600 متر، ويصل أرتفاعهُ 45 متراً، ثُمَ دلفتُ إلى داخل مبنى المتحف الذي يتألف من كتلتينِ رئيسيتين هما، إلى يسارهِ (جهة الجنوب)، بمساحة أجمالية تقدر بأكثر من 92 متر مربع، ومبنىً المؤتمرات إلى يمينهِ جهة الشمال وبمساحة أجمالية تصل إلى أربعين متر مربع، ويربط بين الكتلتين، بهو المدخل إذ يقبع فيهِ تمثال رمسيس العظيم، وحينما كنتُ أتجول في مرافق المتحف، شاهدتُ مجموعة من زوار المتحف يتوسطهم مرشدٌ سياحيٌ آثاريٌ من مصلحة الآثار والمتاحف، يتحدث عن تاريخ ومراحل إنشاء المتحف وأهميتهُ التأريخية والحضارية لمصر، أنضميتُ للمجموعة، ودونتُ ما قالهُ المرشد عن قصة المتحف موضحاً :

لقد بدأت قصة المتحف، عندما أبدى القناصل الأجانب المعتمدون في مصر إعجابهم بالفن المصري القديم وعملوا على جمع الآثار المصرية، وإرسالِها إلى المدن الأوربية الرئيسية، وحينها بدأت تزدهر تجارة الآثار المصرية، والتي أصبحت بعد ذلك موضة أوربية، وكانت الهدايا من تلك القطع النادرة خلال القرن التاسع عشر الميلادي منتشرةً بين الطبقة الأُرستقراطية، وكانت التوابيت من أهم القطع وأكثرها رواجاً وطلباً، ولم يفهم المصريون في بداية الآمر الواقع التي جعلت الأوروبيين يهتمون بالأحجار الموجودة في أراضيهم، في حين كان الدافع الأهم وراء تنقيب المصريين عن الآثار في المعابد والمقابر هي الشائعات التي كانت تلوحُ إلى إن ببعض هذه الأماكن كنوزاً خفيةً .

متحف الأزبكية وكلية الألسُنّ وقال المرشد الآثاري، لقد حكم مصر في ذلك الوقت محمد علي باشا الكبير الذي بدأ بأستراتيجية جديدة، كان أساسُها أن تنفتح مصر على العالم الغربي.

وفي عام 1835 ميلادية أصدر محمد علي باشا مرسوماً يقضي بإنشاء مصلحة الآثار والمتحف المصري، وقام بأسناد تلك المصلحة إلى يوسف ضياء أفندي، وبإشراف الشيخ رفاعة الطهطاوي، ليتولى مهمة الأهتمام بأثار الماضي، وآمر في أغسطس عام 1835 ميلادية بأصدار قرار يمنع فيهِ التهريب والأتجار بالآثار المصرية، بل بضرورة صيانتها والحفاظ عليها، وكان المتحف المصري في ذلك الوقت يطلُ على بركة الأزبكية، ثُمَ تم إلحاقه بكلية الألسُن (كلية اللغات)، وبدأ يوسف ضياء أفندي منذ تولي منصبهُ بالتفتيش على آثار مصر الوسطى التي كان يعثر عليها الفلاحون، وفي عام 1848 ميلادية، كلف محمد علي باشا، باشار لينان بيك وزير المعارف، بوضع بيان شامل عن المناطق الآثارية، وأرسال الآثار المهمة إلى المتحف المصري، ولم يُكللّ هذا العمل بالنجاحَ لوفاة الباشا محمد علي عام 1849 ميلادية، والتي تلاها أضطراب الأمور مرة أخرى، وعادت ظاهرة الأتجار بالآثار إلى الظهور، وأخذت المجموعة التي كان يضمُها المتحف الذي أُقيم في الأزبكية إلى الإنكماش حتى تم نقلُها إلى قلعة صلاح الدين الأيوبي في صالة واحدة، ومما زادَ الآمرُ سوءاُ، كان أهداء الخديوي عباس الأول محتويات تلك الصالة إلى الدوق مكسيليان النمساوي أثناء زيارته القلعة .

متحف ومخزن الآثار في بولاق (الأنتكخانة)

وأستمرت عمليات سلب وتهريب وتدمير الآثار المصرية، كما يُشيرّ المرشد السياحي، إلى أن أصدر الخديوي عباس آوامرهُ إلى المديريات بفرض رقابة شديدة على الأجانب الذين كانوا يقومون بسرقة الآثار وأخفائها وبيعها، إلى أن وافق الخديوي سعيد في عام 1858 ميلادية على إنشاءِ مخزنٍ للآثار على ضفاف نهر النيل في بولاق، والذي تحول في عام 1859 ميلادية إلى متحف عند أكتشاف الملكة (أياح حتب)، بمنطقة دراع أبو النجا بطيبة، وكان من أهم القطع المكتشفة التابوت الذي وجدتّ بداخلهِ، مجموعة من الحُليّ والجواهر والأسلحة، والتي كانت على درجةً عاليةً من الروعة، وحرص الخديوي سعيد على التحسُس لإنشاء متحف للآثار المصرية في بولاق، وقد تم بناؤه في عهد الخديوي إسماعيل وأُفتتحَ للزوار عام 1863 ميلادية، وكان مبنى المتحف في بدايته ضخماً يطلُ على نهر النيل، إلا إنه تعرض لفيضان عام 1878 فغمرت المياه قاعات المتحف، وكان متحف بولاق مكاناً مؤقتاً، وبعد حادث الفيضان كانت الفرصة سانحة للمطالبة بإنشاء مقر دائم للمتحف ذو قدرة عالية وكبيرة على أستيعاب مجموعة أكبر من الآثار، في الوقت نفسه يكون بعيداً عن مسار الفيضان، فتنازل الخديوي إسماعيل عن أحد قصوره بالجيزة، والذي تقع فيه حديقة الحيوان الآن، ليكون المقر الجديد للمتحف، وفي عام 1889 ميلادية تم نقل جميع الآثار من متحف بولاق إلى القصر في الجيزة .

المتحف المصري الحالي

وزادَ مرشدُنا، لقد تنافسَ على تشييد مبنى المتحف المصري في المنطقة الشمالية التحرير 73 (مشروع تصميم) وفي النهاية أُختيرَ تصميم المهندس المعماري الفرنسي (مارسيل دورنون) عام 1897ميلادية ليُقامَ في المنطقة الشمالية لميدان التحرير على أمتداد ثكنات الجيش البريطاني بالقاهرة عند قصر النيل، وكان التصميم عملاً أبداعياً ليكون أول متحف في العالم شُيدَ ليكونَ متحفاً وليس مبنىً مُعداً بناؤهُ إلى متحف، وطبقتّ وسائل العرض الحديثة خلال تلك الفترة، ولقد تأثرت الأنماط والعناصر المعمارية في المتحف بالفن والعمارة الكلاسيكية اليونانية، ولم يحويّ أي تأثيرات للفن المصري القديم والمعابد المصرية القديمة سوى في تصميم حُجراتهِ، ويُحاكي مدخل القاعات صروح المعابد المصرية القديمة، وأُحتُفلَ بوضع حجر الأساس في نفس العام الذي تم وضع تصميم المتحف، وتم الأنتهاء من المشروع على يد الألماني (هريان جرابو) عام 1903 ميلادية، فيما تم الأنتهاء من عمليات النقل خلال عام واحد، وفي عام 1904 ميلادية تم تدشين وأفتتاح المتحف، واعتمد المتحف الجديد على اسلوب عرض يقوم على ترتيب القاعات ترتيباً تدريجياً، وتم وضع التماثيل الضخمة في الدور الأرضي، فيما تم عرض الخبايا الجنائزية المكتشفة في الطابق الأول تبعاً للتسلسل التأريخي .

مكونات المتحف

وقال المرشد السياحي، إن مبنى المتحف يتكون من :

1 المدخل الرئيسي وبهِ تمثال الملك رمسيس وخمس قطع آثارية ضخمة .

2 الدرج العظيم بأرتفاع يوازي ستةَ أدوار، ويحتوي على 87 قطعة آثارية كبيرة .

3 قاعة الملك توت عنج، وتضمُ 5 الآف قطعة من كنوز الملك مجموعةً لأول مرة .

4 قاعة العرض الدائم، وتحتوي على القطع الآثارية الخاصة بالحضارة المصرية القديمة .

5 قاعة العرض المؤقت، وتشتمل على أربع قاعات للعروض المُتغيرة .

