الانتخابات البرلمانيةِ.. وجوهَ أنورتْ وأخرى
محمد خضير الانباري
وأخيرا، اختتمَ السباقُ الماراثونيُ البرلمانيُ نحوَ قبةِ مجلسِ النواب، فكانَ منْ بينِ المتسابقينَ منْ تمكنِ منْ الوصولِ ضمنَ قائمةٍ الْــــــ (329) ، بينما تخلفَ آخرونَ عنْ بلوغِ الهدف، إما لضعفِ لياقتهمْ السياسية، أوْ لاعتمادهمْ على « المدربِ المحليِ « دونَ الاستعانةِ بخبرةِ المدربينَ العربِ منْ أبناءِ العمومةِ أوْ منْ جيراننا المسلمينَ الأعزاء، أوْ حتى منْ جماعةِ « أبي ناجي « الجددِ والقدامى لدولتنا العراقية الحديثة.
ظهرتْ نتائجَ الانتخاباتِ البرلمانيةِ للمحافظاتِ كافة، وأعلنتْ أسماءٌ الفائزينَ منْ المكوناتِ والأحزابِ والكتلِ السياسيةِ والائتلافاتِ المختلفة- وما شاءَ الله- على تعددِ المسمياتِ والانتماءاتِ المختلفةِ، فقدْ ضمتْ النتائج؛ وجوها جديدةً ، تظهر- لأولِ مرة- في المجلس، إلى جانبِ بعض « الدماءِ الثقيلةِ « التي فرضتْ مجدداً على الشعبِ، رغمَ رفضهِ لها، لكنَ قانونَ الانتخاباتِ ونظامِ « سانتْ ليغوِ « السيئَ ، أعاداها إلى المشهدِ السياسي.
لقدْ ابتعدتْ بعضَ الأسماء من النخبِ والكفاءاتِ الوطنيةِ – منْ حملةِ الشهاداتِ العليا وأصحاب الخبرةِ والكفاءةِ – عنْ واجهةِ المشهدِ العام نتيجة النظام المذكور. إنَ تكرارَ الأسماءِ ذاتها في كلِ دورةٍ برلمانيةٍ، يعدْ ظاهرةً غيرَ صحية- باستثناء المتميزين من أصحاب الشأن الصادق والنزيه في الخدمة الوطنية- بلْ مؤشرا واضحا على خللٍ في الوعيِ الانتخابيِ والسياسي، فبعدَ أكثرَ منْ عشرينَ عاما على التغيير، كانَ الشعب، يأملَ أنْ يشهدَ تحولاً وتغيرا جذريا في البنيةِ السياسيةِ والإدارية، غيرَ أنَ الواقعَ، أثبتَ خلافُ ذلك.
إنَ العراقَ الجديد، لا يمكنُ أنْ يتكئَ على شخصيةٍ واحدةٍ في كلِ ميدانِ منْ ميادينِ العملِ السياسيِ أوْ الإداريِ أوْ الفني؛ فلكلِ موقعٍ نيابيٍ أوْ تنفيذيٍ في مؤسساتِ الدولة، هنالكَ آلالآفُ من الكفاءاتِ القادرةِ على النهوضِ به، بعيدا عنْ منطقِ المحاصصةِ والمصالحِ الضيقةِ، فالبلادُ اليومُ بأمس الحاجةِ إلى الكفاءات الحقيقية وأصحابِ الفكرِ والبصيرة، لا منْ احترفوا الشعاراتُ والخطاباتُ الرنانة.
إنَ ما نعيشهُ اليومَ، ليسَ قدرا مكتوبا، بلْ نتيجةَ تراكماتٍ منْ الصمتِ والتغاضي عنْ الفسادِ والمفسدين. فحينَ يكافأ السارقُ بمنصب، ويقصى الشريفْ، لأنهُ قالَ كلمةَ حق، تصبح الدولةُ في مهبِ الريح، ويضيعَ صوتُ المواطنِ بينَ صفقاتِ السياسةِ ومصالحِ المنفذين. لذلك، فإنَ الإصلاحَ الحقيقيَ لا يبدأُ منْ قصرِ الحاكم، بلْ منْ وعيِ الشعبِ، الذي يرفضُ أنْ يستغلَ باسمِ الدينِ أوْ المذهبِ أوْ العشيرة. وما لمْ نحسنْ الاختيار، فتقطعُ يدُ الفسادِ بالقانونِ والعدالةِ لا بالعنفِ والانتقام، ونبقى ندورُ في الحلقةِ ذاتها، تتبدلَ الوجوهُ ويبقى الخرابُ واحدا. ومنْ أجلِ أنْ تعودَ هيبةُ الدولةِ وتستعادُ كرامةُ المواطن، لا بالبطشِ والظلم، كما فعلَ أولئكَ الطغاة، بلْ بعدالةٍ حقيقيةٍ تحاسبُ الفاسدَ وتنصفُ الفقير، فالأممُ لا تبنى بالعصا ولا تنهضُ بالخوف، بلْ تصان بالحقِ والمساواةِ وتطبيقِ القانونِ على الكبيرِ قبلَ الصغير.