أعياد الميلاد بطابعها البغدادي
محمد خضير الانباري
تحمل أعياد الميلاد في مدينة بغداد نكهةً خاصة، تمتزج فيها بساطة الحياة بفرحٍ دافئ، وتنبض بذكريات الأزقة العتيقة وروح البيوت التي تفوح بالحنين والمحبة. ليست هذه الاحتفالات مجرد مرور أعوام، بل هي طقس اجتماعي يروي حكاية المدينة وعادات أهلها في التعبير عن المودة.
يحتفل برأس السنة الميلادية في بغداد ، لا بوصفها مناسبة تخص أعياد إخوتنا المسيحيين فحسب، بل باعتبارها فرحًا إنسانيًا جامعًا، تشارك فيه القلوب قبل الطقوس، احتفال يتخذ طابعًا فريدًا، تتدفق فيه ألوان الحب والسلام، لشعب السلام، وكأنه امتداد طبيعي لإسمها التاريخي الخالد: «مدينة السلام». فبغداد، بطبيعتها وأهلها، مدينة الألفة والوحدة، التي يشطرها نهر دجلة الخالد بين الكرخ والرصافة، لينسج بسحره الخلاب لوحة تنعكس على شوارعها وأبنيتها ، فيبعث فيها الضوء والحياة والبهجة. وهكذا يغدو الاحتفال فيها احتفالًا بالإنسان، وبالتاريخ، وبالروح البغدادية العريقة.
تتناقل صور احتفالاتها كل بقاع العالم: مضاهيةً ومنافسةً، مدن عالمية مثل: نيويورك - باريس - لندن، متنقلة بين شوارعها وجسورها المضيئة وأنوارها المتلألئة، مرورًا بمطاعم شارع أبي نؤاس الشهيرة، بأجوائها البراقة وسمكها المسكوف في مواقدها، وصولًا إلى أحياء المنصور واليرموك والكرادة وشارع فلسطين، وسائر حارات وأزقة بغداد الجميلة، حيث، تتجلى المقاهي الساحرة والدفء الإنساني الذي يعكس روح المدينة الحقيقية؛ روح شعب لا ينام، يعشق الحياة والابتسامة، رغم ما يفرض عليه أحيانًا من ظلام قاتم.....!. حتى الأحزان في بغداد، تأتي متناغمة مع العزف والطبل والعود، فهي مدينة وشعب يعشقان الموسيقى، وكيف لا، وقد أنجب العراق، زرياب الموصلي، وتتلمذ على أرضه إسحاق الموصلي، فكانت الموسيقى جزءًا أصيلًا من وجدانها. لطالما كانت بغداد مصدر إلهام للشعراء والأدباء والفلاسفة، فتغنّى بها الكثيرون، وكتب عنها التاريخ صفحات مشرقة. وما زالت كلمات أم كلثوم في ذاكرتنا، في قصيدتها التي تتردّد في الأذهان: «بغداد يا قلعةَ الأسود»، من كلمات الشاعر الكبير محمود حسن اسماعيل وألحان رياض السنباطي في مطلعها : بغداد ياقلعة الأسود.... ياكعبة المجد والخلود.
وما أصدحت فيروز بصوتها الخلاب عن بغداد، من كلمات وألحان للأخوين الرحباني، منصور وعاصي، لتخلّد صور المدينة وروحها: بقصيدة بغداد :
بغداد والشعراء والصور ... ذهب الزمان وضوؤه العطر
يا ألف ليلة يا مكملة الأعراس.... يغسل وجهك القمر
ولا ننسى شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري في كلماته الرائعة :
بغدادُ ما اشتبكتْ عليكِ الأعصرُ... إلا ذَوَتْ ووريقُ عمركِ أخضرُ
ان المشاركة في احتفالات رأس السنة من مدينة السلام (بغداد) هي تعبير طبيعي وعفوي لشباب يسعون للفرح، وللتخفيف من وطأة الأيام السوداء التي مرّ بها شعبنا. فقد طال الحزن، وكثر البكاء، وتراكمت الهموم ، وحان الوقت لنقول: كفى حزنًا، ولتتسع مساحة الفرح في بغداد. لنوصل رسالة للعالم أجمع . هنا بغداد ، هنا مدينة الحب والسلام .