6 متحف الطفل، ويحتوي على وسائط متعددة ونماذج لشرح المحتوى الآثاري .

7 فصل الحرف والفنون، وتضمُ خمسة فصول للحرف اليدوية .

8 قاعات لعرض ذوي الاحتياجات الخاصة .

9 مخازن الآثار، وتحتوي على 80 ألف قطعة آثارية مُجهزة للدراسة والبحث العلمي .

10 المكتبة الرئيسية .

11 مكتبة الكتب النادرة .

12 مكتبة المرئيات .

13 مركز المؤتمرات ويحتوي على القاعة الكبرى متعددة الأستخدامات، وقاعة العرض الثلاثي الأبعاد، وأستراحة وحديقة لأستقبال كبار الزوار والضيوف، ومركز ثقافي كبير يحتوي على عدة فصول وفعاليات وقاعات ومطاعم و28 محل تجاري وأكشاك مختلفة .

تأجيل أفتتاح المتحف المصري الكبير 

وقررت الحكومة المصرية تأجيل أفتتاح المتحف المصري القومي الكبير، وبينتّ وزارة السياحة و الآثار المصرية تقرر أرجاء الأفتتاح في ضوء الأحداث الإقليمية الراهنة، وسيتم التنسيق مع كافة الجهات المعنية لضمان تنظيم فعالية، تليقُ بمكانة مصر السياحية والثقافية على الساحة الدولية، وتليقُ كذلك بعظمة الحضارة المصرية وتُراثها الفريد، بينما سيواصل المتحف المصري الكبير أستقبال زائريهِ في ضوء الأفتتاح التجريبي له لحين قرب الموعد الجديد للأفتتاح الرسمي .

وعلى الصعيد نفسه قال المركز الإعلامي لمجلس الوزراء المصري، إنه لن يتم بيع المتحف المصري الكبير وسيظلُ مملوكاً للدولة المصرية، جاء ذلك على خلفية ما تداولته بعض صفحات التواصل الأجتماعي ووسائل الإعلام المعادية، بشأن أعتزام الحكومة بيع المتحف المصري الكبير، وزادَ المركز الإعلامي على إن هذا الحديث غير صحيح على الإطلاق، ولا يمتّ للحقيقة والواقع بأي صلةٍ، وشهدت مواقع الأتصال الاجتماعي خلال الفترة الأخيرة موجةًَ واسعةً من تداول لمقاطع فديو مُثيرةً قيلَ إنها توثِقّ أكتشافات آثارية وتأريخية مُذهلِة تحت الأرض في مصر، وإن هذه المقاطع التي أجتازت الفضاء الرقمي، حصدت ملايين المشاهدات، وأشعلتّ نِقاشاتّ واسعة بين المتابعين والمدونين في العالم العربي وخارجهِ، وسط تسأولات عن حقيقة ما تعرِضهُ الكاميرات، هل نحن أمام كشف آثاري حقيقي؟ أم مجرد محتوىً مُتقنّ الصُنع يجذب الأنظار؟

 وظهر أحد اكثر المقاطع انتشاراً يحمل عنوان أستكشاف بيت فرعوني تحت الماء، وظهرَ فيه أشخاص يرتدون زياً موحداً باللون الأخضر، وهم يتفقدونَ توابيتَ وقطعاً آثاريةً داخل أنفاق تحت الأرض، وحصد هذا الفديو أكثر من 114 مليون مُشاهدةً خلال 10 أيام .

وفي خاتمة سردِنا نقول :

يعرِضّ المتحف المصري بالتحرير الآن العديد من القطع الآثارية من مقبرة يويا وتويا، بما في ذلك التوابيت والأقنعة والأثاث الجنائزي، وقد عُثِرَ عليها في وادي الملوك في الأُقصُر، وتم عرضهُ ضمن كنوز المقبرة في الدور العلوي بالمتحف المصري، وفي شهر أغسطس آب عام 2004 ميلادية أُعلنَ عن أختفاء 38 قطعة آثارية من المتحف، ولم يُستدلّ عليها، جاء ذلك خلال حالة الإنفلات الأمني .


مشاهدات 38
أضيف 2025/12/08 - 3:52 PM
آخر تحديث 2025/12/09 - 1:25 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 55 الشهر 6150 الكلي 12790055
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/12/9 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير