من منصة التخرج إلى أرصفة الانتظار
علي حربوش المسعودي
في زاوية من زوايا المدينة، يقف سيف، خريج البكالوريوس، حاملاً شهادته التي ظنّها مفتاحًا لأبواب المستقبل. لم يكن وصوله إلى منصة التخرج أمرًا يسيرًا؛ فقد أفنى والده جهده وعرقه، وضحّى براحته ليكون حسن عوضًا وعونًا، وليحمل عنه عبء السنين.
لكن المفاجأة كانت قاسية. حين خرج سيف إلى سوق العمل، وجد نفسه واحدًا من آلاف الخريجين الذين يملؤون الشوارع بلا وظيفة، بلا فرصة، بلا أمل. أحلامه التي رسمها أثناء مسيرته الدراسية ـ تأسيس عائلة، بناء بيت، تحقيق ذاته ـ بدت بعيدة المنال، كأنها سراب يلوح في الأفق ثم يتلاشى.
ينظر سيف إلى أبيه الهرِم، الذي أنهكه العمر، عاجزًا عن تعويضه أو منحه ما يستحقه بعد سنوات الدراسة. أما الشركات، فكانت تقف كحراس أبواب مغلقة، تطلب خبرة سنوات طويلة من شاب لم يُمنح فرصة ليبدأ أصلاً.
هكذا وجد سيف نفسه أمام مستقبل مجهول، في بلد غني بالخيرات، تتسابق الدول الطامعة للاستحواذ عليها، بينما أبناؤه يعيشون في فراغ البطالة. المفارقة مؤلمة: ثروة الأرض لا تنعكس على حياة الإنسان، والطاقات الشابة تُهدر في الانتظار.
قصة سيف ليست فردية؛ إنها مرآة لجيل كامل، جيلٍ يواجه معادلة صعبة: شهادات بلا وظائف، طموحات بلا تحقيق، وخيرات بلا توزيع عادل. والسؤال الذي يظل معلقًا في الهواء: ما الحل؟ كيف يمكن لشاب أن يبني مستقبله وسط هذا الغموض، وكيف يمكن لوطن أن ينهض إذا ترك أبناءه على أرصفة البطالة؟