التوزيع غير العادل للمقاعد بين بغداد وكردستان
سوزان ئاميدي
تصاعد الجدل حول نتائج الانتخابات العراقية وعدد المقاعد المخصصة لكل محافظة كشف عن تفاوت واضح في قيمة الصوت الانتخابي بين المحافظات، ما يعكس خللاً جوهرياً في العدالة التمثيلية. ففي بغداد، قد يحصل المرشح على مقعد نيابي بعدد أصوات لا يتجاوز 25–30 ألفاً، بينما يحتاج المرشح في أربيل أو دهوك إلى أكثر من ضعف هذا العدد للفوز بالمقعد نفسه. هذا الخلل لا يرتبط فقط بطريقة تطبيق قانون سانت ليغو المعدّل، بل أيضاً بآلية توزيع المقاعد استناداً إلى تقديرات سكانية متأثرة بالتغييرات الديموغرافية ومنح الهوية الوطنية، خاصة في المناطق المتنازع عليها أو المشمولة بالمادة الدستورية 140، حيث تم منح كثير من العوائل الإيرانية والعوائل المقيمة في الخارج الهوية الوطنية.
كما يظهر خلل آخر عند مقارنة عدد الأصوات المطلوبة للفوز بالمقاعد في محافظات متساوية من حيث عدد السكان المسجلين: في المحافظة ذات المشاركة الأقل، قد يحصل المرشح على مقعد بعد 20 ألف صوت فقط، بينما في المحافظة ذات المشاركة الأعلى قد يحتاج إلى 40 ألف صوت أو أكثر، ما يجعل قيمة الصوت الانتخابي غير متساوية ويزيد شعور الناخبين بعدم العدالة.
أصوات اجمالية
للتوضيح، يمكن مقارنة نتائج حزب الإعمار والتنمية بزعامة محمد شياع السوداني مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني (KDP): حصل السوداني على عدد أقل من الأصوات الإجمالية على مستوى العراق، لكنه نال عدداً أكبر من المقاعد نتيجة توزّع قواعده في محافظات ذات مقاعد كثيرة ونسبة أصوات منخفضة لكل مقعد، بينما حصد KDP أكثر من مليون صوت في الإقليم ومناطق أخرى خارج الإقليم مثل الموصل وكركوك، ومع ذلك لم تُترجم تلك الأصوات إلى عدد مكافئ من المقاعد بسبب محدودية الحصة المخصصة للإقليم في البرلمان.
وبحسب التقديرات حتى يوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025 الساعة 18:53 بتوقيت غرينتش، فإن الحزب الديمقراطي الكوردستاني يتصدر بأغلبية واضحة، ومن المتوقع أن يحصل على حوالي 30 مقعداً ضمن النطاق الأعلى المتوقع، بينما يأتي الاتحاد الوطني الكوردستاني في المركز الثاني بحوالي 19–22 مقعداً، وتحصل أحزاب المعارضة والجيل الجديد على عدد محدود من المقاعد مقارنة بالحزبين الرئيسيين. وإذا حصل الحزب الديمقراطي الكوردستاني على أكثر من 1,100,000–1,200,000 صوت، سترتفع نسبته من الأصوات الكوردية إلى نحو 75 بالمئة ما يؤهله نظرياً للحصول على 51 مقعداً لو كان التوزيع قائماً على النسبة العامة من الأصوات.
هذا كله يبرز أن النظام الانتخابي الحالي يعاني من تشوّه في الأسس الإحصائية والتمثيلية، فلا يمكن بناء عدالة انتخابية حقيقية طالما تُوزَّع المقاعد وفق تقديرات سكانية متأثرة بالتغييرات الديموغرافية ومنح الهوية الوطنية، مع اختلاف المشاركة الانتخابية بين المحافظات، إضافة إلى خلل التطبيق الفعلي لقانون سانت ليغو المعدّل.
ولتصحيح هذا الوضع، من الضروري إجراء تعداد سكاني دقيق بإشراف أممي مستقل، وتوزيع المقاعد على أساس عدد السكان الفعليين وليس التقديريين، واعتبار العراق دائرة انتخابية واحدة أو اعتماد نظام “التمثيل النسبي الوطني” لضمان عدالة الصوت في كل المحافظات، إضافة إلى إعادة النظر في معادلة سانت ليغو المعدّلة لتصبح أداة عادلة للتمثيل الشعبي.