الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
نيجيرفان بارزاني وصناديق الكرامة.. الصوت الذي يشبه الجبل

بواسطة azzaman

نيجيرفان بارزاني وصناديق الكرامة.. الصوت الذي يشبه الجبل

عطا شميراني

 

حين يخاطب الرئيس نيجيرفان بارزاني أبناء شعبه قائلاً: «اذهبوا إلى صناديق الاقتراع، فكل صوتٍ مهم للكُرد في بغداد»، لا يتحدث بلسان زعيمٍ انتخابي، بل بلغة من يعرف أن التاريخ لا يُكتب بالبيانات، بل بالأصوات التي تخرج من صدورٍ صدّقت حلمها. إنها ليست دعوة عابرة إلى الاقتراع، بل استنهاض لذاكرةٍ قوميةٍ مثقلةٍ بالتجارب، تُدرك أن كل جولةٍ انتخابية هي جولةٌ في معركة الوجود.

في كل دورةٍ انتخابية، يتكرر السؤال الأبدي: هل لا يزال للكرد صوتٌ في بغداد؟

وسؤال نيجيرفان يأتي جواباً: نعم، ولكن هذا الصوت يحتاج إلى من ينطقه بثقة، لا بخوف، ويضعه في الصندوق كمن يزرع بذرة في أرضٍ تنتظر المطر.

فالصندوق هنا ليس آلةً انتخابية؛ إنه ساحةُ اختبارٍ للوعي، ومسرحٌ للكرامة، ومرآةٌ تُظهر لنا هل نحن فاعلون في قدرنا أم مجرد متفرجين على مسرح الآخرين.

صوت كردي

حين يقول نيجيرفان إن كل صوتٍ مهم، فهو يُذكّر أن الصوت الكردي في بغداد ليس رقماً بين الأرقام، بل صدى لتاريخٍ طويل من الصعود من تحت الركام. إنه الامتداد المدني لتلك المقاومة التي بدأت في الجبال، حين كان الجندي الكردي يقاتل من أجل حريةٍ لم يعرف إن كان سيــــــــعيش ليراها.

اليوم، يتحول الرصاص إلى قلم، والجبل إلى صندوق اقتراع، والمقاتل إلى ناخب.

وفي هذا التحول تكمن أعظم فلسفات الحرية: أن تتبدّل أدوات النضال دون أن تتبدّل مقاصده.

نيجيرفان بارزاني يدرك أن بغداد ليست بعيدة جغرافياً فحسب، بل نفسياً وسياسياً أيضاً. إنها العاصمة التي كثيراً ما حاولت أن تسمع الكردي، لكنها لم تُصغِ إليه. واليوم، عبر الانتخابات، يطلب منهم أن يجعلوا أصواتهم جسراً لا جداراً، وأن يثبتوا أن الشراكة ليست شعاراً، بل إرادة.

اعتراف حقيقي

في خطابه دفء الدولة ورصانة الزعيم ودهاء الفيلسوف؛ فهو يعرف أن الديمقراطية ليست مثالية، لكنها الممر الوحيد الذي يمكن للكرد أن يعبُروا منه إلى الاعتراف الحقيقي داخل الدولة العراقية.

فالكردي حين يذهب غداً إلى الصندوق، لا يصوّت لحزبٍ أو شخصٍ فحسب، بل يصوّت لفكرةٍ اسمها الحضور، ضد فكرةٍ اسمها النسيان.

إنها لحظة من تلك اللحظات التي يتكثف فيها المعنى: ورقةٌ صغيرةٌ تختصر جغرافيا كاملة، وصوتٌ فرديٌ يحمل في طيّاته إرادةَ أمةٍ بأكملها.

فكل صوتٍ كرديٍّ في بغداد هو حجارةٌ صغيرة تُرمى في نهر السياسة لتغيّر مجراه.

وغداً — حين يفتح الصباح أبواب الاقتراع — سيمشي الناس إلى الصناديق كمن يمشي إلى المعبد.

ستُسمع أصواتهم لا كضجيجٍ انتخابي، بل كتراتيل وطنيةٍ تقول: نحن هنا، باقون في هذه الأرض، نحملها كما تحملنا.

وهكذا، حين تنتهي الأصوات، سيبقى صدى تلك الجملة يتردد في الذاكرة الكردية:

«كل صوتٍ مهم للكرد في بغداد» — ليس شعاراً، بل ميثاقاً، لا بين حزبٍ وشعب، بل بين التاريخ والمستقبل.


مشاهدات 47
الكاتب عطا شميراني
أضيف 2025/11/11 - 7:19 PM
آخر تحديث 2025/11/12 - 4:21 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 156 الشهر 8193 الكلي 12569696
الوقت الآن
الأربعاء 2025/11/12 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير